النقد الصحيح: دليل القارئ إلى سحر الإبداع وفهم الكلام

د. سامية السلوم

“في الشعر العربي سحر النصوص المقاربات والمسرات والمضاعفات”
هو الكتاب النقدي العاشر للدكتور سامي سويدان( )، وهو كتاب صدر حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية، يقع في 352 صفحة من الحجم الوسط، يطرح فيه الكاتب مشروع النقد الصحيح الذي يشحذ الوعي، ويطور الفكر، ويغني المعرفة في النصوص الأدبية وغير الأدبية. وهذا النقد الصحيح هو باب الوحي أو مجازه المفضي إلى التغيير ذلك لأنه الطرف الآخر في عملية تقديم الجمال الإبداعي في النصوص؛ فإذا كان ما يميز الإبداع النصي هو الصور الجميلة الفاتنة الساحرة التي تحمل متعةً للمتلقي ومسرةً، فإن مهمة الناقد أن يكشف أسرار هذه المتعة وهذه المسرة ويحملها إلى المتلقي؛ لأن المتعة ترتبط بالمعرفة والمعرفة النقدية تضيف إلى متعة النصوص الشعرية متعة بالدلّ والاستدلال. 
وهذه الجدلية بين المتعة والتفكير النقدي الصحيح تؤدي إلى معرفةٍ نقديةٍ تتجاوز النصوص الشعرية إلى رؤية العالم نصًا تقاربه بوعي نقدي يتجاوز الظاهر والسطحي فيه لبلوغ حقيقته، وبلوغ الحقيقة هو أساس التغيير الفعلي نحو الأفضل الذي يلبي حاجات الإنسان الأصيلة والعميقة والجوهرية، وهنا تكمن الأهمية الكبرى للمنهج النقدي الصحيح.
 ولتوضيح هذا المنهج يؤكد الدكتور سامي على مسائل ثلاث مترابطة ومتحدة تميز هذا المنهج عن سواه من المناهج الأخرى؛ 
أولها الاعتماد على علم الدلالة البنيوي الذي يميز ثلاث بنى للنص (ظاهرة، وسطحية، وعميقة)، تستتبع ثلاثة أنماط من البحث أو التحليل الدلالي تفسيري تعييني مرتبط بالظاهر المباشر ومنوط بالتطابق، وتعليلي تضميني مرتبط بسطحية المقصود غير المباشر ومنوط بالتماثل، وتأويلي افتراضي خاص بالعمق اللاواعي المحتمل ومنوط بالتماسك.
ثانيها الترابط المنهجي بين الأهداف والتصورات والمساعي على أن الشعرية أهم المسائل النقدية على الإطلاق، فالبحث في شعرية النصوص الأدبية يقتضي تمييز الأعمال الشعرية الغنائية من الأعمال النثرية القصصية؛ فالأولى تعبّر عن الحالات، فتتوخى الطرب، ويتحرى فيها الناقد اتساق المكونات على أساس التعادل الاختياري- الاستبدالي الذي يفضي إلى تلبث أو تناظر في المكان وتقارن في الزمان، ويجب التركيز فيها على التشابه (الاستعارة). أما الثانية فتعبر عن التحولات، فتتوخى العجب، ويتحرى فيها الناقد الترابط النسقي- الإسنادي الذي يفضي إلى تجاور أو انتقال في المكان وتعاقب في الزمان، ويجب التركيز فيها على الاختلاف (المجاز المرسل).
وثالثها اعتماد الأداء التحليلي أو الطرائق الإجرائية في المقاربة المنهجية على أنّ المنهج البنيوي ركيزة هذه المقاربة وقاعدتها مبدئيًا، ذلك أن النص وحدة كلية تتمثل في بنيته العامة التي تعطي تفاصيل النص أو أجزاءه دلالاتها المناسبة، وهذه البنية تعرف صيغًا أو أشكالًا في الأداء تسمى “التشكلات البنيوية”، وهي تمثل قاعدة الدرس أو محور البحث الخاص بشعرية النص أو دلالته المختلفة. واستنادًا إلى أوجه الاختلاف أو الاتصال المفترض لانجدال المكونات النصية في إحدى الوجهتين العامتين الآنفتي الذكر (التعادل والترابط). والتشكلات البنيوية تمثل قاعدة الدرس أو محور البحث الخاص بشعرية النص أو دلالته المختلفة بوصفها الحيز أو المعطى البنيوي الذي تبدأ عبره وانطلاقًا منه واستنادًا إليه أوجه الائتلاف أو الاتساق المفترض لانجدال المكونات النصية في التعادل الاختياري- الاستبدالي في النصوص الشعرية الغنائية، وفي الترابط النسقي- الإسنادي في النصوص النثرية القصصية.
يقسم الدكتور سامي سويدان الكتاب إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول (الصورة في الشعر العربي) في هذا الفصل تنظير يحدد وضعية الصورة وموقعها ودورها ويعيّن دراستها بذاتها وفي السياق الذي تأتي فيه، وذلك على أساس أبعاد الدراسة الثلاثة التفسيري والتعليلي والتأويلي. 
الفصل الثاني (في بناء القصيدة العربية الجديدة بين الجمالية الإبداعية والمقاربة النقدية): في هذا الفصل يقدّم الدكتور قراءة نقدية لآراء نقدية قديمة تبرز اهتمام النقد العربي القديم بوحدة القصيدة واتساق أجزائها، والاهتمام ببناء القصيدة كوجه أساسي من وجوه جماليتها، ويرصد تحولات نقدية حديثة عنيتْ بالنظر إلى الجزء دون الكلّ بصورة عامة، مما أغفل العلاقة الجدلية بين بنية التمظهر الخارجي والبنية السطحية الداخلية للقصيدة. ويبين كيف عادت، مع الشعر الحديث، حيوية هذه العلاقة الجدلية مع قيام عملية تفاعل خلاقة ومتجددة انطلاقًا منها ولا تتوقف عندها، ذلك أن البناء العام المرتبط بالبنية الأخيرة يقيم من جهة ثانية علاقة جدلية مع البنية العميقة للنص، وهي بدورها تعرف تحولات أساسية انطلاقًا من التطورات الجديدة للعالم والذات والشعر، وهذا ما جعلها لا تقل عن العلاقة السابقة هذا إن لم تتجاوزها حيوية. ويعرض الدكتور سامي أيضًا مجموعة مقاربات نقدية حديثة من خلالها يؤكد الموقع المحوري الذي يحتله بناء القصيدة في العملية الإبداعية وأهمية التعرض له منهجًا وإجراء، وخطورته. 
الفصل الثالث (مقاربات نصية): يقدم فيه دراسة تطبيقية لأعمال كوكبة من الشعراء، لبلورة الطرح عمليًّا، وهذه الدراسات ظاهرها دراسة الشعري، لكنها تصلح لأيّ بناء كلامي غير شعري، لأن فاعليتها لا تتوقف عند حدود الشعر بل تشمل القول كله.
وهذا الكتاب من أهمّ الكتب التي تعلّم القارئ فنّ قراءة النصوص، كما تعلمه فن التفكير بما يجري في عالمه بوضع التفاصيل ضمن إطارها الكلي الصحيح لفهم الصور الحياتية الجزئية أو التفصيلية، وليس فقط الأدبية أو الشعرية… 
[1] – سامي سويدان: حائز شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية والأدب العربي الحديث عام 1981 من جامعة السوربون الجديدة، باريس الثالثة، فرنسا. درس الأدب العربي والنقد الأدبي الحديث وقام بالإشراف على الرسائل والأطاريح في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، بيروت. من مؤلفاته: أسئلة النقد والشعرية العربية (2013)؛ المتاهة والتمويه في الرواية العربية (2006)؛ فضاءات السرد ومدارات التخييل في الرواية العربية (2006)؛ بدر شاكر السياب وريادة التجديد في الشعر العربي الحديث (2002)؛ أبحاث في النص الروائي العربي (ط2، 2000)؛ في النص الشعري العربي: مقاربات منهجية (ط2، 1999)؛ جسور الحداثة المعلقة (1997)؛ جدلية الحوار في الثقافة والنقد (1995)؛ في دلالية القصص وشعرية السرد (ط1، 1991). كما ترجم كتاب نقد النقد (مركز الإنماء القومي، 1986) من تأليف تزیفیتان تودوروف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…