الحِجْلان

د آلان كيكاني

مهما قيل في وسائل التواصل الاجتماعي وعالمها الافتراضي وإمكانية تقنُّع الفرد فيها بأقنعة مختلفة والتخفي خلف أسماء مستعارة وما قد ينجم عن ذلك من بث الزيف والتزوير ونشره، تبقى هذه الأدوات مرآة حقيقية تعكس الواقع وترينا صورة أصلية عن طبيعة الحال في بلد ما أو في بيئة اجتماعية ما أو وسط معتنقي عقيدة ما. ولا عجب في ذلك فخلف كل حساب في وسائل التواصل الاجتماعي فرد من لحم ودم، يحب ويكره، يفرح ويغضب، يصدق ويكذب، وقد يكون متطرفاً دينياً أو مذهبياً أو قومياً، يرى في وسائل التواصل فسحة لبث سمومه الممزوجة بالتشنج والتشدد، أو قد يكون في الجانب الآخر، سموحاً ليناً سلساً يتخذ من هذه الوسائل فرصة للمتعة وتبادل الآراء مع الآخرين بصمت وهدوء.
اليوم تأملت على الفيسبوك في مناشير بعض الأصدقاء الافتراضيين ممن ينتمون إلى القارة الأوربية والأميركتين:
ثمة شابة حسناء تدعو أصدقاءها إلى إبداء رأيهم في تدرج ظلال مساحيق التجميل في عينيها وخديها من خلال صور التقطتها لنفسها بأوضاع مختلفة.
وأخرى تبدي من على ظهر قارب سياحي فخم إعجابها بتايلاند وتدعو أصدقاءها إلى زيارة هذا البلد الجميل.
وآخر ومن خلال فيديو قصير يعتز بكلبه الصغير الذي يقوم بحركات مضحكة..
وفي صفحة أخرى ينشر أحدهم صورة لمجموعة من المسنين يقودون دراجاتهم الهوائية في طقس بارد والثلج يتساقط على رؤوسهم، ويكتب في الهامش: السعادة ليست حكراً على الشباب، تستطيع أن تكون سعيداً في أي زمان ومكان……
 وتأملت أيضاً في مناشير بعض الأصدقاء الكرد: 
صورة لامرأة كردية محاربة ترتدي الزي العسكري وترفع البندقية مزهوة….. وتبتسم ملء أشداقها
يتلقفها أحدهم وينشرها على صفحته بمناسبة يوم المرأة العالمي مشيدا من خلالها بدور المرأة وتضحياتها وبطولاتها.
نفس الصورة يتلقفها صديق آخر وينشرها على صفحته ويكتب تحتها: انظروا كيف أهانوا المرأة واستغلوها أبشع استغلال في الحروب والنزاعات، تأملوا ماذا فعل أعداء الإنسانية ومشوهو القضية بالمرأة الكردية… حري بهذه الجميلة أن تبني بيتها وأن تكون نبع حب وحنان لزوجها وأبنائها…
وفي موضع آخر ينشر أحدهم صورة كاريكاتيرية معدلة بالفوتوشوب يظهر فيها زعيمان كرديان ولكن أحدهما بجسد كلب وآخر بجسد حمار.
وقبل أيام وأثناء تصفحي للفيسبوك عثرت على منشور يدعو صاحبه، المريد في أحد الأحزاب، مريدي حزب آخر إلى الخروج من صفحته وإلا فإنه……
وتتذيل المناشير الأربعة السابقة، كالعادة، بسيل من التعليقات الجارحة، والمسبات القذرة، والسجالات العقيمة، تتخللها تهديدات بالحظر والشكوى إلى إدارة الفيسبوك. 
كل هذا ونحن أحوج ما نكون في هذه الأيام العصيبة إلى الوحدة والتآلف. فمن حرب ضروس تحرق الأخضر واليابس منذ أكثر من عقد ننتقل إلى زلزال مدمر يهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها ويشرد ما تبقى منهم ملقياً بهم في أتون الفقر والمرض. ومن زلزال ننتقل إلى فيضانات تجرف الممتلكات وتزهق الأرواح، وكأننا في حلقة معيبة تجر فيها المصيبة أختها. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…