«لا جناح لي» لجميل داري.. إمعان في غواية الارتحال المستمرّ

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن ديوان شعريّ جديد بعنوان “لا جناح لي” للشاعر السوريّ جميل داري. وجاء الديوان في ١٩٢ صفحة من القطع الوسط. 
يعدّ ديوان “لا جناح لي” عصارة تجربة شعرية حاول الشاعر جميل داري أن يزرع نقطة ضوء في نفق طويل مع الشعور بأنّ هذه الرغبة في الزراعة كانت طوباوبة أكثر منها واقعية، فلا معنى للكلمة في زمن القمع، ولا معنى للقصيدة التي تستدرّ التصفيق.
يضمّ الديوان نصوصاً قصيرة مكثّفة تلمّح وتصرّح في وقت واحد، وهي على أرض الواقع مجرّد نصوص أرضية تعبّر عن رغبتها في الطيران، وليس لها ذلك، فهي كشاعرها مقيّدة بالواقع بألف قيد وقيد، ومن هنا الشعور بالعجز في جعل القصيدة واحة للمتعبين، وسلاحاً مدافعاً عن المظلومين، هذا العجز يولّد قهراً كبيراً، وقد قيل: “القدرة تُذهب الحفيظة”، ومن أين للشعر هذه القدرة على إطفاء نار الغضب في روح الشاعر وأعصابه!
أن تكون بلا جناح، وتحاول الطيران هذا ما يسعى إليه الشعر هنا، لكن الإشكالية تكمن في الاعتياد على عدم القدرة على الطيران وإدمان الحالة إلى درجة موت الإحساس بذلك، وحين يموت الإحساس بالعجز يموت الشاعر.
يشار إلى أنّ لوحة الغلاف هي للفنان الكردي العراقي جبار صابر وتصميم الغلاف للشاعر والفنان ياسين حسين. 
ومما جاء في مقدّمة الديوان التي كتبها د. أحمد فرّاج العجمي:
يمضي جميل داري في ديوانه “لا جَناحَ لي” نحو بُعدٍ ثالث من أبعاد التفضية المكانيّة؛ حيث يُمعن في غواية الارتحال المستمرّ مشغوفًا بسلطة المكان الجماليّ، باحثًا عن كوّة يفلت منها طيور الأمل، متماهيًا مع ظلال الأحداث المُلمّة بالماضي القريب والواقع المُحبط، فلا يجد أمامه غير الرحلة النفسيّة، وهنا تتجلّى منظومة النفي، نفي نفسيّ عن الواقع القبيح إلى عالمه الجماليّ أولًا، نفي عن الوطن إلى الغربة عنه ثانيًا، وها هو الآن في هذا الديوان يشكّل لنا عالمه المكاني الجديد في منفى جديد، يشرع لنا أبواب تأويله.
بما يمكن أن نسميه كمال الاندماج بالعالم الشعريّ الخاصّ يُخلص داري لنسق منظومته الشعريّة شكلًا ومضمونًا، وتعكس مرآة الرمز والتكثيف عوالم متداخلة وأبعادًا خبيئة وانزياحًا مولّدًا لدلالات متوارية، وقراءات مستمرّة قادرة على إحياء النصّ عدّة مرات؛ ليقف النصّ ماثلًا أمام ذهن المتلقّي غنيًّا برؤاه وأفكاره بعد أن ظنّ القارئ أنّه فرغ منه، فيعيد التسلّل إليه من جديد، وهنا تكمن لعبة داري الشعريّة.
يبدأ جميل داري الشاعر الستينيّ رحلة جديدة يجتمع فيها النضج الفنّي والهمّة العالية والتفرّغ للكتابة والإخلاص لها، محاولًا إعادة بناء تصوّراته تجاه العالم والإنسان والقيم والشعر؛ لننتظر له ديوانًا بعد ديوان، واقفين على ملامح تجربة شعريّة وضيئة جديرة بالقراءة.
تعريف بالشاعر:
جميل داري من مواليد (1953) عامودا، سوريا. يحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة حلب عام (1979). له في الشعر دواوين عديدة وهي: “السفر إلى عينيك بعد المنفى” (1984)؛ “ظلال الكلام” (1995)؛ “إن القرى لم تنتظر شهداءها” (1993)؛ “حرائق” (2014)، وديوان “اشتعالات” (2015).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…