لقمان أحمد كسر أيقونة الغياب و قراءة سورة الوجع

غريب ملا زلال 

حين يكون الوجع كبيراً بحجم السماء، يلجأ الفنان مسرعاً إلى إزالة الحواجز المصطنعة، و رميها في محيط، لخلق عناصر إضافية مستوحاة من هذا الوجع، و لهذا يبدأ الفنان بالتفاعل مع أشكال هي موروثة في العمقين التاريخي و الإنساني، و بالتقاطع مع العمق الزمني بكيفية تراثية نقية، و ضمن هذا المناخ يهتم الفنان لقمان أحمد برموزه، التي لا تنكفئ في ملامسة روحه، و روح كل شاهد على هذا الوجع البارز والصارخ على نحو لا يتقبل إلا تلك القيم التي لا يمكن أن تهزم، و خاصة المزلزلة منها، فلقمان و بدرجة حادة من الرصد الجميل يلامس جوهر هذا الوجع الذي قد يخشى منه أن يهد الآمال، و لكن بإهتمامه على الداخل، ينجح لقمان في إيجاد شروط ملائمة لخلق عمل فني يواكب هذا الوجع، نتيجة صرخات متوالدة من عبء يثقل روحه، ولهذا يبحث كثيراً في الإنتقال إلى مرحلة تاريخية ليفرغ حمله المتجذر في مرايا البلاد .
صحيح ليس هناك ما يعرقل ريشة لقمان فهو قابض عليها بحرفية عالية جداً، تكامل الملموسات على نحو لا يخضع لأوامر طارئة، فهو يقود عمله بإجتهاد يناسب أسلوبه الذي يعاين المونولوجات الحزينة، والقريبة في الوقت نفسه من التوجهات التي تربطه بنسغ الحياة من خلال تطويعه لكل الإيقاعات المتبادلة منها، و المتسارعة و على نحو أخص ما بين الأبيض و الأسود، هذان اللونان اللذان يحملان من الحميمية الكثير إذا إلتقيا، والذي سيحضر بينهما الأحمر حتماً فهو الذائع و الملموس، و القادر على خلخلة أي وجع آخر قد يستجد، وبالتعاون معاً يلجؤون إلى فك القطيعة ما بين اللافت المتبلور في الملامح التي تتسع الأرض، و الحامل لأهداف منلاحمة ذات قيم تؤرخ ذلك الوجع المنقسم على طرفي الصليب، الذي لا يزال هنا يكتسي رسوخاً من العطالة المؤطرة لكل العناصر المستوحاة من حمل يثير كل التواصل مع أي مبادرة قيمية تتعلق بالتفاعل مع الداخل اللامعلوم من العمل الفني، فلقمان يشير في أكثر أعماله الأخيرة و بنجاح مرموق و مفيد إلى تلك الإشكاليات المتعلقة بتأريخ الوجع، على إعتباره وجعاً لكل الجسد المنهك من الشمال إلى الشمال، بغض النظر على تنوعه في خلق صياغات جمالية و فنية التي من الممكن أن تكون إجابة جديرة عبر كل الإشارات التي قد ترسم في الأفق . 
فعلى الرغم من قيامنا بعملية إختيار هذا العمل كإنموذج من أعماله إلا أن هذا الوجع متناثر في جل أعماله، بإعتبارها منجزه المتوافر لديه و الجدير بالحضور في إتساع الثقافة القادمة، مع إهتمامه بأخذ الإعتبار في صعوبة رفد الذاكرة بما هو مشروع، ففسحة التأمل لديه و تحويل هذه الفسحة إلى إحتمالات منجزة فنياً يدفعنا حتماً إلى مشاركته في إستنباط كل المقولات القديمة منها والجديدة، و التي تشكل قضايا جمالية فنية في حقيقتها، و إنسانية قيمية في إقتباساتها، فلقمان يشدد على عديد من الآمال الكبيرة في عمله هذا ( و في أعمال أخرى كثيرة جداً ) آمال هي ليست ملاحظات عابر وطن، و إنما آهات لونية يلخص الكثير من أوجاع أرضه و ناسه و شماله، فهو يدفع المسؤولية بإتجاه تحويرات في العمل تقول الكثير من السرد النائم على الصليب الذي يحمله هذا الوجه و الذي يحمل الأرض برمته، و هذه الأمانة عند لقمان يستوجب عدم الإكتفاء بالتمهيدات المنظمة التي يوليها لقمان الكثير من إهتمامه، فكما الماء قادر على النفاذ لعمق الأرض، هكذا هو لقمان قادر على النفاذ ببصيرته الكبيرة لعمق الوجع خصوصاً حين يخلق علاقة إستثنائية بين الأبيض و الأسود، و بينهما و بين الدم المراق بتضافر جهوده المثمرة عبى إمتداد إنشغاله، فهو يحاصر الوجع تماماً بآهات و زفرات مضيئة تزيد عمله إنبهاراً فهو يجعل نغمة الرماد قائماً على إختيارات واسعة و التي تجذب بدورها كل الإحتمالات المطالبة بالتفكير، و كسر أيقونة الغياب لقراءة سورة الوجع والوصول إلى حالة ولادة غير قسرية . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…