إبراهيم محمود
الممسوخ أصلاً
كانت جماعة القِردة غاضبة، وهي تأتي على ذكر داروين وقوله بأن ” أصل الإنسان قرد “، وهي في غاية الغضب لأن هناك مقولة يتم تاولها بأنها كائنات ممسوخة، واتفقت فيما بينها على تحرير بيان ونشره لمن يهمه الأمر:
إن القرد هو الأصل للإنسان. فهو لا يخفي شيئاً، بينما يتستر على عريه، ويأتي بكل القبائح والفظائع يهلك بها الطبيعة وكائناتها ونسلها.
ثانياً، والممسوخ هو نفسه، إلى درجة دنيا، ولا بد أن نهمه في ارتكاب الفظائع وراء تحوله مسخاً، وبسبب جبنه وخوفه من تاريخه المعتَّم عليه، يخشى الاعتبار بمآله.
***
مواجهة
تواجهَ الإنسانُ والقرد في موقف مكشوف، فأطلق الإنسان ضحكة لها دويّها، دفعت بالقرد إلى النظر فيه ملياً. وسأله:
مالذي يضحكك أيها المتنك لماضيك ؟
استمر في ضحكه وهو يشير إلى ذيل القرد:
إنه ذيلك، لكم هو طويل ومثير للسخرية؟
رد القرد وهو يمسح على ذيله:
إنه أولاً وأخيراً ذيلي أيها العاري ولم آت به من جهة أخرى، أما أنت هلا قستَ كم هو طول ذيلك الذي تخفيه داخلك حتى الآن، وأنت تنحني أمام هذا وذاك؟
***
نصيحة
خاطب كبير القردة أتباعه. انتبهوا جيداً، إياكم ومعاشرة الإنسان، ففي التعامل معه مفسدة، ولا أسهل من طريقة لنيله من أحدكم، وهو المعروف بذلك. سيقطع الذيل الذي يذكره بذيليته، فيرتاح، وينتف الشَّعر، لأنه تخلصَ من شعر جسمه، والباقي منه دال عليه، ويقلع الأسنان، لئلا يستطيع أحدكم الضحك بملء فمه ، ويريه حقيقته .
***
مباراة
أراد الإنسان أن يغيظ القرد في لقاء جرى مصادفة، وهو يقول له:
لكم أنت بائس، حين تحاول تدبير أمورك اليومية .
رد القرد في الحال وهو ينظر إليه شزراً:
يمكننا أن نمضي إلى أي كان، ويعرض كلُّ منا خدماته عليه، ستجد أنك ستُرفض في الحال، لأن هناك تاريخاً لا يسر، يعنيك، والذي يتم اختياره والاهتمام به هو أنا.
***
ورقة ساقطة من كتاب داروين
في ورقة مكتوبة بخط يد داروين جاء فيها، أنه اعترف بينه وبين نفسه أن أصل القرد إنسان، ولكن السلوك السيء للإنسان دفع به لأن ينسلخ عنه، وجرَتْ تسميته الممسوخ.
وشدد داروين على أن التهمة ملفَّقة، بينما القرد لا يخفي سلوكه، فهو هو مذ كان هكذا.
***
القرِدة التي بكتْ
سمعت مجموعة من القردة أن هناك عرضاً مسرحياً يثير ضحكاً متواصلاً على مدى ساعتين لبني البشر.
استغربت القردة هذه الإشارة. فدفع بها الفضول لحضور العرض المسرحي.
استهجنت الحركات الزائدة والأصوات الصاخبة، والضحكات المنفردة، وعبارات تختلط بالحركات الكثيرة، بينما كان الجمهور يضحك .
العرض المسرحي لم يفلح في إضحاك القردة الحاضرة، بالعكس، لقد بكت في صمت، وخرجت وهي تهز رؤوسها متسائلة: من أين تأتيهم هذه القدرة على الضحك ؟
***
سؤال القرد
سأل قرد طاعن في السن ممن طعن في السن من البشر، وكان رزيناً:
هلّأ أخبرتني: لماذا جعلتم من الإنسان أصلاً للقرد ؟
ابتسم البشري ، ورد:
تلك هي سقطة الإنسان، إذ لكي يعظّم الإنسان نفسه، فوق كل الكائنات، وجد في جنسكم الحجة الدامغة ليلفّق هذه الكذبة، لقربه منكم، وليس العكس .
***
شك القردة
استقبلت جماعة من القردة سائحاً ومستطلعاً جغرافياً .
رحبتْ به بعد أن فتشته جيداً وقدَّمت له طعاماً وشرباً.
مساء خصصت له عريشة شجرية على مبعدة عنها. أراد أن يقيم وينام في وسطها.
أفهمه أحد القرد:
هناك المكان المناسبة لك والمريح لنا. فنحن في غاية التأكد بأنك ما أن تقيم بيننا إلى الصباح لن يكون النهار سلاماً علينا، وأنت توقع بيننا لتتحكم بنا كما هي صنعتكم يا بشر .
***
قول مأثور لقرد
حين نجد أحد أبناء جلدتنا يقوم بحركة غير مألوفة، نقول له في الحال:
أتريد أن تصبح إنساناً ؟
الغريب أنهم لا يكفوّن عن إطلاق قول مماثل، لمن يرونه منهم يقوم بحركات غير مألوفة:
هل أصبحت قرداً ؟
يا لهم من فاقدي التوازن. نقول ما نقول، خوفاً على جماعتنا، فظهور من يكون في مقام الإنسان، يعني أن الآتي لن يكون خيراً . أما هم فإنهم لا يعرفون أنه يستحيل من يمكنه أن يصبح قرداً. لأن ذلك استعداد لتحقيق السلام والوئام، حيث الحروب والصراعات حقيقتهم الكبرى .
***
القوة قانوناً
أشفق الإنسان على القرد الكبير الذي كان سيد قطيعه القردة، وقد أزيح جانباً بعد معركة ضارية، تغلَّب عليه قرد يتميز بالخفة وسرعة الانقضاض، وقال له:
أرأيت ماذا فعل بك الذي كان يتبعك حتى الأمس القريب، ولم تعمل جماعتك لك شيئاً تعبيراً عن حفظ جميلك معها ؟
رد القرد الكبير الذي اتخذ جهة جانبية من قطيعه، وهو هادىء:
أتريد أن تدخل قانونك إلى عالمنا، وهو قانون فيه من الخداع والمناورة والكذب الكثير؟ ذلك عرفنا الذي نتوارثه مذ وجدنا. الأقوى هو الذي يسود، والأقوى يأتي في المقدمة يحمي الجميع. بالأمس كنتُ الذكر الأقوى، فسدتُ، وانزاح الذي قبلي، واليوم تمت إزاحتي بالقوة التي نتفق عليها جميعاً، وغداً سيأتي من يكون الأقوى، وليس من معترض، وهكذا نعيش بسلام !
لم يعلق الإنسان، إنما نظر إلى الوراء وأطال النظر !
***
مساءلة القرد
سخر الإنسان من القرد وهو يقول:
يا لكم من مساكين وبؤساء، في حركاتكم وأصواتكم البسيطة، بينما نحن، فلدينا لغة غنية وملايين الكتب والآثار الدالة علينا.
رد القرد وهو يرسل ابتسامة سخرية:
هذا صحيح، ولكننا بحركاتنا وأصواتنا البسيطة كما تسمّونها نعيش في سلام ووئام، وهي كافية للتعبير عن كل ما نريد ويحدث مذ كنّا، بينما أنتم، فرغم ما تزعمونه من غِنى لغة وملايين الكتب، لم تفدكم هذه في أن تعيشوا بسلام فيما بينكم، وكلما تكلمتم أكثر، زادت أكاذيبكم، ودخلتم في قتال وحروب وصراعات فيما بينكم.