معضلة بشرية عامة ومزمنة

ابراهيم البليهي

كل فرد يشتمل دماغه على بنية ذهنية تأسيسية قاعدية تَكَوَّنت له تلقائيا في طفولته المبكرة بالتكامل التلقائي بين الحواس والدماغ فهو يتطبَّع بلغة وثقافة البيئة سواء كانت البيئة نيويورك أو بابوا ومنها ينبثق وعيه أي أنه وعيٌ مشروطٌ ومغلق وليس وعيًا مطلقًا ومفتوحًا. إن هذه البنية التأسيسية القاعدية لا تخضع لفاعلية الوعي ولا للفحص والتحليل لأنها هي أداته للتعلم وهي وسيلته لرؤية العالم فهو بها صار إنسانًا لكنه إنسانٌ منمَّط ومحدَّد ومشروط إنه بعقل تكوَّن بالتطبع إنه بوعي مشروط وليس وعيا مطلقًا إن هذه البنية تكون ذات فاعلية تلقائية دون رقيب لذلك فإن مئات الملايين في الغرب والشرق يتبرمجون في طفولتهم بأنساق ثقافية موروثة قد تنطوي على أشد التصورات سُخفًا وتبقى هذه التصورات ذات فاعلية تلقائية حاسمة مهما اجتازوا من مراحل التعليم.
أما ما يتعلمه الإنسان في المدرسة والجامعة فإن الدماغ يُكَوِّن له أنماطًا ذهنية منفصلة عن البنية الذهنية القاعدية إن هذه الأنماط تختلف نوعيًّا عن البنية الذهنية القاعدية فالأنماط قابلة للتوسع والتعمق بالمران والممارسة والمزيد من المعرفة كما أنها قابلة بأن تُنسى فهي أنماط متحركة وليست بنية ثابتة.
يتباعد الأفراد في الأمم المختلفة بقدر تباعد بنياتهم الذهنية القاعدية أما في الأنماط الذهنية فيتقاربون فالطبيب الهندوسي أو البوذي يلتقي في الفهم والممارسة مع الطبيب الكاثوليكي أو البروتستانتي. إن معضلة البشر تكمن في التباين الهائل في البنيات الذهنية القاعدية التي تتكوَّن تلقائيا في الطفولة المبكرة. إن على كل فرد أن يدرك الفرق النوعي بين بنيته الذهنية القاعدية مقابل أنماطه الذهنية التي تتكوَّن بالتعلُّم فالبنية تتكون تلقائيا في الطفولة وتتعَزَّز أثناء مراحل الحياة أما الأنماط فليست تلقائية وإنما تتكون بالتعلم القصدي إن الأولى ثابتة أما الثانية فتتأكد بالمزيد من التعلم والمزيد من الاهتمام والمزيد من الممارسة لكنها أيضا قابلة للاندثار بالنسيان والترك والإهمال …….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…