الوُشَاة !

أدهم شرقاوي

 يروي الإغريقُ في حكاياتهم الشعبية، أن أسداً قد كبر في السن ورقد مريضاً في كهفه محتفظاً ببعض قوته! جاءتْ جميعُ الحيوانات لتتضامن مع ملكها إلا الثعلب. وقد أحسَّ الذئبُ بفرصةٍ سانحةٍ ليشيَ بالثعلب عند الأسد، فقال له: ألا ترى يا عالي المقام أن جميع الحيوانات جاءت للاطمئنان عليك خلا الثعلب الذي على ما يبدو لا يكنُّ لكَ أي احترام!
وبينما كان الذئبُ يقول ذلك للأسد، وصل الثعلبُ وسمع الكلام، فزأر الأسد بوجهه بغضبٍ، ولكن الثعلبَ تمالك نفسه، وقال له بدهائه المعروف، أنا أكثرُ رعيتك محبةً وإخلاصاً لكَ، وحين جاؤوا لزيارتك، ذهبتُ أنا أبحث لك عن طبيبٍ يصفُ لنا دواءً لهذا المرض، حتى عثرتُ على واحدٍ!
قال له الأسد بلهفة: وما العلاج؟
فقال له الثعلب: دواؤكَ يا عالي المقام أن تسلخَ ذئباً على قيد الحياة، وتلفَّ نفسك بجلده!
وبسرعة تناول الأسدُ الذئبَ، وسلخ جلده ولفَّ نفسه به!
لا يكاد يخلو أدبٌ شعبي من قصص تدور على ألسنةِ الحيوان، ولستُ أُبالغ إذ أقول أنه الغرض الأدبيّ الوحيد الذي لا يُعرفُ له تاريخ ابتداء، وعلى ما يبدو أنه سيبقى ما بقيت الشعوب! وذلك لأنه يحمل بين طياته المتعة،  ويجد استحساناً لدى الصغار والكبار، ولأنه شمَّاعة الرمز الأشهر على مرِّ التاريخ، به يهمزُ القُصَّاصُ ويلمزون على المجتمع البشري!
فالقصص التي تدور على ألسنة الحيوان أعمق في طياتها مما تبدو عليه، والحيوانات فيها عبارة عن رموز تمثل شخصيات بشرية حقيقية!
وبالعودة إلى مضمون القصة، فما أكثر المتسلقين على أكتاف الآخرين في حياة الناس! إنَّ ما فعله الذئب من محاولة الوشاية بالثعلب عند الأسد، يفعله وزيرٌ بآخر عند الملك، ومدير بمدير عند الوزير، وموظف بموظف عند المدير! هذا هو الترتيب، سُلَّمٌ له درجات، وكل درجةٍ تشي بمثلها عند من هو أعلى منها، وبالمقابل تستقبل الوشايات من هي أدنى منها!
الكثير من البشر يعتمدون في وصولهم على عرقلة الآخرين أكثر مما يفكرون في عبور الطريق!
والكثير من البشر خطتهم الأولى تكسير مجاذيف الآخرين وليس التفكير في زيادة سرعة قواربهم!
والكثير من الناس يعتقدون أن إسقاط سمعة الآخرين بإمكانها أن تُحسِّنَ سمعتهم!
هذا هو دأب الفارغين، يحسبون كل ناجحٍ تهديداً صريحاً لهم، لأنه بنجاحه يكشفُ دون قصد منه مدى فشلهم!
الموظف المرتشي عدوه الأول ليس القانون، وإنما زميله الذي لا يرتشي، لأنه ودون أن يكلمه كلمة واحدة يخبره بوضاعته، تماماً كما لا تطيقُ البغِيُّ العفيفةَ، لأنه موجع جداً على المتسخ الملوث أن يرى شيئاً نظيفاً!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

نصر محمد / المانيا

-يضم صورا شعرية جديدة مبتكرة ، لغة شعرية خاصة بعناق ، تعانق الأحرف بالابداع من أوسع أبوابه ، انها لا تشبه الشعراء في قصائدهم ولا تقلد الشعراء المعاصرين في شطحاتهم وانفعالاتهم وقوالبهم الشعرية

-مؤامرة الحبر يترك الأثر على الشعر واللغة والقارئ ، يشير إلى شاعر استثنائي ، يعرف كيف يعزف على أوتار اللغة…

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…