فورة التفكير

ابراهيم البليهي

الأوروبيون لا يتميزون عرقيًّا ولا ثقافيًّا عن بقية الأمم فقد خضعوا أكثر من عشرة قرون لتحَكُّم الكنيسة وكانوا مستسلمين لهذا التحكم ثم فجأة هبوا من سباتهم الذليل  الطويل وراحوا يجوبون العالم ويتحكمون بالأمم ويستعمرون الشعوب ويواصلون حركة التغيير  ….
      لقد تضافرت مجموعة من العوامل جعلتهم يتحررون نسبيًّا من أطواق ورواسب وقيود التاريخ: أول هذه العوامل المستفزة أن الجيوش التركية طرقت أبواب عاصمة الامبراطورية المقدسة فينا فشعر الأوروبيون بالتهديد الحقيقي في وجودهم ليس هذا فقط بل لقد أُوصِدَتْ أمامهم أبواب التواصل مع العالم ….
هذا التهديد وهذا الإغلاق دفع كولومبس إلى إلى مغامرته المعروفة للبحث عن طريق آخر للتواصل مع الصين ومع العالم وقد أحدث اكتشاف أمريكا هزة فكرية مزلزلة شملت أوروبا كلها ….
ثم اكتشف كوبرنيكوس أن الأرض ليست سوى كوكب يدور حول الشمس فأحدث بذلك زلزالًا فكريًّا آخر ….
ثم جاء ديكارت ليعلن نظريته في المعرفة حيث شكك بالموروث ودعا كل إنسان بأن يضع محتويات ذهنه موضع المساءلة والفحص والتحقق ….
  ثم أعلن مارتن لوثر انشقاقه عن الكنيسة ووقف بجانبه أمير سكسونيا وأمراء ألمان آخرون وأسفر الانشقاق عن تقسيم أوروبا إلى شمال يدين بالبروتستانتية وجنوب بقي على الكاثوليكية …..
ثم توالت الهزات الفكرية والاكتشافات العلمية التي غيرت التفكير وقوضت الثوابت ….
إن حشو الأذهان بالمعلومات لا يحقق نتائج إيجابية وإنما المطلوب تغيير طريقة التفكير وتهيئة الأذهان لقبول التغيير ومواصلة الارتقاء ومع ذلك فإن الشعوب الغربية لم تتحول إلى شعوب عقلانية وإنما هم محمولون بمركبة عقلانية قوامها المؤسسات العقلانية والنظم والقوانين …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…