متفرقات طليقة « نص متقطع »

إبراهيم محمود
تقول الشجرة للزرافة خذيني بحلْم قضمك لا الآدمي
يقول النهر للفيل مثّلني بوقارك لا الآدمي
يقول الهواء لمالك الحزين أفرحني بلطفك لا الآدمي
الطبيعة تعلنها حياة لا تحتكَر من الآدمي 
***
الحمار يستهل خطابه الحماري بنهيق متخم بالعظمة
النعيق يبشّر بومه بيوم سعده تفاعلاً مع النهيق
النعيب يهلل لغرابه بمأمول مجده مع النعيق-النهيق
الخراب المزعوم يباشر تقويم الصواب المزكى
***
كان يمكن للسماء أن توغل في زرقتها
ليس في مقدور الهواء الامتداد وسْعها
ينبري الأفق مهذّباً بقوله: أين يمكنني الثبات؟
لست ولية أمر أحد خارج مداري، تقولها الأرض
***
القمر الذي انحدر سابحاً في ماء النبع النشوان
تجرَّد من ثوبه الحليبي البالغ الرقة
تلمَّظ لمرآه طيف معمر في الجوار
أعلنت السماء الحدَاد لابسة توتراً بعمق
***
ليس من عادة الليل أن يسرح دون توقيت
أحياناً يعلق في خضمّ بحره الحالك السواد
تتحرش به نجوم من مسافات بعيدة
فيدخل خباءه حيث يتثاءب الصباح
***
حصوة صغيرة أنعشتها قطرة ماء
حفنة تراب تنبهت لها سريعاً
حطت نسمة هواء رحالَها في المكان
ثمة خضرة تنتظر الخروج بلهفة
***
العصفور الذي فرش جناحيه للعصفورة
أبهر الضوء وهو ينام طي الجناحين
الهواء نفسه غنى لهما أغنية النسيم العليل
تدفقَّ العش حباً أشعل السماء العلى
***
صاحت نملة صغيرة: تسقط العنصرية
صرَّحت الحرية من جهتها بأنها ملاحقة
رددت غابات الأمازون أنا لم أعد محمية
دخلت الأرض في غرفة العناية المشددة كونياً 
***
لا بأس أن تشعل قلبك بأفق، قالت النار
لا بأس أن تغرس نبعاً بقصيدة، قال الماء
لا بأس أن تبثَّ خطاك طرقاً متيقظة، قالت المساة
الصخر سوف يخرج عن صمته، قال المتوقع
***
الوردة خرجت في نزهة صباحية
استقبلتها نداوة العشب في الجوار
ثمة فراشة داعبتها بجناحيها الخفيفين
كان الأفق يبتهج في سرّه
***
التراب المبتل بالماء تنفس بعمق
تحول الماء إلى عاشق ولهان
حيوات استيقظت في لقاء ممجَّد كهذا
من يوقف فيض الأخضر عالياً ؟
***
ظل الصغير انبهر بمرآه
أيقظ النبع من نومه العميق
كيف للظل أن يصادق ماء حالماً
الطبيعة باشرت كتابة مشاهداتها
***
الأرنب ذو الوبر الممشط بالضوء
استرسل في بث أشواقه لأنثاه
ثمة موج من العشب يغمر الحيوان الوبري
القمر الليلة سيسهر في الأسفل
***
خطى العاشقيْن نبَّهت أعماق النهر
استطلعت جنياتُه جانبي النهر الثملين
أسراب من الكراكي تنقر ظلالَها الندية
التماسيح تبارك  في الحياة طفرتها
***
الغزالة التي قادتها خفتها إلى زهو المكان
سلَّمت نفسها لدغدغة قيلولة  شاعرية
ثمة هواء كان ينفخ في ناي الفراغ الطروب
عرائس المروج تطلق العنان لأحلامها الخضراء
***
الحلم الذي ألبس النومَ نشوته
أوقف ساعة الحالم في معصمه
كان هناك الزمن يبتسم جلياً
النجوم عرَّست في المكان إلى وقت متأخر من المنادمة 
***
 الفراش الذي حلُم بالجسد المشتعل لحسنائه
خشي على نفسه من الاحتراق الكامل 
مطفئة النار فارقت المكان ذاتياً 
الغطاء وحده من أعلن اليقظة الكاملة
***
الباب الذي أيقظه ضوء القمر اللعوب
انفتح له عابراً به إلى الداخل
ستائر النوافذ رمت بنفسها عليه
بقي الباب فاغراً فاه 
***
ثمة خيط داعب خرم الإبرة 
تملَّكت النشوة رأس الإبرة
قطعة قماش تثاءبت في القريب العاجل
حلمَ الجسد العاري بنزهة شيقة في الخارج
***
لبصري الذي يمنحه النجم مشارف ضوء
ليدي التي يمنحها الهواء جرعة أجنحة
لروحي التي يمنحها الينبوع عمراً مقتدراً
تعقد الجهات اجتماعها في دورتها الاستثنائية 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…