ماهرعكيد
mahiregid@hotmail.com
في نبشٍ للمنعطفات التاريخيّة التي دُوَّنت توجّهاتيّة وتقريريّة أكثر منها تاريخيّة، يقدّم لنا الباحث الكرديّ إبراهيم محمود بحثاً في هذه المواد المدوّنة قديماً وحديثاً، عربيّاً وإسلاميّاً، حيث المضمون المُتناقَل فيها سيّان.
mahiregid@hotmail.com
في نبشٍ للمنعطفات التاريخيّة التي دُوَّنت توجّهاتيّة وتقريريّة أكثر منها تاريخيّة، يقدّم لنا الباحث الكرديّ إبراهيم محمود بحثاً في هذه المواد المدوّنة قديماً وحديثاً، عربيّاً وإسلاميّاً، حيث المضمون المُتناقَل فيها سيّان.
في بحثٍ جديد وفريد من نوعه يضعه الباحث بين أيدي المعنيّين، كرداً وعرباً /عرباً على وجه الخصوص/، كون المضمون ينبع ويجري من فكرهم القومويّ العروبيّ، ويصبّ ويصيب النخاع الكرديّ، ليبقى مشلولاً، مخلوعاً خارجاً عن المجرى الطبيعيّ له، لا روافد له، هكذا يبدو الكرديّ في المنظور القديم الحديث للمتأسلمين والعروبيّين، وفي جميع أدبياتهم العربيّة الإسلاميّة..
نستطيع أن نسمّي هذا البحث بأنه محاولة لكشف النقاب عن العابثين بالتاريخ وفيه، عسى هذه الأيدي العابثة تكفّ عن عبثها، ولئلا يُتشوّه التاريخ أكثر ممّا هو مشوّه، ولئلاّ يدوّن لصالح توجهات تظهٍر الدونيّة للآخر، ولغايات هي بمثابة النهايات في أذهان متصلّبة لا حياة فيها إلاّ ضمن إطار متصلّب أيضاً..
يحاول الباحث في مؤلّفه هذا والموسوم بـ “القبيلة الضائعة – الأكراد في الأدبيات العربيّة -الإسلاميّة /، والصادر في تموز 2007م عن شركة رياض الريّس”، أن يبين مدى فاعلية الذاكرة الجمعية وتأثيرها أو التوجه الجمعي وتأثيره في الذهنيات العربيّة الإسلاميّة، والمتوافق تواتريّاً والثابت على موقف واحد أحد بـ/ نحن الأوحدون والغير لا نراهم ولا سوانا سوى/، مع الردّ على هذه التوجّهات، وتحليل كلّ الإشكالات المتعلّقة بها، ليتشكّل بعد ذلك فكراً موضوعيّاً يحصل به التآلف لا التخالف..
في هذا المؤلّف يخترق الباحث تلك الصورة الضبابيّة ليوضحها أكثر، لكلّ متعامٍ، واضعٍ أمام عينيه نظّارات تطفىء نور الشمس، كي لا تتوضّح الصورة تلك أمام شبكيته، شبكته التي انوجد فيها، أو طلب منه التواجد فيها، محاولاً إظهار الصورة بشكلٍ لائقٍ وواضحة المعالم والأبعاد، مع إظهار مدى تأثير المؤثرات فيها وعليها.
إنّها القبيلة المضيّعة بامتياز في فكر المثقّفين العروبيّين القومويّين، والذين لم ولن تتسع مساحة ذهنياتهم لاستيعاب وتقبّل الكرد كشعب له تاريخه وحضوره الجغرافيّ على أرضه، يتمّ تمثيله عليها من قبل مَنْ ينفونه نفيّاً مكانيّاً وكليّاً، ليكونوا بالتالي موجودين داخل المكان، دون أن يكون لهم دخل في المكان، أولا مكان لهم فيه، ليبقى المكان مرسوماً في الأذهان.. فقط. حسب شرعة المتحكّمين بالمكان.
هذا هو حال الكرديّ يعيش ولا يعيش، حتى وكأنّ الهواء الذي يحويه المكان لا يكفي رئتي هؤلاء، ليسدّوا على الكرديّ رئتيه ويخنقوه، وليبقى ملحقاً بغيره لا حقّ له في مائه وهوائه، أو كما شبّه الباحث صورة الكردي بصورة (سيزيف) الأسطوري، وذلك في كتابه: (صورة الأكراد عربيّاً بعد حرب الخليج)، فسيزيف هذا “كان طموحاً، ومتمرّداً وعنيداً، وعدوّاً( والأصحّ خصماً لدوداً) للموت، فعوقب من أجل الآلهة إلى الأبد، بأن يرفع صخرة كبيرة، من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل، وما أن يوصلها إلى هناك، حتّى تتدحرج من جديد، وهكذا تستمرّ العملية إلى ما لا نهاية، لكي لا يفكّر بالخلاص. والأصحّ: لكي يظلّ مستعبَداً”ص29.
يتوخّى الباحث في مواضيعه الحيطة والحذر، لئلاّ تظهر عليه ملامح العنيف والمتشدّد في فكره، لأنّ غايته هي أبعد من أن يؤطّر فكره ويغلّفه بالموقف العنصريّ الحاسم والنهائي، لا ليست هذه هي غايته، إنّما غايته تكمن في إخراج كلّ فكر ضيق من إطاره، ليُبصر بما حوله، ويتخلّص من تأثير تلك المواقف والأحاديث المتواترة، والتي تبقي صاحبها أسيراً لها، فيكون بالتالي انطلاقته منها، وطلاقه لكلّ ما عداها.
إنّها الذاكرة الجمعية والمسخّرة لغايات، إنّها “أحاديث لم تبصر النور، ولم تنتقل من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان(من الذاكرة المدروسة جيداً، إلى القرطاس المحميّ جيداً)”ص109.
– بقاء الكرديّ الجنيّ أو الكائن الوهميّ والخرافي في جميع الكتابات القديمة الحديثة، ولا أدري إن كان هناك كائن آخر غير آدم تناسل منه البشر، فنلحق الكرد بهم، ولكن ألا يعني هذا ظهور كائنين على سطح الأرض، أحدهما آدم الطينيّ الصلصاليّ ومنه تناسل البشر، والآخر الجنيّ المخلوق من مارجٍ من نار، ومنه خلق الكرد وتناسلوا، وإنما ظهروا بهيئة البشر، وربما هم نصف آدميّين و طينيّين و في نصفهم الآخر جنيّين وناريّين، لا أدري كيف اخترق هذا الكائن الكرديّ الجنيّ الأرض في فكر هؤلاء، والقرآن ينفي ذلك “إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة” والخليفة كما هو معلوم آدم الطينيّ الصلصاليّ والمادي الملموس وليس النّاريّ، فهل نحن هجين الصلصال والنار، وهل هذا مذكور في القرآن؟ ربّما الكرديّ كذلك عربيّاً، غير مرئي مجازيّاً /كموقف/، وغير ظاهر أمام أعينهم، كالجنّ في حقيقته غير المرئيّة، أليست هذا مفارقة صارخة ومضحكة؟ أم الموقف العروبيّ يحسم المفارقات أيضاً لصالحه؟ هكذا يتم تداول الكرديّ بين المطرقة والسندان.
– إدانة الكرديّ وتجريمه كونه لم يقتدِ بجدّه صلاح الدين الأيوبي، أي تفضيل الدين على القومية، بينما هم في نفس الوقت يتمسّكون ويعضّون على القومية بالنواجذ، وبالتالي يريدون منّا أن نكون إسلاميّين وعروبيّين أكثر من العرب أنفسهم، أو ربّما نحن الكرد ننتمي إلى إحدى الفروع العربيّة ولا ندري، كما كان هذا ظاهراً وعلى سبيل المثال قول نائب وزير الإعلام السوري أحمد الحاج علي :” بـ العرب الأكراد”.
– إظهار الباحث المفارقات، وذلك كما في الوفد الذي تقدّمه رجل كريه المنظر عند ذهابهم إلى الرسول، ودعائه عليهم لمجرّد منظره، وبالتالي تثبيت هذه الحادثة وأرشفتها، لبثها في الأذهان وإظهارها عند اللزوم، ألا يجد هؤلاء أنهم يتناقضون مع أنفسهم، وبالتالي يكذبون على الرسول، ويقوّلونه ما لم يقله، وينسبون إليه ما ينافيه كرسول، فهم الذين يكتبون ويقولون في كتبهم الإسلاميّة وغير الإسلاميّة، بأنّ رسول الإسلام هو الوحيد من بين الرسل الذي لم يدعِ على أحد بما فيهم أعداؤه الذين آذوه، وهو الذي بُعث رحمة للعالمين، كما هو مدوّن في القرآن، فكيف الآن يدعو على أمّة بأكملها لمجرّد أنّه رأى شخصاً كريه المنظر، وهو الذي كان ينظر إلى القلوب لا إلى الأشكال، وهل الكرد خارج هؤلاء (العالمين) الذين بعث من أجلهم الرسول؟ أهو الموقف المسبق ثانية؟
– استناد المثقّفين العرب إلى المسعودي في مروجه الذهبية والاستشهاد به وبأقواله، وفي جميع الحالات والمجالات، متجاهلين عن المسعودي بأن كتاباته كانت تقريريّة، ككتاباتهم الحالية.
– تقزيم دور الكرد وتسميتهم بشعوب بدائية تقتل الحضارة العربيّة ووضعهم في خانة مشابهة مع التتار والصهيونيّة، كما في حال نبيل فياض، ولكن هل نجا الكرد وكردستان من الغزو التتاري؟ ألم يكن الكرد ضحية ذلك الغزو؟ انظر حول هذا الغزو”ديفيد مكدول- تاريخ الأكراد الحديث- الترجمة العربية لـ راج آل محمد- ص63-64.
– استناد الكثيرين من الكتاب على أقوال وكتابات لم يقرؤوها ولم يعاينوها، بل سمعوا بها وعنها وبالتالي وصفها / بأنها دقيقة جداً/.. أعني هنا تركي علي الربيعو، الذي وصف مقال سيمور هيرش الأمريكي بهذا الوصف، والتي نشرت في صحيفة نيويوركر، وهيرش هذا المموّل المعلوماتي له الاستخبارات التركيّة كما وضح الباحث ذلك، وكما أشار الباحث أيضاً إلى أن (الربيعو) ليس له إلمام بأية لغة أجنبية وضمناً الإنكليزيّة لغة مقال هيرش، فمن أين أتى الربيعو بهذا الوصف الدقيق، وكيف أكّد عليه؟
حقيقة إنّ الأذهان العروبيّة لا تحتوي على فسحة جغرافيّة تتقبّل كائناً آخر، فهي تربة غير مؤهلة وغير مناسبة، لأن تحوي فيها ما ينافيها، فهي صحراويّة نخيليّة.. فلو كان فكر المثقف العروبيّ بحراً بمضمونه وغزارته، لبرز فيه الموقف المريض حيال الفكر كالجثّة التي تطفو فوق سطح البحر.
إنّها دعوة مجّانيّة، لتشويه الكائن الكرديّ بربطه بالجنّ تارة، وبالتالي عدم صفاء عرقه، وتارة وصفه بالمرتدّ عن الإسلام، وأخرى ربطه بالصهيونيّة وفي الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بعد أحداث 12 آذار في القامشلي، والتي أثبتت وجود الكرد في سوريا رغم كافة محاولات التهميش لهم، وقد فصل الباحث في هذه الأحداث بشكل مفصَّل ودقيق..
وكي لا أنسى موضوعة العرق وصفائه، أريد أن أذكر هنا بأنّ العرب الخلّص (العرب العاربة) قد انقرضوا، كما في حال (عاد وثمود وطسم وجديس)، وهذا توضيح من الباحث لما كتبه طه حسين في كتابيه: في الشعر الجاهلي ومن تاريخ الأدب العربي، وعرب اليوم هم ممّن ينتمون إلى العرب المتعرّبة، وتشمل الذين يعتبرون أبناء قحطان، ممن نطقوا بلسان العرب العاربة واستقرّوا في ديارهم، والعرب المستعربة وتشمل الذين يسمّون أنفسهم عدنانيّين وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم، وقد أوضح الباحث ذلك في الصفحة الـ30 من كتابه.
تُرى هل ستتغير الصورة في المقبل القريب كون الظروف تغيرت، والحياة بطبيعتها تتغير باستمرار، أم ستزداد تشوهاً؟
لا بد لهذه الأفكار أن تتغيّر وتطمس، لأنّها ستكون وبالاً على موجديها ومروّجيها، وستدفع بهم إلى هاوية لا نجاة منها، وستقذف بهم إلى خارج التاريخ ليكونوا هم المهمّشين، بعد تهميشهم وتشويههم للكرد.
الكتاب بحثيّ موسّع وموثّق، يحمل بين طيّاته الكثير من المواضيع الموغلة في القدم والحديثة في آن، مع تحليل وتفسير منطقيّ علميّ لها، وردّ على كافّة الإشكاليات الموجودة هنا وهناك، ليبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كلّ حوار بنّاء وعقلانيّ يهدف إلى التعايش المشترك وتقبّل الآخر، الذي هو الأخ والشريك، وليس غير ذلك..
يحاول الباحث في مؤلّفه هذا والموسوم بـ “القبيلة الضائعة – الأكراد في الأدبيات العربيّة -الإسلاميّة /، والصادر في تموز 2007م عن شركة رياض الريّس”، أن يبين مدى فاعلية الذاكرة الجمعية وتأثيرها أو التوجه الجمعي وتأثيره في الذهنيات العربيّة الإسلاميّة، والمتوافق تواتريّاً والثابت على موقف واحد أحد بـ/ نحن الأوحدون والغير لا نراهم ولا سوانا سوى/، مع الردّ على هذه التوجّهات، وتحليل كلّ الإشكالات المتعلّقة بها، ليتشكّل بعد ذلك فكراً موضوعيّاً يحصل به التآلف لا التخالف..
في هذا المؤلّف يخترق الباحث تلك الصورة الضبابيّة ليوضحها أكثر، لكلّ متعامٍ، واضعٍ أمام عينيه نظّارات تطفىء نور الشمس، كي لا تتوضّح الصورة تلك أمام شبكيته، شبكته التي انوجد فيها، أو طلب منه التواجد فيها، محاولاً إظهار الصورة بشكلٍ لائقٍ وواضحة المعالم والأبعاد، مع إظهار مدى تأثير المؤثرات فيها وعليها.
إنّها القبيلة المضيّعة بامتياز في فكر المثقّفين العروبيّين القومويّين، والذين لم ولن تتسع مساحة ذهنياتهم لاستيعاب وتقبّل الكرد كشعب له تاريخه وحضوره الجغرافيّ على أرضه، يتمّ تمثيله عليها من قبل مَنْ ينفونه نفيّاً مكانيّاً وكليّاً، ليكونوا بالتالي موجودين داخل المكان، دون أن يكون لهم دخل في المكان، أولا مكان لهم فيه، ليبقى المكان مرسوماً في الأذهان.. فقط. حسب شرعة المتحكّمين بالمكان.
هذا هو حال الكرديّ يعيش ولا يعيش، حتى وكأنّ الهواء الذي يحويه المكان لا يكفي رئتي هؤلاء، ليسدّوا على الكرديّ رئتيه ويخنقوه، وليبقى ملحقاً بغيره لا حقّ له في مائه وهوائه، أو كما شبّه الباحث صورة الكردي بصورة (سيزيف) الأسطوري، وذلك في كتابه: (صورة الأكراد عربيّاً بعد حرب الخليج)، فسيزيف هذا “كان طموحاً، ومتمرّداً وعنيداً، وعدوّاً( والأصحّ خصماً لدوداً) للموت، فعوقب من أجل الآلهة إلى الأبد، بأن يرفع صخرة كبيرة، من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل، وما أن يوصلها إلى هناك، حتّى تتدحرج من جديد، وهكذا تستمرّ العملية إلى ما لا نهاية، لكي لا يفكّر بالخلاص. والأصحّ: لكي يظلّ مستعبَداً”ص29.
يتوخّى الباحث في مواضيعه الحيطة والحذر، لئلاّ تظهر عليه ملامح العنيف والمتشدّد في فكره، لأنّ غايته هي أبعد من أن يؤطّر فكره ويغلّفه بالموقف العنصريّ الحاسم والنهائي، لا ليست هذه هي غايته، إنّما غايته تكمن في إخراج كلّ فكر ضيق من إطاره، ليُبصر بما حوله، ويتخلّص من تأثير تلك المواقف والأحاديث المتواترة، والتي تبقي صاحبها أسيراً لها، فيكون بالتالي انطلاقته منها، وطلاقه لكلّ ما عداها.
إنّها الذاكرة الجمعية والمسخّرة لغايات، إنّها “أحاديث لم تبصر النور، ولم تنتقل من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان(من الذاكرة المدروسة جيداً، إلى القرطاس المحميّ جيداً)”ص109.
– بقاء الكرديّ الجنيّ أو الكائن الوهميّ والخرافي في جميع الكتابات القديمة الحديثة، ولا أدري إن كان هناك كائن آخر غير آدم تناسل منه البشر، فنلحق الكرد بهم، ولكن ألا يعني هذا ظهور كائنين على سطح الأرض، أحدهما آدم الطينيّ الصلصاليّ ومنه تناسل البشر، والآخر الجنيّ المخلوق من مارجٍ من نار، ومنه خلق الكرد وتناسلوا، وإنما ظهروا بهيئة البشر، وربما هم نصف آدميّين و طينيّين و في نصفهم الآخر جنيّين وناريّين، لا أدري كيف اخترق هذا الكائن الكرديّ الجنيّ الأرض في فكر هؤلاء، والقرآن ينفي ذلك “إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة” والخليفة كما هو معلوم آدم الطينيّ الصلصاليّ والمادي الملموس وليس النّاريّ، فهل نحن هجين الصلصال والنار، وهل هذا مذكور في القرآن؟ ربّما الكرديّ كذلك عربيّاً، غير مرئي مجازيّاً /كموقف/، وغير ظاهر أمام أعينهم، كالجنّ في حقيقته غير المرئيّة، أليست هذا مفارقة صارخة ومضحكة؟ أم الموقف العروبيّ يحسم المفارقات أيضاً لصالحه؟ هكذا يتم تداول الكرديّ بين المطرقة والسندان.
– إدانة الكرديّ وتجريمه كونه لم يقتدِ بجدّه صلاح الدين الأيوبي، أي تفضيل الدين على القومية، بينما هم في نفس الوقت يتمسّكون ويعضّون على القومية بالنواجذ، وبالتالي يريدون منّا أن نكون إسلاميّين وعروبيّين أكثر من العرب أنفسهم، أو ربّما نحن الكرد ننتمي إلى إحدى الفروع العربيّة ولا ندري، كما كان هذا ظاهراً وعلى سبيل المثال قول نائب وزير الإعلام السوري أحمد الحاج علي :” بـ العرب الأكراد”.
– إظهار الباحث المفارقات، وذلك كما في الوفد الذي تقدّمه رجل كريه المنظر عند ذهابهم إلى الرسول، ودعائه عليهم لمجرّد منظره، وبالتالي تثبيت هذه الحادثة وأرشفتها، لبثها في الأذهان وإظهارها عند اللزوم، ألا يجد هؤلاء أنهم يتناقضون مع أنفسهم، وبالتالي يكذبون على الرسول، ويقوّلونه ما لم يقله، وينسبون إليه ما ينافيه كرسول، فهم الذين يكتبون ويقولون في كتبهم الإسلاميّة وغير الإسلاميّة، بأنّ رسول الإسلام هو الوحيد من بين الرسل الذي لم يدعِ على أحد بما فيهم أعداؤه الذين آذوه، وهو الذي بُعث رحمة للعالمين، كما هو مدوّن في القرآن، فكيف الآن يدعو على أمّة بأكملها لمجرّد أنّه رأى شخصاً كريه المنظر، وهو الذي كان ينظر إلى القلوب لا إلى الأشكال، وهل الكرد خارج هؤلاء (العالمين) الذين بعث من أجلهم الرسول؟ أهو الموقف المسبق ثانية؟
– استناد المثقّفين العرب إلى المسعودي في مروجه الذهبية والاستشهاد به وبأقواله، وفي جميع الحالات والمجالات، متجاهلين عن المسعودي بأن كتاباته كانت تقريريّة، ككتاباتهم الحالية.
– تقزيم دور الكرد وتسميتهم بشعوب بدائية تقتل الحضارة العربيّة ووضعهم في خانة مشابهة مع التتار والصهيونيّة، كما في حال نبيل فياض، ولكن هل نجا الكرد وكردستان من الغزو التتاري؟ ألم يكن الكرد ضحية ذلك الغزو؟ انظر حول هذا الغزو”ديفيد مكدول- تاريخ الأكراد الحديث- الترجمة العربية لـ راج آل محمد- ص63-64.
– استناد الكثيرين من الكتاب على أقوال وكتابات لم يقرؤوها ولم يعاينوها، بل سمعوا بها وعنها وبالتالي وصفها / بأنها دقيقة جداً/.. أعني هنا تركي علي الربيعو، الذي وصف مقال سيمور هيرش الأمريكي بهذا الوصف، والتي نشرت في صحيفة نيويوركر، وهيرش هذا المموّل المعلوماتي له الاستخبارات التركيّة كما وضح الباحث ذلك، وكما أشار الباحث أيضاً إلى أن (الربيعو) ليس له إلمام بأية لغة أجنبية وضمناً الإنكليزيّة لغة مقال هيرش، فمن أين أتى الربيعو بهذا الوصف الدقيق، وكيف أكّد عليه؟
حقيقة إنّ الأذهان العروبيّة لا تحتوي على فسحة جغرافيّة تتقبّل كائناً آخر، فهي تربة غير مؤهلة وغير مناسبة، لأن تحوي فيها ما ينافيها، فهي صحراويّة نخيليّة.. فلو كان فكر المثقف العروبيّ بحراً بمضمونه وغزارته، لبرز فيه الموقف المريض حيال الفكر كالجثّة التي تطفو فوق سطح البحر.
إنّها دعوة مجّانيّة، لتشويه الكائن الكرديّ بربطه بالجنّ تارة، وبالتالي عدم صفاء عرقه، وتارة وصفه بالمرتدّ عن الإسلام، وأخرى ربطه بالصهيونيّة وفي الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بعد أحداث 12 آذار في القامشلي، والتي أثبتت وجود الكرد في سوريا رغم كافة محاولات التهميش لهم، وقد فصل الباحث في هذه الأحداث بشكل مفصَّل ودقيق..
وكي لا أنسى موضوعة العرق وصفائه، أريد أن أذكر هنا بأنّ العرب الخلّص (العرب العاربة) قد انقرضوا، كما في حال (عاد وثمود وطسم وجديس)، وهذا توضيح من الباحث لما كتبه طه حسين في كتابيه: في الشعر الجاهلي ومن تاريخ الأدب العربي، وعرب اليوم هم ممّن ينتمون إلى العرب المتعرّبة، وتشمل الذين يعتبرون أبناء قحطان، ممن نطقوا بلسان العرب العاربة واستقرّوا في ديارهم، والعرب المستعربة وتشمل الذين يسمّون أنفسهم عدنانيّين وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم، وقد أوضح الباحث ذلك في الصفحة الـ30 من كتابه.
تُرى هل ستتغير الصورة في المقبل القريب كون الظروف تغيرت، والحياة بطبيعتها تتغير باستمرار، أم ستزداد تشوهاً؟
لا بد لهذه الأفكار أن تتغيّر وتطمس، لأنّها ستكون وبالاً على موجديها ومروّجيها، وستدفع بهم إلى هاوية لا نجاة منها، وستقذف بهم إلى خارج التاريخ ليكونوا هم المهمّشين، بعد تهميشهم وتشويههم للكرد.
الكتاب بحثيّ موسّع وموثّق، يحمل بين طيّاته الكثير من المواضيع الموغلة في القدم والحديثة في آن، مع تحليل وتفسير منطقيّ علميّ لها، وردّ على كافّة الإشكاليات الموجودة هنا وهناك، ليبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كلّ حوار بنّاء وعقلانيّ يهدف إلى التعايش المشترك وتقبّل الآخر، الذي هو الأخ والشريك، وليس غير ذلك..