(الدم الأسوّد) الرواية الثانية للكاتب السوري عواد جاسم الجدي

عندما يسحبُ طفل ثيابهُ التي لا تغطي بالكاد ركبتيه ويرتعد مرتجفاً من شدةِ البردِ، بغيابِ والده الذي يحرس أنابيب النفط والغاز  وهويرتدي معطفاً زيتياً ويصغي لتعليمات (المعلم) أن يضاعف انتباهه ويقظته.
فينساب النفط والغاز بسلاسةٍ ودون ازعاج نحو منصّات التصدير، لتنتفخ بطون وجيوب وتمتلئ أرصدة، وترتفع مبان وتتسع مزارع وفلل…ولو تجرأ مارق على القانون وسأل:
أينَ عيون النفط عن جوعنا وفقرنا فالإجابة جاهزة وواضحة:
اصصصص  النفط بأيدٍ أمينة…!!
ولو غامر بحريتهِ ووجوده وأعاد السؤال فعشرات الأقلام الوطنية ستقوم بواجبها وتكتب للجهات التابعة لها تلك التي توزع عليها التبن والشعير بصورة مكرمة وطنية مقابل أن تبقى العيون يقظة فمع أي اغفاءة عين سيهرب الفساد.
ليس هذا كل ما جاء في رواية الروائي السوري د. عواد جاسم الجدي  الثانية والتي صدرت، قبل أيام، عن دار Inter Assist  الألمانية في ولاية هيسن.
دمج الكاتب بين وجهاتِ نظرِ عديدة على أنه أبقى ألوان الخيوط متباينة وإن كانت يد واحدة تمسكها بحبكةٍ روائية عمودها الفقري النفط، وإرثه من فقر ورق وعبودية سياسية ضربت أطنابها على المنطقة الشرقية التي وسموها بالمناطق النائية.
يمزج الكاتب بين البعد الجغرافي للمنطقة بفراتها وتربتها الزراعية وثرواتها وإرثها التاريخي العظيم وبين النفط كعنوان للفقر والتجهيل  ومصادرة الحريات وكم الأفواه ووأد الكلمة واعتبار ذلك مهمة وطنية صِرفة…. ومن يطالب بغير ذلك فعليه إعادة النظر في مستوى وعيه الحزبي، تخفض عضويته العاملة وعليه إتباع دورة تثقيف حزبي لرفع وعيه وسويته النضالية ولا مكان له بين صفوف المقاومين والممانعين.
يواصل الروائي برصد الخطوات الأولى للحراك الشعبي الجماهيري العفوي والذي انطلق يطالب بقليل من الحريات ومزيدٍ من التنمية…والجواب الذي جاء بمزيدٍ من الشهداء على أرض الواقع…!!
لم يشفع للمنطقة نفطها عالي الجودة قليل التكلفة، ولا غازها ذو الضغط العالي رخيص تكلفة الانتاج ولم يحسب لشعبها الضارب في أعماق التاريخ أي حساب.
رواية الدم الأسود ملحمة روائية رصدت حقبة زمنية ليست بالطويلة لكنها من أهم الحقبات في تاريخ المنطقة الشرقية منذ قوانين حمورابي وإلى اليوم….!
سلطت الضوء على النفط وظلاله الاجتماعي والاقتصادي والجيوسياسي  الذي امتد على المنطقة ولايزال..
تقع الرواية التي صدرت  عن دار “إنتر آسيست-هيسن- ألمانيا” في 300 ص من القطع الكبير، وبطباعة أنيقة. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…