في تأمل تجربة الكتابة.. لم تكن ستين خطأ لغوياً وحسب!

فراس حج محمد| فلسطين

ستون خطأ في كتاب، لا تنقص خطأ ولا تزيد خطأ، هذا ما أبلغني إياه وائل حنيني عم الأسير الكاتب ثائر، بعد أن راجعت الكتاب د. أمل أبو حنيش، كما أخبرني عندما سألته عمن قام بذلك، ولذلك سيطبع كتاب “تحيا حين تفنى” مرة أخرى. كيف صارت القصة وكيف سارت على هذا النحو؟ هذا ما سأحاول أن أقوله في هذه الكتابة لكن عليّ أولا أن أؤكد لكم ما أكده لي السيد وائل “ستون خطأ” بالتمام والكمال، ليست تسعة وخمسين، ولا واحدا وستين، فسبحان من جعلها “ستين”، وأحمد الله أنها لم تكن “66” لأصبحت ابن 66 ….!
الأمر محبط للغاية، أن تجد من يعدّ لك أخطاءك، ويصر على أن تكون “60” خطأ، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنني أخطأت ستين مرة، ليس نحويا ولغويا وإملائيا، بل أخطأت ستين مرة خطأ وطنيا، فضياع القدس أهون عند الوطن من وقوع المحرر بخطأ واحد. فكيف بستين خطيئة وطنية اقترفت بحق كتاب أسير. يا لها من مصيبة!
إحصاء الأخطاء بهذه الطريقة الساذجة محبط للغاية، وقاتل للمعنويات وللشغف، ولحب بذل الخير لهؤلاء الأسرى، لكن على ما يبدو: اعمل خير شرّا تلقى. وهل أعظم من هذا شراً؛ أن يحبطك الآخرون؟ أتدرون ما هو “الحبوط”؟ هو انتفاخ بطن الدابة لمرض فيه، فأنا الآن “دابة” محبطة، منتفخ بالوهم، لأنني حاولت أن أساعد فانقلب الأمر إلى “شر”، كأنني كمن جاء يكحلها فأعماها، فأعميت نفسي، وتفتحت عيون الآخرين على مصائبي الوطنية! والحمد لله أنني لم أتقاضَ فلسا واحدا على هذا العمل أو غيره من الأعمال وإلا لكنت أستحق التصفية الجسدية أسوة بعملاء الموساد القذرين!
أعتقد أن عليّ إن بقي لي شيء من ضمير أخلاقي ووطني وديني ألا أقدم هذه المساعدة لأحد، لأنني لست “خَرْجْ هالشغلة”، فأنا- كما ترون- سبب مباشر في أن الأسير سيتكلف بطباعة كتابه مرة أخرى، ويا للهول لو ترون ذلك التأثر الذي صاحب ملامح وجه العم وهو يتحدث عن طباعة الكتاب مرة أخرى، والغلبة التي سيواجهها، ستشعر ساعتها أنك بالفعل ساهمت بزيادة محكومية الأسير عقدا كاملاً، لشدة ذلك الأسف المصاحب!
هل سيحاكمني الأسرى الذين راجعت لهم كتبهم، كميل أبو حنيش، ورائد الشافعي، ورائد عبد الجليل، وثائر حنيني، وأحمد العارضة، وأماني الحشيم، وعبد العظيم عبد الحق، وقتيبة مسلم، وآخرون نسيت أسماءهم. إن لكل هؤلاء حقا لازما في ذمتي، فأنا مستعد، فليبدأوا المحاكمة، على الرغم من أنهم بدأوها بالفعل!
أطال الله بقاءك يا محمد صبحي، قال في مشهد من مشاهد إحدى مسرحياته: اشتغل كتير تغلط كتير ما تترقاش، اشتغل نص نص، تغلط نص نص، ما تشتغلش خالص ما تغلطش خالص، تترقى! أنا لم أتعلم من درس محمد صبحي- رضي الله عنه وأرضاه- كنت أضحك فقط على ذلك المشهد، وإذ بي يجب أن أسخر من نفسي أولا لتفاهة ما أنا عليه من حالة مدمرة للوطن الجميل، هذا الوطن، لولا وجودي على وجه الدنيا لتحرر من زمان، لكثرة أخطائي اللغوية، إنها ستون خطأ لغويا أيها الناس! فقط عليكم أن تتخيلوها بعقولكم، أخرجوها من التصور الذهني وصفوها خطأ وراء خطأ وانظروا إليها، ستجدون الطامة الكبرى في أبشع صورها. عليكم أن تمسحوا دموع تلك الأخطاء، ولا تجعلوها تذوب، بل لفوها معا، واضربوا بها وجه من صنعها وقدرها في كتاب الأسير!
ما الذي يجبرني على أن أحمل نفسي أخطاء كارثية كهذه؟ أليس من الأولى أن أقول: رحم الله امرأ جبّ المغيبة عن نفسه؟ لماذا اقترفت كل هذه الأخطاء؟ هل كنت أحسن الظن بالناس وبالأسرى، وبالمثقفين؟ إنني أقع في شرك الغباء مرة أخرى ولم أتعلم من الطغرائيّ رحمه الله تعالى: 
أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به
  فحاذرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ
  
والله الذي لا إله غيره، إنني ظالم لنفسي ظلما شديدا، فما كان أغناني عن كل هذا اللغط، فماذا جنيت من كل هذا؟ جنيت سوء السمعة، وسواد الوجه، وانعدام الضمير، وأنني غير مبالٍ، وإن أحسنوا فيّ الظن، ونادرا ما يفعلون، سيقولون عني أنني محدود الإمكانيات، ضعيف الكفاءات، أرفع المفعول به وأنصب المضاف إليه، وكأنني أصبحت “حمار إبراهيم طوقان”!
بهذا اكتملت الحلقة، وأغلقت الدائرة، وراحت علينا فيمن راحت عليه، فكتاب ككتاب ثائر، الصغير في حجمه، يكون فيه ستون خطأ، فما بالكم بكتاب أكبر حجماً؟ إنها إحدى الكبائر العظمى التي لا تغتفر، ولن يستطيع البحر بمائه أن يطهر سمعتي من سوئها، ولا تستطيع كل أوراق الشجر التي تخصف في الخريف أن تستر سوأتي القبيحة. لكن، أقول كما قال المثل: يداك أوكتا وفوك نفخ، وكما كانت تقول ستي رحمها الله: قتيل أديه ما بنبكى عليه، ولذلك فأنا “البراقش” التي جنت على نفسها، فلأحتمل كل هذا الحمل، واعدا نفسي أن أتعلم النحو والإملاء، ولكن قبل ذلك لا تعطوني فرصة لأن أخطئ ستين خطأ آخر في كتاب آخر.
وأخيرا صديقي العزيز حسن عبادي أرجوك ألا تلومني ألبتة على هذا المقال، وعلى ما جاء فيه من أفكار، وإن قرأته فلتقرأه وامسحه من ذاكرتك، ولا تذكره لي البتة البتة، كأنك لم تسمع به، وألا تذكّرني به ما دمنا على قيد هذه الحياة الفجة اللئيمة القاسية، ولتطردني من جنة عرضها زنزانة أسير، واتركني أسبّح في فضاء الخطأ الكبير، والتحلل من عقدة الالتزام لئلا تتكاثر الأخطاء، ويعم البلاء، وبدل أن نكون في همّين نصبح في ثلاثة. 
والله من وراء القصد…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

لَنْ أعُود إلَيك

لو رُوحِي بَينَ يَدَيك

لَنْ أعُودَ إلَيك

إنْ بَكَيتُ العُمر عَليك

كُنْتَ في المَاضِي شَهْداً

وَالأمَل فِيكَ رَغْداً

وَالآنَ كًلُ الألوان لَدَيك

أمْضَيتَ بَين الشِفَاه رِيقاً

كَأنَ رِيقَكَ عَقِيماَ فِيك

****

لَنْ أعًود إليك

لَو مَرْهُون فِيْك الأمَل

لَنْ أعود إليك

لَو حَياتِي فِيكَ عَسَل

الفَرقُ كَبيرٌ

بَيَنَ الوادِي والجَبَل

شَتانَ بَينَ الحب وَالظِل

****

لَنْ أعود إليك

أنْ عُدْتَ مَعَ الأحْلام

وَإنْ كَانَتِ الأحْلام رَهْن الكَلام

لَنْ أتَوَسَل مِنْكَ أنْ…

إبراهيم أمين مؤمن

ثماني سنوات مضت، تحوّلت خلالها الرحلة إلى صراعٍ صامتٍ بين الإنسان والفضاء. في أعماق اللاشيء، كان جاك يحدّق في اتساع الكون أمامه، حيث قطع حتى الآن 80% من المسافة نحو هدفه المستحيل: الثقب الأسود.

الشراع، ذاك الهيكل المعدني العائم، يمضي في طريقه بثبات، موجّهًا بحساباتٍ دقيقة من مختبر الدفع النفاث، حيث يجلس العلماء خلف…

غريب ملا زلال

عمران يونس، حكاية تشكيلية لا تنتهي، نسمعها بصريًا دون أن يراوغنا بمنطق اعتيادي. حكاية نتابعها بشغف “شهريار” لـ”شهرزاد”، وهي تسرد حكايتها كل ليلة. ولكن هنا، مع يونس، نحن أمام مدىً للعمق الإنساني الموجع حتى نقيّ الروح. لذلك، نجد مفردات الموت، الوحش، القتل، اللاإنسان، الخراب، القساوة، الجماجم، والقبور تفرض ذاتها في…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية جديدة بعنوان “الموسوس” للكاتب السوريّ الكرديّ آلان كيكاني، وهي عمل سرديّ يضع القارئ أمام تجربة أدبية ونفسية شديدة الخصوصية، من خلال شخصية فتى مراهق يُدعى صهيب، يعاني من اضطراب الوسواس القهريّ، في مواجهة مجتمع متديّن ومحافظ، يخنق الفرد ويتوجّس من أيّ اختلاف.

تدور أحداث الرواية عن صهيب، وهو طالب متفوق…