قبل الخروج من المقهى

فراس حج محمد| فلسطين

كلّ المقاهي فارغةْ
الكؤوسُ
الرؤوسُ
النّفوسُ
الطاولاتُ ثكلى من زبائنها
يتساقط الحديث بين أرجل “الجرسون”
يركله متسكّع يشرب كأس خمرٍ مثقلٍ برائحة الرطوبةْ
يحدّق الفراغُ في الأشياءْ
صورة معلّقة جهة الشارع المفتوح على اضطراب الناسْ
يتزاحمون مع سرب من السيارات الصفُرْ
كلّ شيء يمضي سريعاً إلّا تلك القطعة من وقتي
ثقيلة على جسدي
بطعم فمي
تحفر بعقربها في معصمي
تأكل من عينيّ كلّ ثانيتين قطعة من غبار دمي
لا شيء ينقذني من احتلال الرأسْ
دخان الأراجيل في غرفة مكعبة الشكل كفلقة صابونٍ ريفيّة الصنعْ
لا شهيّةَ لي لأضحك مع زبون يزجي الوقت مثلي
ربّما لم يكن مثلي يواعد امرأة يصلب نفسه ساعتين بين يديها يحدّثها عن الانطباعيّة في النقد و”العلم المرح” وشِعْرِ السوق
ويمرّ بطيئاً على ندرة المعنى 
والكتب الفاسدة الكاسدةْ
دخان الأراجيل ما زال يقتل أكسجين القرية في شراييني ويصطرعان على مجرى التنفُّس الحيويّ عند باب الواد حيث بيتي النظيف من ملوّثات التكنولوجيا
المقاهي كعادتها فارغة
تلدغ زائريها كلّما مرّوا عليها برائحة الفراغ الثقيلْ
وأنا أحاول أن أرمي ما تعفّن من لغتي على قارعة الطريق قبل الخروج من مقهى المدينةْ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…