الارض الجريحة.. الحلقة الخامسة عشر

زاكروس عثمان 

دخل سپاسکو الدار، ضم روزا الى صدره بقوة، يريد ان يطمئن عليها، وهي تضحك. 
روزا: ضربات قلبك تخبرني انك ظَنَنتَ حين تصل الى هنا ستجد لوحة على الجدران مرسومة بدمي، وان اشلائي تزين غصون الاشجار.
سپاسکو: هذا المشهد يصرخ في ذاكرتي، خشيت على نراجس النوروز من ان تُذبَحَ ثانية في الحسكة، ويضاف الى جراح آذار جرح آخر.
 امسكت روزا بيد صديقها وادخلته المنزل، بعد ان اطمئن عليها طلب منها ان يذهبا قريبا من ساحة القتال.
روزا: هذا ليس قتال، بل معركة جديدة في حرب ابدية بين جنود اهورمزدا وجنود اهريمان.
سپاسکو: طالما ابناء الجن طرفا فيها، لا شك انها معركة كونية، الى متى سيقاتل الكورد يا اهومزدا. 
رزوا: إلى ان يهدي الكوردي انتصاراته الى الاخرين.
 سپاسکو: عدنا الى رأس الخيط المفقود، الذي لا نعرف كيف نعثر عليه. 
روزا: الرعيان خاصتنا عميان، وعيوننا مغمضة، كيف نعثر عليه، اذا كانت قطط الجيران تعبث به. 
سپاسکو: الرعيان… تبا لهم هم من يعبثون بكرة الخيط ويزيدونها تعقيدا اكثر من القطط القريبة والبعيدة.
روزا: هؤلاء هم العقدة التي تمنع تفكيك كرة الخيط، كي نصل الى رأسه، وما زلنا نظن بان العقدة هي الحل. 
سپاسکو: صدقت الرعيان عقدة وكذلك نحن، ليس هناك حل سوى ان يأتي ابن حلال ليفكك هذه العقدة، ويعثر على رأس الخيط.
روزا: كان على ابن الحلال هذا ان يفتش عن رأس الخيط في وقت اليسر، لنكون جاهزين لوقت العسر، مثل هذا الوقت الذي كُشِفت فيه عورتنا للجميع.
سپاسکو: حلم جميل كلنا نتحسر عليه، كثيرون فقدوا حياتهم لأجله، عاشوا عتمة المعتقل سنين طويلة ولم يتخلوا عنه، حلم من اجله خسرنا ارزاقنا واعمالنا، ولكن حين يقترب احدنا من رأس الخيط نحاربه، ونضع يدنا بيد من يريد وأد هذا الحلم، عجيب من امرنا نحن ابناء الجن. 
روزا: انظر الى هاتي الزهور كيف تواجهن قتلة الاحلام، انظر الى قامات السنديان كيف يرفعون الحلم عاليا، انظر الى الخلف ستجد كورديا يسمم عبق الورود، او يزرع شوكا في حديقة الاحلام. 
سپاسکو: إذا لم استطع زراعة زهرة، فلن اسمح لأخي ان يؤسس حديقة، انه السم القديم الذي يقتلنا دائما، الكيدية… الحسد… الانانية، على كل واحد منا ان يتخلص من الافاعي التي تعشعش في عقله وقلبه، قبل ان يفكر بالتخلص من الوحوش التي تحيط بنا.
روزا: تباً للكوردي الذي يقول “ان ادمرها على يدي، افضل من ان يعمرها غيري”، قلوبنا وعقولنا مسمومة تحتاج ترياق المعرفة، تعليم اخرغير الذي نتلقاه… تربية بديلة تبني الانسان, بعث ديننا العريق الذي لا يسمح للأخ الاستعانة بالعدو لضرب اخيه.
سپاسکو: شيء مؤلم ان يحارب المتغطرسون، فيما السماسرة يتهافتون على الخازوق التركي. 
روزا: السماسرة لا يعملون ولا يقبلون لغيرهم ان يعملوا، المتغطرسون يحاولون، لماذا لا نعطيهم فرصة.
بقي الصديقان بالقرب من المعركة يبحثان عن راس الخيط، عناكب تتدفق من ظلمات الكون بكثرة جنود اهريمان، انوار قليلة تهبط من الفضاء مقاتلوا اهورمزدا، ابناء الجن يحاربون كي لا تَرفع دولة السواد رايتها في بلاد الشمس، تَمَلكَ سپاسکو شعور غامر نظر إلى روزا نظرة عاشق. 
روزا: ما بك لماذا تنظر إلي هكذا وكأنك تراني لأول مرة.
سپاسکو: لا اعرف لماذا فجأة اشتهيت قبلة من شفتيك، يقولون الحرب جنون.
روزا: ههههه وهل مسك جنون الحرب أيها الاحمق حتى تطلب مني قبلة فيما القذائف تزغرد فوق رؤوسنا.
سپاسکو: لي رغبة جامحة في معانقة هذه الزهور التي تقف امام جراد جاء يقضم وجودنا، وحيث ان الزهور مشغولة عن القبل بردع اللصوص، احببت ان اقبلك كما لو انني اعانق كل زهرة تتحدى ازيز الرصاص. 
 روزا: خبيث أنت ههههه وستبقى خبيثا طوال عمرك، تلامس الوتر الحساس كي تستجر عاطفتي وتنال قبلة. 
سپاسکو: ان اعطيتني قبلة سوف ينتصر جنود آهورمزدا.
روزا: ايها المخادع ما دخل القبلات بالقتال. 
سپاسکو: صمت القبلات اشد وقعا من دوي المدافع، خلاصنا بالحب وليس بالحرب، الحسكة اصبع مصاب اما آن له ان يُعالج، اما آن للأعياد في حواريها ان تنجوا من الذبح، اما آن لشوارعها ان تحتضن الاطفال دون ان تخاف من انفجار الهواء.
روزا: الحسكة خبز جريح، اين ذاك الكوردي الذي يسمع دمها، اتمنى ان يموت العيد على الطريق ان لا يصل، كي لا يثقل المدينة سوادا، اما آن لها ان تنزل عن الصليب، اما آن لضلعي المكسور ان يجبر.
سپاسکو: متى يعاقب آهورمزدا الهمج، قد جفت ادمع الخابور، باي لون اواسي الحسكة. 
سكتت روزا برهة، وهي تقرأ ما يجول في خاطرها وخاطر سپاسکو، كلاهما يريدان ان يعانقا كل مقاتل جاء يرفع الاذى عن الحسكة، مالت روزا إلى صديقها ورسمت صخب غد مجهول على خده قبلة صامتة. 
هذه نرجسة تهدر دمها كي تُغرِقَ الجراد، وذاك نسرا يلقي بنفسه بين الافاعي يفتك بها، قبل ان تزحف الى مدينة انهكتها سموم التاريخ، المعركة توشك على النهاية، جنود السلطان يفرون عائدين إلى اوكارهم، عند المغيب توشحت الحسكة بافق جديد، تنفست الصعداء ونامت مطمئنة على أكتاف أبناء الجن، ابتعدت الذئاب عن المدينة، وتركت خلفها دبابير نائمة في حضن العربان.
انصرف الصديقان عائدين إلى الحي، وعلى وجهيهما رغم الارهاق علامات الرضا، إذ وجدا الأهالي الذين نزحوا من بيوتهم فجرا يعودون إليها في المساء، شكرت روزا أبناء الجن، قائلة: لو ان الضباع اخذت المدينة، ما كنا وجدنا هؤلاء الناس يعودون إلى ديارهم، بل تابعوا الطريق إلى تركيا حيث تنتظرهم بنادق الجندرما.
سپاسکو: جنود الترك يطلقون النار على اللاجئين الكورد، من ينجو من الرصاص يمسكون به يضربونه يكسرون عظامه ثم يلقون به جثة هامدة على الحدود.
روزا: من يصل تركيا يركب البحر طالبا احد الامرين الموت او اليونان، وان نجا يشد الرحال إلى اوروبا، ومن يصل هناك لا يعود ولن يعود، هذا نزيف يصيب القرية بالهزال.
سپاسکو: اليوم نجت الحسكة من نزيف جديد وعاد الدم الذي تجمد في عروق النهر يجري، ليت المتغطرسون يربحون كل معركة لتبقى الدماء تجري في شرايين القرية. 
امضى سپاسکو ليلة آمنة بصحبة صديقته وهما يتحدثان عن قضية رأس الخيط المفقود، بين الفينة والاخرى تأتي اصوات إطلاق نار من بعيد، تقطع عليهما حديثهما، قذائف تصفع سكون الخابور دون ان تقوى مياهه على الجريان، حيث كبلتها السدود منذ زمن بعيد، في الليلة ذاتها عَبَرَ المتغطرسون إلى الضفة اليمنى، لتدمير اعشاش الدبابير التي استوطنت اطراف القرية. 
في الصباح عاد سپاسکو إلى عامودا، مدينة مجنونة لا تحب اصنام الطغاة، ولا ترحب بالدخلاء، لكن هناك دائما تاجر يبيع عسل مغشوش ليربح المال، ويتهم النحل بالفساد، اشتدت المنافسة بين باعة العسل في عامودا، بعد ان غرق سوق السياسة في عسل مغشوش مجهول المصدر، ما عاد الناس يعرفون اي دكان يبيع عسل كوردي نقي، سبق ان تجول سپاسکو في الدكاكين القديمة، وتوقف على عربات الباعة الجدد، تذوق بضاعتهم، اكتشف ان عسل الجميع متخم بنكهة التبعية، حينها قرر ان يفضح الجميع، اجتمع عليه التجار المتناحرون، ليجد نفسه مطرودا من عمله، هذا جزاء من يبحث بصدق عن رأس الخيط.
جلس سپاسکو مع زوجته واطفاله على ضوء شمعة في الغرفة، تدثر كل واحد منهم ببطانية يقي نفسه برد الشتاء، لا كهرباء لا محروقات، اجواء كئيبة دفعت الجميع على التزام الصمت، قال اصغرهم: ماما انا جائع، طلب سپاسکو من زوجته ان تعد شيء يسكت جوع الصغير، قالت بشيء من الحنق: ليس في البيت سوى خبز وثلاثة بيوض، كيف اطبخ ونحن مقطوعين من الغاز منذ خمسة ايام، نهض سپاسکو وبحث في ارجاء المنزل عن اي شيء قابل للاشتعال.. عثر على كتاب أصل الانواع.. شحاطة بلاستيك قديمة، اشعل فيهما النار ليطبخ البيوض، ثم قدمها للطفل الذي تناول لقمة ثم امتنع عن تناول الطعام، الذي افسدت طعمه رائحة الورق والبلاستيك المحترق، شعرت الام بالاسى قالت لزوجها: انقطعت السلع.. ارتفعت الاسعار.. الحرب بدأت تأكل الطرق.. لا كهرباء لا محروقات، انه الغلاء، وانت في هذه الشدة تركت عملك، كيف نتدبر امورنا، ان نجونا من الانفجارات فلن ننجو من الجوع والبرد. 
سپاسکو: لم اترك العمل، هم من ضغطوا على رب العمل كي يطردني من الوظيفة. 
الزوجة: غيرك يتودد إليهم يتملق لهم حتى يحصل منهم على عمل او مشروع، اما انت تحارب الجميع لهذا طردوك، لو انك راقبت قلمك كانوا سلموك عمل ما في جمعية خيرية.. مؤسسة إعلامية.. تأسيس حزب، ولو انك مدحت جهة ما في كتاباتك، كنت حافظت على وظيفتك، فوق ذلك كنا نحصل بسهولة على مولدة كهرباء.. اسطوانة غاز.. سلال معونات غذائية, وفوقها كمشة من الدولارات. 
سپاسکو: لا استطيع التعاطي مع لصوص يسرقون مصيرنا ويسلمون القرية للذئاب. 
الزوجة: اجل… اجل فقط تجيد التعاطي مع النساء ومدحهن، لم يبقى امامنا سوى الرحيل، ليس من العدل ان يعاني اطفالنا من الحرمان بسبب ارائك. 
سپاسکو: البقاء يسوق اطفالنا إلى جحيم الحرمان، والرحيل يعني نهايتي، كم هو صعب ان يقف الانسان بين خيارين كلاهما جحيم، سوف نتحدث عن ذلك في وقت لاحق. 
تناول الاطفال تحت اغطيتهم خبز حاف، وهم يرمقون حسرات قلوبهم تتلوى بهدوء مع شعلة الشمعة، حتى غلبهم النعاس، ناموا دون ان يدركوا ان الحروب تنجب جرذان تخطف كسرة خبز من يد طفل جائع، بقيت الشمعة تبكي بصمت حتى اتى اللهيب عليها كلها، غرق الزوجان في عتمة باردة دون حراك، وكل يبث إلى الاخر ضيق صدره انفاس حيرة، سمعت الزوجة في بيت جارتها ازيز مولدة الكهرباء، قالت: هل تعرف من أين حصلت سبوكا گماري على المولدة.
الزوج: من اين.
الزوجة: اصبح زوجها رحيمي قوب رئيسا للمخفر، واصبحت هي معتمد بيع و توزيع الخبز في الحارة، وخلال شهرين استطاعوا شراء المولدة، كما انها اشترت اساور وسلاسل من ذهب.
الزوج: من اين حصلوا على كل هذه الاموال. 
الزوجة: هي تختلس نصف كمية الخبز المخصص لبيوت الحارة ثم تبيعه في السوق السوداء بسعر مرتفع، وزوجها يأخذ الرشاوى من الناس، ويختلس اموال المخفر.
الزوج: الزمن زمن هؤلاء. 
الزوجة: واين زمنك.
الزوج: يبدو انني خارج الزمن… اياك ان تطلبي مني ان استلم رئاسة الكومين. 
الزوجة: لن اطلب .. لن اطلب.. ولكن لا تنسى انك كنت سعيدا حين اقام المتغطرسون حكومة، ها انت ترى كيف انهم يسلمون شؤون القرية إلى الجهلة، الانتهازيين والمفسدين، ما نفع الحكومة ان لم توفر الخبز، الكهرباء والماء للناس. 
الزوج: معك حق… حكومتهم تدير القرية على نحو خاطئ، وهي مقصرة في خدمة الناس، ولكن المتغطرسين ماهرون في القتال، هم الذين يصدون عنا هجمات يأجوج ومأجوج، لولاهم ما كان اليوم للقرية وجود، وما كنا إلا جثث مقطوعة الرأس مرمية في البراري او عبيد وسبايا لدى عساكر السلطان. 
الزوجة: وهل ضريبة الدفاع عنا، هي السماح لسبوكا گماري ان تسرق خبزنا، والسماح لزوجها ان يبتز الناس بهراوته… ماذا نفعل في هذه العتمة المملة, لا كهرباء.. لا تلفزيون.. لا ضوء.. الافضل ان ننام منذ المساء مثل الدجاج.
الزوج: انها الحرب تأتي بكل قبيح، وتطرد كل ما هو جميل… طابت ليلتك يا دجاجتي الحسناء. 
الزوجة: وليلتك يا ديكي الفاشل. 
تابع ابناء الجن القتال يطهرون الحسكة من غلمان حفيد ارطغرل، مضى المتغطرسون في طريقهم من معركة إلى اخرى، يقهرون قطعان وحوش هربت من امامها دول وجيوش، وحده الكوردي يطيب له التنزه في عالم الموت، فتيات… فتيان كثر ذهبوا ولم يعودوا، الرفاق من الموت يصنعون الحياة، هذا مقاتل يقضي استراحة قصيرة في الخطوط الخلفية للقتال، يفكر في حبيبته التي رفض اهلها خطبته لها، جافاه النوم اخرج موبايله ونشر على الفيسبوك يقول: الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أنا نائمٌ في العراء مغطى ببطانية، اجد في الجوار كلبةٌ مع خمس من جراءها تحوم من حولي، طائرات الآباتشي تستكشف المنطقة كل مدة وتقصف اهدافاً لا أعلم لمن وأين، كل ما اعلمه انه جو ممتع. 
امضى الجني العاشق ورفاقه، اشهر عدة في ارياف الحسكة الشاسعة، يخرجون في رحلات لاصطياد اشباح لا يستقرون في مكان، عناكب تزحف إلى سري كانييه، يذهب الرفاق لطردها تختفي عن الانظار، لتظهر افاعي وتهاجم تل تمر، يذهب العاشق إلى نجدتها تختفي الافاعي، ليزحف الجراد مهددا قامشلو، ينتقل الرفاق إلى ريفها يطير الجراد بلمح البصر، خفافيش خفيفة الحركة كبيرة العدد، تخرج ليلا وتذوب في النهار، المساحة واسعة وجنود آهورمزدا بقعة ضياء لا تكفي لسد ثغور الظلام، بقي ابناء الجن يهرعون من ثغر إلى ثغر، هنا يصطادون ضبعا وهناك يوقعون خنزيرا، بنات وشباب يبيدون الافاعي، إلى ان اشرقت الشمس، ورحل السواد بعيدا عن المنطقة، وبات بمقدور الحسكة ان تحلم بالسلام. 
ابعد المتغطرسون جيش حفيد ارطغرل عن القرية، وذهبوا يلاحقون عساكره في عقر دارهم، شعر سپاسکو بالارتياح واخذ قلبه يميل الى المتغطرسين، يكفي ان رقصاتهم امام الموت جعل الكورد اسطورة يتحدث العالم عنها، يكفي ان الياباني.. البرازيلي.. الكندي.. اخذوا يبحثون عن قريته المنفية عن الخريطة، لينظر إليها الاسترالي نظرة اعجاب، اليس رقص المتغطرسين في كوباني من جذب النسور إلى سماء القرية كي تنقض على العقارب والافاعي، اراد سپاسکو ان يقول لزوجته ذلك لكنه لم يفعل لأنها لن تفهم، جودة المتغطرسين بالنسبة لها تقاس بما يتوفر لها من ماء كهرباء وخبز، وليس من السهل اقناعها ان الحرب تفرض قوانينها السيئة، وتأتي بحكومة نصف موظفيها لصوص والنصف الآخر كداديش. 
ساء السلطان ان يجد المتغطرسين يفسدون احلامه ويسيرون إلى استرداد إمارتهم السليبة، فهل تقبل الذئاب ان تكون للجن إمارة ان تعود القرية إلى الحياة، ليس من الحكمة ان يمنح الذئب فرصة للحمل ان يكبر وتصبح له قرون ينطح بها دولة الباطل، ليس من الحكمة السماح للزهور ان تنمو حول قلاع الظلام، الحكمة ان يَدفن حفيد ارطغرل صيادي الذئاب حتى يسرق أراض جديدة، السلطان مرعوب من صور تظهر عرائس الجن وهن تمزقن خرائط أجداده المرسومة بالدماء والمؤامرات.
خطايا وجرائم تثقل كاهل زمن يريد ان يترك خلفه كل شيء ويخرج يتنزه في دورة جديدة، حيث قرر هذه المرة ان ينعطف على ابناء الجن ويحملهم معه، صرخ السلطان غاضبا: ان جاء زمن الكورد سوف يرحل زماننا، عليه العودة إلى الوراء، راح الذئب يناشد قيصر الدببة كي يساعده في ابقاء ابناء الجن خارج الزمن، طلب منه القيصر فريسة كبيرة، فاستجاب شريطة السماح له بافتراس عروسة كردية، واتفق الشريكان على تبادل الفرائس.
سأل سپاسکو نفسه هل يعيد التاريخ صفحاته الكريه، ام ان الزمن سيسمح لنا ان نحصل على صفحة جديدة نكتب عليها بأيادينا أحلامنا الجميلة، لهيب الماضي يمتد إلى الحاضر ثمة بحيرة مشتعلة، دخان يلتف على عنق الغد، الزمن مشوش ما عاد يتذكر إن كان ذاهبا او قادما ام متوقفا، في ذروة الرماد قطعان تتناحر الجميع يرقصون ضباع.. خفافيش.. ذئاب.. طواويس.. بعير.. والكورد ايضا، كيف ومتى تنتهي الدبكة ما من إجابة، في حفلات سابقة خاض الكورد دبكات حمراء لكن عروستهم وقعت في يد الخصوم، مسمار يدق في رأس سپاسکو… ماذا لو دخل ابناء الجن رقصة اخرى ثم القي بهم من جديد فريسة للذئاب، لا فرق إن رقصوا ام لم يرقصوا الوحوش تلاحقهم على الدوام. 
حلق نسر في سماء القرية غضب الدب وجاء بالقرب منها يبحث لنفسه عن موقع قدم، تحركات تزيد اوجاع تراب جرحته خرائط مزورة، عادت عقارب الحيرة تلدغ خاطر سپاسکو تنشر سم الهواجس في نفسه، حينها سمع الفراشة التي مرت به من قبل تقول له: سوف يمزقون اكبادكم بخيط ماء ويظهر بينكم من يطلق على اشلاء القرية أسماء بلاستيكية.. ايكولوجية.. فلسفية.
السلطان يتربص بحبة الزيتون، ذئب يفكر في افتراس الطريق دون أن يُغضِبَ النسور والدببة، حاوَلَ وحاوَلَ إلى ان اقنع الدب بطريدة دسمة مقابل ان يغض الطرف عن حفيد ارطغرل الذي يطمع بقضم رئة القرية كي يخنق المتغطرسين، خرائط متلاطمة تعصف بالقرية تأخذها يمينا وشمالا، سفينة تخوض بحر حيرة وموج يكسر ظهر الربان، عادت الحمامة بغصن مكسور تشاجر الركاب وتبادلوا الاتهامات وتركوا السفينة لمشيئة الرياح، تأهب سپاسکو ليخرج من ذاته مساحة ضاقت عليه ليفر من طوفان قاتم ضرب بستان آماله, وما كاد يقف على عتبة الباب حتى لاحقه العدم يقتفي دقات قلبه, عيون غائرة الود تشم رائحة القرية التي تفوح من صمته.
داس العدم على عنق الطريق ينتزع منه خطوات ابناء الجن ويبعثر ما وضع سپاسکو على جوانبه من حجارة الطمأنينة، احتمالات نجاحه في الوصول إلى رأس الخيط تجف، سمع دوي في وجوده صدع ثدي الريحان وهز كريات دم العندكو, ترك الانفجار حفرة في أنفاس سپاسکو ردم فيها المدينة, حيرة تلهب كيانه منذ سنين، خيبة تثير غبار الكفر في يقينه انه الزمن حين قرر النهوض انكسرت ساقه وعجز عن السير إلى ما تشتهي فراخ السنونو وعاد القهقري إلى اسواق البورصة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…