زاكروس عثمان
التقى سپاسکو بالراعي وسأله ان كانت النيران تركت شيئا لأغنامه ترعاه، اجابه الراعي لا تخاف من يسكن هذه الارض لن يجوع، غدا تخضر السنابل من جديد، وتنمو المراعي، ويبقى الكوردي حتى لو كان رمادا رعبا دائما في قلوب السفلة، لمس سپاسکو في المعنويات العالية لصديقه الراعي ثقة الكوردي بنفسه، تلك الثقة التي لا يفقدها حتى في احلك الظروف والتي تساعده على النهوض بعد كل خسارة.
ودع سپاسکو الراعي وسار إلى البيت وهو في حالة مزرية، استقبلته زوجته بفرح تهنئه على الخروج من بين النار سالما، عانقها واخبرها انه متعب ومتسخ يرغب بالاستحمام سألها ان كان يوجد ماء في الخزان،
اجابت: حظك من السماء اليوم اكرمونا ولم يقطعوا المياه والكهرباء، ضحك وقال: يا مهبولة كيف يقطعون الماء في هذا الحريق، رغبت الزوجة في اطفاء الحريق الذي بداخله طلبت منه ان تدخل معه إلى الحمام، اجابها: لا تخافي لن اهرب من الكوة، قالت: ارغب مثل الايام الخوالي ان نستحم سوية، دخل الزوجان غرفة الحمام اغلقا الباب، وتركا خلفهما هجمات العناكب واشتعال الحرائق، لِيُفتَح لهما باب عالم اخر احوج ما يكونا للذهاب اليه، عالم لا تستطيع تهديدات الذئاب تعكير صفوهما، ولا تؤثر مصالح العواصم في التلاعب بمصيرهما، تبادل الزوجان العناق كأنهما عشيقين لم يلتقيا منذ مدة، خلع كل منهما لباس الآخر، غطى البخار جسديهما العاريين، زحفت رغبة ساخنة في عيني الزوجة مدت يدها بخجل تلامس جسد زوجها، غمرت شعره برغوة الشامبو، اغمض عينيه، انسابت اصابعها مع الرغوة إلى زبه فأخذت تلهو به، لمسات تكهرب كيانه تلهب احساسيه، لم يتمالك نفسه مد يده يداعب تلال مؤخرتها، يشم ظهرها، يرتشف رحيق شهوة جارفة في قدها، اخذت المرأة تمص زب زوجها تريد ان ترتوي ان تثمل، وضع الزوج راسه بين فخذي زوجته يتنشق عبق كسها، طاف لسانه بجسدها، شهقت قطرات الماء، صرخت الشمعة شهوة، لذة تصهر جسدين، انحنت الزوجة اسندت يديها على الجدار، باعدت بين فلقتي طيزها المتكورتين البضتين، اندمج سپاسکو في سحر المشهد لم يتمالك نفسه ساق زبه إلى خرم طيزها، وهي تتلوى تحرك مؤخرتها للأمام والخلف، تُبادل زوجها حبا بحب، بدأت انفاسهما تتوهج لسانهما يتلعثمان وقلبهما يقرعان الطبول، استلقت الزوجة على ظهرها وساقت زب زوجها إلى كسها، اشتد الانين وارتفعت الآهات لم تهمد إلى ان قذف كلا منهما روحه في جسد شريكه، شهق الزوجان وغابا عن الوعي، استفاقت الزوجة بعد دقائق قالت: انهض يا مجنون اظن ان الاولاد والجيران سمعوا آهاتنا ونحن نمارس الحب، قال: ليسمع الكون كله نحن لم نرتكب جريمة، إلا يحق لنا ساعة هناء بين كل هذه التعاسة.
جلس الرجل البرتقالي على العرش العظيم، تنكر للدماء التي سُفكت في كوباني رغم انها لم تجف بعد، واخذ ينكأ جراحات شنگال و عفرين اللتان ما زالتا تأنان من الوجع، ثم اعلن موت الله وانتصار آلهة التجارة.
بعد قدوم حليفه البرتقالي هاج السلطان بجنون، ازدادت شراسة واخذ عواءه يرتفع، معلنا انه سوف يأتي ذات ليلة، مشاعر يصعب وصفها تنتاب القطيع، ملح خيبة ينصهر في عروق سپاسکو، انه محتار في امر المتغطرسين الذين يضعون الحجة بيد الذئاب ويستفزونها كي تأتي وتفترس ما تبقى من خرافه، مع أن ظهرهم بات مكشوفا وليس بمقدورهم مقاتلة عسكر السلطان.
اصبحت مشاعر الناس ملبدة مثل مشاعر سجين محكوم بالإعدام يعرف موعد تنفيذ الحكم منتظرا ساعة موته، قال سپاسکو لنفسه نحن لا نملك قدرات نحارب بها القدر والعفاريت والهمج الذين يريدون القضاء علينا، ليس لنا سوى معنويات عالية تعيننا على النهوض من بين الركام، فيما مضى كنا نعتبر قدرتنا على النهوض انتصارا بحد ذاته.
لمح سپاسکو برعم صغير ينمو بين الرماد، ينهض من بين جثث السنابل، معلنا عودة الحياة إلى الارض الجريحة، ليجد في البرعمَ روح قومه، لكن في غابة كل شيء فيها سلعة قابلة للبيع والمقايضة ما عاد واثقا ان كانت المعنويات العالية وحدها تكفي لحماية خرافه من الانقراض.
سياط عذاب تنزل على القرية، وجع يقطع أنفاس قطيع ابتلي برعيان متغطرسين وآخرين نيام، لم تنجح بنادق المتغطرسين في صد السياط، الرصاص لا يصد الظلام انما نور الكتاب، فيما الرعيان الخاملون لم يشغلوا اذهانهم بما يحدث للقرية طالما هم خارجها نائمون في حضن الذئاب، فان ابتلعها الظلام لا بأس، وان نجت فسوف يعودون ليكونوا مخاتير عليها، تمنى سپاسکو لو ان كلب مُدرك يحرس القرية كي لا يسمح للقطيع بالتشتت في وقت تقف فيه الذئاب على باب الحظيرة.
القرية تحت رحمة زلازل متقلبة المزاج تضرب هنا و هناك دون توقيت، ومع كل زلزال تهتاج الوحوش وتتلاطم، قطعان تَطحن مواطنها تحيلها إلى غبار يتلاشى في السماء.
إله دمه بارد يتابع مشهدا عبر الاقمار الصناعية، يحمل في يده كأس فودكا فاخرة، يحسب كم سيربح من معركة تجري بعيدا عن عرشه، وإله آخر دمه حامض يجلس على كرسي، يضع رجله على طرابيزة يحمل بيده كأس بيرة مثلجة، يتابع المشهد ذاته ويسأل عن الارباح أيضا، نامت الالهة منتشية مطمئنة، فيما الهمج يتابعون القتال، كلب يقتل ثعلبا.. الله اكبر، ضبعا يقتل كلبا.. الحمد لله، ذئب يقتل ضبعا.. النصر لله، تعب أبناء الجن من تكالب الهمج على القرية.
صاحت خاتون جارتها نشمو: السلطان يهددنا ايتها التعيسة اي رماد ننثره فوق رؤوسنا حين تهاجمنا ذئاب التركي.
نشمو: لن نترك ديارنا واملاكنا سوف ابقى في بيتي اصلي لينتصر المتغطرسون، او اموت تحت انقاض البيت حين يدمره الغزاة.
خاتون: سوف يفعلون بنا ما فعلوه في عفرين، لنجد انفسنا قتلى نازحين واسرى.
نشمو: ذاك الخنزير البرتقالي يقول عن بلادنا انها ارض رمال وموت، لماذا لا يترك لنا رمالنا لماذا لا يعطينا فرصة كي نموت ميتة طبيعية، بدل من ان يُقدم ارضنا للتركي وان يجعل موتنا على يد غلمانه.
خاتون: منذ أيام احس بدجاجة مصابة بالدوخة تدور في رأسي، لا استطيع تصور النزوح من قريتي.
نشمو: وانا ايضا احس براسي صخرة تتهاوى من قمة جبل وترتطم بالقاع وتتناثر.
قبل أن تكمل المرأتان حديثهما سُمِعَ إطلاق نار على الحدود تبعه دوي انفجارات مزقت الافق لحظة الغروب، انقبض قلبهما ودخلت كل منهما إلى بيتها، ساد الهلع بين الناس، ازداد إطلاق النار بعد المغيب وارتفع دوي الانفجارات.
سارع الرجل البرتقالي بالانسحاب، انها اللحظة التي ينتظرها السلطان لينتقم من سري كانيية التي اذاقت مرتزقته في السنين الماضية طعم الهزيمة، اخذت مدافع التركي ودباباته تضرب المدينة واريافها، اتجه جيش حفيد ارطغرل إلى گري سپي، بدأت المعارك بين عسكر السلطان وبين المتغطرسين، لحظات عصيبة يمر بها أبناء الجن، انهم يقاتلون وحيدين وهم محاصرون بقطعان من الوحوش، الكل يسن اسنانه كي يمزق القرية و يخطف قطعة من لحمها، جيش السلطان يقصف القرى والمزارع بالطائرات ويقتل الاهالي.
تلبدت مشاعر سپاسکو وهو يشاهد عشرات العائلات تنزح من سري كانيية هربا من حقد لا يرتوي من دم الكورد، قال في نفسه هذه اسوأ عاصفة ارهابية، كيف يصمد المتغطرسون بوجه آلة الحرب التركية ان كان إله الفودكا يقف على يسار السلطان وإله البيرة يقف على يمينه، نعم التركي يربي اصدقاء عمالقة، فيما نحن لا نعرف كيف نتكاتف ولا نعرف كيف نعثر على صديق فعال يرد عنا جيش الظلام.
على مرآى ومسمع العالم تمادى السلطان في غيه وهو مطمئن على ان لا احد يحاسبه، كي يجبر الاهالي على ترك ديارهم تابع التركي طوال الليل يقصف القرى، لم يصدق المتغطرسون ان الرجل البرتقالي فتح الطريق لذئاب السلطان كي تنهش القرية مرة اخرى، شيء يدفع إلى الجنون ولكن هذا ما يحصل، السماء تطبق على صدور ابناء الجن، بعضهم يجلسون بصمت في العتمة تخنقهم غصة مُرّة باردة ، بعد ان غادروا بيوتهم هربا من القصف، الاهالي في القرى المجاورة يسارعون إلى استقبال النازحين، نفوس تقشعر من سماع دوي المدافع، انتشرت رائحة سوداء في الارجاء جعلت الناس تجتمع في قطيع لتحتمي ببعضها البعض حيث لا يوجد من يحميها.
تململ جني نازح في خيمته يسأل نفسه هل سينجح التركي في جعل ما تبقى من ابناء جنسه نازحين، لم يتحمل الموقف جن جنونه، خرج دون ان يخبر اهل بيته ذهب ليشارك المتغطرسين القتال في سري كانيية.
جنية لاجئة في المغترب منذ سماعها خبر الهجوم تسمرت في مكانها ما عادت تقوى على الحركة، هي بعيدة عن القصف، صغارها لا يسمعون دوي الانفجارات، لكن النيران التي اشعلها حفيد ارطغرل بدأت تأكل من روحها، وكأن القذائف التي تنزل على رؤوس اهل القرية تضرب قلبها.
تابع حفيد ارطغرل عدوانه، في الايام التالية ارسل مزيدا من صعاليك الشام لمهاجمة قرى ليس فيها سوى بيوت طينية وأهالي مسالمون بالكاد يتدبرون خبز يومهم، طائرات تعاقب مدن لا تفتح ابوابها لجنود الخليفة، مدافع تقصف الهواء لتحرم ابناء الجن من التنفس، كلاب وحشية انتشرت في البراري، اتسعت الرقعة امام المتغطرسين، تيقن الكوردي انه لن يستطيع بمفرده الصمود طويلا في القتال، وجد نفسه مجبرا يطلب العون من اسد هزيل انهكه العمل في السيرك السوري، عله يرد عنه كلاب الغوطة او يحرك الرياح الراكدة، شمر السبع عن ساعده لكنه ما ان لمح عصا السلطان تنحى جانبا، حيوان متعب جائع داجن خائر القوى مكسور المخالب، مغلوب على امره، ممنوع عليه الزئير او الحركة، لا يقدر ان يساعد نفسه كيف له ان يساعد المتغطرسين، شبل تربى في جحور الكلاب نسي الزئير ولم يتعلم النباح، سبع عنين كيف يحمي خراف عمياء في سيرك مزدحم بالوحوش.
انتهز السلطان فرصة انفراده بالقطيع ليرتكب المذابح وينشر الخراب، اطلق صعاليك البادية والقلمون يقتلون الاهالي وينهبون القرى، خرج جند الخلافة يعيثون فسادا في الارض، فيما خرجت هفرين بحب كبير بروح نقية بصدر رحب بيد جرداء تبحث عن السلام، ارادت انقاذ ارواح بريئة، حماية الوف البشر من التشرد، انقاذ القرى من الدمار، خرجت هفرين تبحث عن السلام لكنها وقعت بين براثن كلاب السلطان، فامعنوا في تمزيق جسدها بكل حقد، تجنبت العواصم ازعاج صديقها العثماني القاتل وسكتت على مقَتَلَ ملاك ينشد السلام.
اشتدت الاشتباكات في سري كانيية، حيث صمم المتغطرسون على الدفاع عن المدينة حتى الموت، وخاضوا حرب شوارع، منعت تقدم صعاليك الشام في احيائها، عجز التركي عن التقدم على الارض، استعان بالطائرات والمدافع والدبابات في ضرب المدينة، طاب للسلطان ان يرشق الاطفال والنساء بمواد كيماوية ويقتل العشرات منهم، كارثة دفعت مئات الالوف إلى النزوح والتشرد هربا من جحيم حقد اوجده التركي.
جاء الصباح في جلد محترق وضوء مشوه يصرخ الما، وعيناه تذرفان هلعا يكفي سكان الارض كلهم، لا احد ذاق وجع طفل وجد النار تتقد في لحمه، لا احد عرف الم عجوز وحيدة على قارعة الطريق تدفع عربة شاب معاق في منتصف الليل، من قرأ في نظرات چيچك كوباني حسرات علقم حين خطفها الضباع.
سلطان وَعَدَ بانه لن يسمح بقتل حلبچة ثانية ولكنه قتلها بحرقه سري كانيية، المتغطرسون بداخلها يقاتلون بمعنويات فولاذية، وما من خيار امامهم سوى القتال او الانسحاب، لم تكن معركة المتغطرسين مع ظربان الشام وذئاب طوران وخنازير الاسلام الذين طوقوا المدينة، بل كانت مع طائرات التركي التي تسيطر على سمائها وتوفر الحماية للظربان.
تعالت اصوات في واشنطن لندن باريس و برلين تطالب حكومات بلدانها بحماية ابناء الجن من فوضى صنعها الرجل البرتقالي، لكنها صَمَّت آذانها واغمضت عيونها حيث لم تكن مستعدة ان تخسر أنقرة من اجل سواد عيون الكورد، عواصم تكرر سيناريو قتل القتيل والسير في جنازته، يسمحون لحفيد ارطغرل في ابتلاع القرى ويبدون قلقهم على النازحين.
جني ليس بحوزته ما يثير طمع الالهة حتى تقف معه، فروسية الكوردي لم تنفعه الا في كسب بضعة ضمائر حية اربكت العواصم واجبرتها على الطلب من أنقرة الاكتفاء بما التهمته من القرية، أوقف السلطان العدوان وترك الكورد في حالة من الضياع، بالأمس التهم عفرين واليوم قضم سري كانيية و گري سپي، بعد هذه الضربة الموجعة فَقَدَ ابناء الجن الامان، لم يعد هناك ما يمنع التركي من القضاء على ما تبقى من القرية، حيث انكشفت خراف المتغطرسين امام المتربصين بعد ان رفع الرجل البرتقالي الغطاء عنهم.
الارض تحتضر والوجع يحيل عظام ابناء الجن إلى سواد، قبل ان تبرد أثارعقارب الجهاد على الرمال، عاد الله يطالب امير المؤمنين بفتوحات جديدة، فارسل أبو عمشة لغزو القرية التي تم فتحها مرات ومرات، ونطق اهلها الشهادة حتى جف ريقهم، تقاسم السلطان وابو عمشة الغنائم وتركوا لله راية سوداء، رمال تتقلب تطرح كل يوم مجاهد جديد، ومع كل ولادة تزداد اعداد الخلفاء والسلاطين، الكل يطالب برأس ابناء الجن، داس جند الخلافة على رئة القرية واشعلوا النار في حقولها، غموض يسد مدارك سپاسکو ينخر احاسيسه، فسد ملح الاماني وتبخر سرابا يرقص امام قرية عطشى، قتلت الدبابات ابارها.
تلك الليلة زرعت بيض الافاعي في احشاء القرية هي من جاءت بالهزيمة، الليلة نفسها التي سممت زوزاني كلب القرية الامين، مزق الذئب القطيع وأخذ منه ما اراد، وجلس يلعق الدماء التي علقت به، وهو يفكر بهجمات اخرى تأتي بنهاية القطيع.
حدث تلبك في اماني الناس حيث فَقَدَوا الثقة بكل شيء، كَسَرَ الرجل البرتقالي ظهر الرعيان المتغطرسين ما عاد بمقدورهم حماية قطيع يشرف على الهلاك، تقرحت مخاوف الكورد، جاءت الدببة والنسور للفصل بين ذئب مفترس وخروف نازف، وما كان قدومهم يشفي ندوب محفورة في ذاكرة ابناء الجن.
ذهب سپاسکو يبحث عن نفسه بين آلاف النازحين، اطفال يجهلون ما حدث لهم، لا يعرفون لماذا امهاتهم تبكين ولماذا ابائهم واجمون، اطفال يلعبون يضحكون لا يدركون معنى انهم باتوا لاجئين، فتيات خائفات نائمات في الشارع، اناس محطمون فجأة وجدوا انفسهم بلا مأوى, إحباط شديد استبد بسپاسکو جعله يعتقد ان قومه خسروا ديارهم وارضهم، خاف ان تكون المخيمات مصيرا لأبناء جنسه، هو يعلم حين تقيم الامم المتحدة مخيمات لنازحين تعرضوا للعدوان وتوزع عليهم سلال غذائية فإنها تعمل على جعل هذه المخيمات وطنا بديلا لشعب سلبوا منه بلاده، امضى سپاسکو نهاره مع النازحين إلى ساعة متأخرة من الليل ثم بحث عن ركن ينام فيه، اثناء تجواله وجد رجل مسن اشيب اللحية يقرأ كتابا على ضوء فانوس.
سپاسکو: مساء الخير.
الرجل: مساء الخير تفضل اجلس.
سپاسکو: شكرا لكم.
الرجل: من اية قرية نزحت.
لم يرغب سپاسکو ان يخبره انه جاء مع المتطوعين لتقديم المساعدة للنازحين قال: انا من سري كانيية، هل تسمح لي بسؤال.
الرجل: تفضل.
سپاسکو: ارى كتابا بين يديك هل عندك رغبة بالقراءة في هذا الظرف العصيب.
الرجل: كل الظروف مناسبة للقراءة، الكتاب يشغلني عن هذه المأساة، انها توجعني كثيرا.
افترش سپاسکو الارض ووضع معطفه على قطعة طابوق وغطى جسده ببطانية وسأل الرجل: هل لك ان تحدثني عن مضمون كتابك.
الرجل: بشرط ان تستمع لي ولا تسمح للنوم ان يغلبك.
سپاسکو: موافق.
اخذ الرجل يقلب صفحات الكتاب، وهو يقول: لا تستغرب ان كان الكتاب يحكي قصة تشبه قصتنا.
سپاسکو: هل تقصد ان التاريخ يعيد نفسه.
الرجل: ليس هذا السؤال الصحيح.
سپاسکو: وما هو.
الرجل: عليك ان تفكر لماذا التاريخ يعيد نفسه.
فوجئ سپاسکو بهذه الاجابة وسأل الرجل: لماذا يعيد نفسه.
صمت الرجل قليلا وسأله: هل عندك سيگارة.
قدم له سيگارة، اشعلها الرجل وسحب كل دخانها إلى جوفه ثم اطلقه في الهواء وقال: التاريخ يعيد نفسه للأغبياء من امثالنا ممن يتحسرون على سيگارة ولا يجدون مكانا ينامون فيه، التاريخ استاذ ومن لا يفهم دروسه يعيد له الدرس بقسوة، لقد اعاد لنا التاريخ عشرات الدروس ولم نفهم ولم نتعظ واظنه اليوم يقدم لنا اقسى الدروس.
سپاسکو: تتحدث عن فلسفة التاريخ.
اعترض الرجل وهو يسحب دخان سيگارته بشراهة وقال: الفلسفة ثرثرة وليس في العالم قوم مثلنا يحب الجدل، هل سمعت بحكاية ثلاثة امراء اخوة.
سپاسکو: ما هي قصتهم.