ريدي مشّو يفكّك ألغاز التاريخ السوريّ وألغامه في «لعنة المعرّيّ»

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية “لعنة المعرّي” للروائي الكرديّ السوريّ ريدي مشّو، وهي تتناول التحولات في البيئة الاجتماعية السورية عبر جزأين أساسيين، الجزء الأول “سيرة الآباء” يعالج الفترة الممتدّة من 1861 الى سنة 1961، والجزء الثاني “سيرة الأبناء” يبدأ بسنة 2011، ويفسّر كلّ جزء منهما الآخر ويكمله ويسير معه لرسم تصوّرات للمستقبل.
يثير الروائي ريدي مشّو في روايته إشكاليات تاريخية تكون عبارة عن بؤر توتّر مهيّأة للانفجار في أيّ وقت، تلقي بظلالها على أبناء الجغرافيا الواحدة، بحيث تزرع بينهم الشقاق وتبقي نداءات الانتقام متجدّدة في أرواحهم. 
بطل الرواية ينتقل بخيباته من مرحلة لأخرى، بحيث يبدو مصيره محكوماً بالتحوّل كمصير والده من دون أن يحقّق مراده، تراه ينشد خيباته على وقع الدفوف وكأنّها أصداء حياة ترسم ملامح صاحبها القلق الذي لا يستقرّ به مقام ولا يهدأ له بال. 
تبدأ رواية “لعنة المعرّيّ” بتقديم صورة مختلفة للشاعر أبي العلاء المعرّيّ في المراحل الأخيرة من حياته، وهو قابع في بيته في المعرّة، وكيف أنّ كثيرين كانوا يحاولون تقديم العون له للتبرّك به، ثمّ تبدأ باتّخاذ مسارات تاريخية واجتماعية مختلفة تغطّي عقوداً طويلة في جغرافيات مختلفة، وتتغلغل إلى أغوار النفوس لترسم ملامح من طبائعها المختلفة وفق الظروف والمتغيّرات التي تتعرّض لها. 
تتشعب أحداث الرواية وتبلغ ذروتها سنة 2011، حينذاك يقع التحوّل الأول في حياة بطل الرواية “سراج” فيتحوّل إلى مهرّب ويترك تدريس اللغة الإنكليزية جانباً بعد أن تغلق المدارس. وتبدأ سيرته الجديدة التي لا يربطها شيء بماضيه، ثمّ تشتدّ وتيرة الأحداث في ذات الوقت بين عائلتي “جازار” و”حماملي”، فيطاول التحوّل حيوات الناس هنا وهناك ويتغير عالمهم فجأة..  
تسعى “لعنة المعرّيّ” لتقديم مقترحات روائية وفكرية لإجابات عن أسئلة جوهرية تنشغل بها الفلسفات، وذلك من خلال تتبع سيرة البطل “سراج بهاء سراج الدين” والبحث في حيرته بخصوص الحكايات التي تدور حول والده الصوفي بهاء سراج الدّين “صوفي الصدى”، تلك الحكايات التي تزخر بالبركات واللعنات جنباً إلى جنب. 
“التحوّل” المفصليّ سمة رئيسة من سمات الرواية، تتحول فيها الشخصيات من حال لحال من دون مقدّمات. ولعل تتبع سيرة عائلتي “آل جازار” و”حماملي بيك” عصب هذه الرواية، حيث ترجع العلاقة بين العائلتين الى مئة وخمسين سنة تقريباً، وكانت قد توتّرت منذ سنة 1861 مع صدور قانون طابو العثماني، وعلى إثره حصلت عائلة حماملي على معظم أراضي الإقطاعيات الصغيرة، ومن بينها أراضي عائلة الشيخ هلال جازار كعقوبة لهم جرّاء دعمهم لإبراهيم باشا المصري في حملته على سوريا، وطرد العثمانيين منها فترة قصيرة امتدّت إلى تسع سنوات.
يحاول الروائي الكرديّ السوريّ ريدي مشّو في هذه الرواية التقاط بعض ملامح هذا التحوّل بطريقة روائية لافتة، يعود إلى جذور الإشكالات الاجتماعية والتاريخية ويفكّك خيوطها وألغازها، بحيث يصوّر مراحل التغيّر ودوافعه، وكيف أنّ هناك أحداثاً تبقى كالجمر في رمل التاريخ وتقوم بتلغيم الحاضر والمستقبل. 
تحاكي الرواية في أجوائها أحوالَ التشتّت، ليس في المجتمع السوريّ وحسب، بل في العالم أجمع، لذا سيجد القارئ مسارات عدة في الرواية، تشكّل معاً العوالم السردية وتمضي بالرواية إلى غايتها. ويظهر الروائي كيف أنّ اللعنة تلوّن الحياة بالأحمر ولا تفسح مجالاً لرؤية المستقبل أكثر من هاوية سحيقة يسقط فيها ضحاياها تباعاً.  
يشار أنّ لوحة الغلاف للفنان التشكيليّ الكردي السوري عمر شيخموس وتصميم الغلاف للشاعر والفنان ياسين أحمدي. وتقع الرواية في 314 صفحة من القطع المتوسط.
تعريف بالمؤلف:
ريدي مشّو: كاتب وروائي وموسيقيّ كرديّ من سوريا.  ولد في القامشلي سنة 1980، تخرّج في كلية الصيدلة في جامعة حلب سنة 2005، كتب الشعر باللغة العربية والكردية. نشر العديد من المقالات والدراسات في صحف ومواقع أدبية.  تشكّل الموسيقى ركناً أساسياً في حياته، سواء كمستمع أو كعازف أو كملحّن. نشر روايته الأولى “حبوكر” سنة 2020. ولديه عدّة أعمال منجزة قيد النشر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن حديثاً المجموعة القصصية “تبغ الفجر” الشاعر السوري الكردي علي جازو، في كتاب يضم اثنتين وعشرين قصة قصيرة تتنوع بين النصوص اليومية المكثفة والمقاطع التأملية ذات الطابع الشعري والفلسفي.

تتّسم قصص المجموعة بأسلوب سرديّ دقيق، يبتعد عن الزخرفة اللغوية ويميل إلى الكتابة من الداخل. الشخصيات تتحدّث من دواخلها لا من مواقفها، وتُركّز…

خوشناف سليمان ديبو

 

يُعد الأديب والفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي من أبرز وأعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي. فقد أدرِجت معظم أعماله ضمن قوائم أفضل وأهم الإبداعات الأدبية وأكثرها عبقرية. وتكمن أعظم ميزات أدبه في قدرته الفذة على سبر أغوار النفس البشرية، وتحليل خفاياها ودوافعها العميقة. قراءة رواياته ليست مجرد متعة سردية، بل رحلة فكرية وروحية تُلهم…

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…