من سجلّي الشخصي تماماً

إبراهيم محمود

في جسدي المديد حيث يتشعب عمر أفعواني مزعج
ثمة قرابة سبعين عاماً تتلبسني بمنحدراتها الوعرة جداً
عمر مأخوذ بالوقائع التي تثير سخرية الحجر
ودود الأرض وليس سواه
أرشيف مدن تضحك بغباء
بشر يرقصون على أمعائهم
رؤوس منفاخة تتوسد عار جماجمها المحملة بالنياشين المزيفة
طرق معبَّدة بأطنان من الهموم المنزلقة على ذاكرتي
لكم أرثي سنّي عمري الذي يستصرخ ضمائر محجّبة من فجر التكوين
***
في رقبتي دماء عشرات، مئات، آلاف، عشرت الألوف.. أكثر أكثر
من بشر أموات، بشر أحياء، بشر في الوسط
لم أدّخر في عمري المترامي الأوجاع في إراقتها
كان قلبي يزغرد بكامل عريه النشوان
روحي كانت وهي لا تكف عن ترداد : 
طوبى لإراقة دماء كهذه
دماء من أعمار مختلفة
أجناس مختلفة
دماء فاسدة، عطنة، رجتني كثيراً أن أريقها
ليستعيد التاريخ لسانه الأكثر خفة
لتستعيد خطوتي توازنها الأرضي الأكثر طهارة
***
في محضر عمري المتناثر 
مدنٌ دمرتها أحقادها ذات النسب العائلي
حروب أهلية دورية تضخ في أوصالها أفكار عربيدة
جرائم يستحيل علي نسيانها
وأنا بكامل وعيي طبعاً
جرائم مسجَّلة ضد الذين يحلفون بالحياة رغماً عنها
يصدِرون رسائل حب ملغّمة إلى الورود
تلك التي ألفتها شرفات
 تستحم في أحلامها النهرية
ينيمون السماء في فراشهم
ويذبحونها من الوريد إلى الوريد 
في الصباح الغافل
يسبّحون باسم نشوة ذاهلة 
***
في دمائي تطوف صور مذعورة مما هي فيه
إذ رتبتها 
لمن يقتنصون أحلام العصافير في الطيران
لمن ينتهكون حرمة الينابيع
 وهي تستعد لوهب أرضها نهراً
 من سعادة ووخضرة فارعة
لمن يقتنصون النجوم في عيون العشاق
لمن يتربصون بالفراشات
  تنقل منشطات الحياة بين الزهور
لمن يمقصلون ابتسامات الرضّع
لمن يهدّدون الحليب بالإدرار
لمن يتشقلبون قبيل تثاؤب الفجر للتشويش
 على شدو الطرق البعيدة
إذ أسمّيهم واحداً تلو الآخر
وأعلمني مطلوباً من عدالة من يناصب العدالة العداءَ
***
لا صوت لي لأبثه سماءً
لا شمس صغيرة في دمي المكدود
 لأنثره ملطّف جو مجرثم في محيطي
لا هواء يسندني
 لأمروحه على عتبة صباح طال انتظاره
لا لسان كافياً لي
 لأطلقه تغريدة زمن نسيه الزمن
لا يد واعية لي
 لتصافح نجمة متدلاة نحوها
فقط لي جسد يعنيني
حين يودّع الحياة
ستحمله السماء والأرض بإخلاص
فيُدشَّن لحياة عامرة بالبقاء

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

صبحي دقوري

يضع كتاب أزمة العالم الحديث لرينيه غينون قارئه أمام أحد أعمق التشخيصات الميتافيزيقية لانحدار العصر الحديث، تشخيص لا ينطلق من داخل الحداثة بل من خارجها، من أفقٍ تقليدي يرى العالم لا من زاوية التاريخ بل من زاوية المبدأ. غير أنّ هذا التشخيص لا يكتمل فهمه إلا إذا وُضع في موازاة جهود مفكرين كبار واجهوا…

ناصر السيد النور *

يدخل الروائي السوري (الكردي) والطبيب في روايته الصادرة مؤخراً عن دار رامينا اللندنية -هذا العام- إلى تجاويف سردية غائرة بدلالاتها السيكولوجية في تعبير جريء وشاخص لشخصياته روايته التي اتخذت مساراً سردياً يغلب عليه التفصيِّل في شمول سردي يتخطى أحيانا المساحة (الفضاء السردي) المتاح. بافتراض أن التطابق ما بين احالات النص السردي وقيمة…