في وداع المرحوم أخي صبري عباس

د. محمود عباس
سأفتقدك مهما طال بي الدهر، أتقبل الحدث الجلل بألم، أبحث عنك في ذاكرتي، لكنني تائه بين دروبها، رغم كثرة حالات حضورك من الماضي.
أبكيك، وليتني أملك القدرة على عدم فعله، فذكراك أسمى من البكاء، وحزني أعمق من أن يزال بالدموع. 
سأظل أسأل ذاتي لماذا لم أسألك هذا أو ذاك؛ كما أفكر عندما أعيد حضور الوالد.
لم تغب عنا طوال السنوات الثمانين، رغم غيابك عن المجتمع منذ أربعة عقود. كنت دائما بيننا الرجل الذي لم تخمد إرادته في مواجهة الحياة؛ رغم المرض الذي حل بك فجأة في إحدى سجون أنقرة في تركيا، قبل أربعين سنة، المرض الذي أصبح مزمنا، يعاد الظهور بين فينة وأخرى، وعزلك عن الأصحاب والأهل، إلا المقربين.
غادرتنا أخي صبري عباس، من إحدى مستشفيات بلجيكا، قبل أن تحقق مخطط العودة إلى نصران، مع الأخ إبراهيم في الشهر الأول من السنة القادمة.
من الغرابة إنه أحس فجأة بأنه هناك في نصران يجب تعلم الكتابة على الكمبيوتر، وكتابة كتابه الآخر بالطريقة العصرية، بعد إصرار طويل على عدم التخلي عن متعة إسقاط الفكرة على الصفحة باليد.
تحدثنا طويلا قبل ثلاثة أيام على الهاتف، حول مواضيع متعددة كالعادة، من بينها القضايا الفكرية، والسياسية، وما يجب الكتابة فيه، تخلله شكوى المعاناة من الآلام، وضحك على ما بلغناه في الحياة، ونحن في الغربة وبأرذل العمر.
لم نتحدث عن الموت، علما أنه كان خلف الباب يسترق السمع، تحدثنا عن مضمون كتابه المكتوب باللغة الفلمنكية، والذي كان بصدد تبييضه باليد، لكنه قرع بابه في المشفى بعدما أنهينا المكالمة بيومين، سافر معه، ليس إلى نصران، بل إلى غياهب العدم، ودون وداع، متخليا عن مشروع كتابه، وقرار السفر مع الأخ إبراهيم. 
كنت الأب بعد الأب، والأخ القدوة في مواجهة مصاعب الحياة، غبت عن المجتمع أربعة عقود من الزمن، لكنك لم تغب عنا، قتلوك الأعداء بين المجتمع، لكنك بقيت صرحا بيننا. 
نعم إنها جدلية المستحيل، الوداع بدون موعد، لكننا نفتقدك، وددت ألا أبكيك كما وعدت، لكن العيون تدمع دون إرادة، أعذرني، ستظل في الذاكرة حيا إلى أن تموت الذاكرة ذاتها.
وداعاً أخي صبري، أحببتك كما الوالد.
الولايات المتحدة الأمريكية
18/11/2023

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرزاد هواري

قصيدة إلى أمي وكل الأمهات السوريات بيومهن

 

 

أمي، ويا سرَّ الحياة ونورها

يا منبعَ الإحسانِ في أزهى صوَرهْ

 

يا بلسمَ الأيامِ في وقتِ الأسى

ويا نَبضَ قلبي، بل ويا كلّ العُمرَه

 

علَّمتني الصبرَ الجميلَ بحلمِها

وغمرتني حبًّا، وعانقتِ العُذُرَه

 

ما ضرّني منها جَفا أو قسوةٌ

بل كانت الدفءَ، وطيّبَ العِشرَه

 

تمدّ لي يدَها إذا ما ضاقَ بي

دربٌ، وتدعو اللهَ في سترِ سَحرَه

 

زرعتْ لنا…

ينظم اتحاد الكتّاب الكُرد في سوريا الدورة العاشرة من مهرجان القصة الكردية القصيرة، وذلك في مدينة قامشلو خلال الفترة الممتدة من 13 حتى 17 حزيران 2025.

يفتح باب المشاركة في المهرجان وفق الشروط التالية:

أن تكون القصة مكتوبة باللغة الكردية.
يجب أن يتراوح عدد كلمات القصة بين 500 و2000 كلمة.
ألا تكون القصة منشورة سابقاً أو…

نظّمت لجنة الأنشطة في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، بالتعاون مع ممثلية اتحاد كتاب كردستان سوريا، ندوة ثقافية في مدينة إيسن، استضافت خلالها الباحث والمترجم والشاعر د. حسين حبش للحديث عن ترجمته لـ”جاثات زردشت” من لغة الأفستا إلى الكردية.

أدار الندوة الكاتب مروان مصطفى، وحضرها نخبة من الأدباء والشعراء والإعلاميين ومتابعي الشأن الثقافي. تناول…

خالد حسو

 

الوطن ليس جغرافيا محفوظة في دفاتر المدرسة،

ولا نشيدًا نردّده قبل أن نغفو على مقاعد الانتظار.

الوطن… أمنٌ يتسلّل إلى نومك دون حراسة،

كرامةٌ لا تُنتزع، ولا يُساوم عليها،

محبةٌ لا يُشترط لها لون أو طائفة أو حدود.

 

الوطن هو هويتك حين تُمحى الأسماء،

حريتك حين تُقيد الأصوات،

وسلامك حين يتحوّل العالم منفى كبير.

 

وإن غاب،

إن سقط من صدرك كما تسقط…