ذكريات مع كتب « البسطات »

بروفسور حسين علي غالب بابان

بسعر رخيص جدا وطباعة رديئة للغاية بسبب نوعية الورق  وعناوين جاذبة وصور أغلفة ملونة بالوان باهتة إلا أن لديها قراء كثر  يعشقون قراءتها لدرجة الإدمان ، هذه هي بكل بساطة الكتب التي كانت تباع على الأرصفة و يطلق عليها تسمية كتب “البسطات”.
معرفتي الأولى بهذه الكتب  كانت في شوارع وأزقة العاصمة اليمنية “صنعاء” ، حيث كانت اليمن قد خرجت من حرب طاحنة بين البلد الواحد “اليمن ” الموجود في الشمال وعاصمتها “صنعاء” واليمن الموجود في “الجنوب ” ويطلق عليه تسمية “اليمن الجنوبي” وعاصمتها “عدن” ، وكان الكهرباء يقطع لساعات طويلة  و كان بداية ظهور “القنوات والبث الفضائي” ، لكني لم أكن أعشق مشاهدة القنوات الفضائية في حينها وكان عدد القنوات قليل جدا ولهذا أهتممت بالقراءة لأنها هواية مفيدة ومسلية وكذلك لا تكلفني إلا القليل من المال.
كانت كتب “البسطات ” تعجبني للغاية وكنت أقرأ  روايات صغيرة توضع في الجيب من شدة صغرها ، مثل “الشياطين 13” و “رجل المستحيل” و “روايات عبير” هذا من ناحية السرد وكانت هذه البدايات بالنسبة لي ، ومعها كتب دينية أشك أن مؤلفيها هم رجال دين وتتحدث عن “عذاب القبر ” و “علامات قيام الساعة” و “حوار من الجن المسلم” ،أما من ناحية الشعر فنزار قباني و محمود درويش وأمل دنقل لا يوجد غيرهم منافس في عالم “البسطات ” ، وأيضا كانت هناك كتب للشيخ” الشعراوي” وكتب “طه حسين” و روايات” نجيب محفوظ” لكن بعدد قليل .
مدة قراءة هذه الكتب لا تتجاوز الثلاث أيام بالنسبة لي ، وبعدها أبحث عن كتاب أخر أضيع به وقتي ، وكانوا أصحاب “البسطات” أذكياء في التعامل معنا  فعندما كنت أرى عناوين الكتب يقول لي هذا الكتاب آذا أشتريته سوف أعطيك كتاب أخر هدية بالمجان ، وكان الكتاب المجاني قد عرضه لمدة قد تزيد عن سنة أو سنتين ويريد أن يتخلص منه بأي طريقة ،ومن جهة لعل وعسى أعجب بالكاتب وأشتري بقية كتبه التي قام بتأليفها .
كذلك الجدير بالذكر أن هناك كتب أعتبرها مقززة ولا أطيقها بتاتا ، كتب عن الأبراج وكتب تعلم الطبخ وكتب تعلم الكاراتية والسحر وتفسير الأحلام ، وكذلك مجلات فنية قديمة تتحدث عن فضائح الفنانات تصدر في لبنان ومصر أو تحتوي على مواضيع “مثيرة للغرائز”  ولا أريد ذكر أسمها فهي معروفة للجميع ، وكتب تعلم اللغات التي يشتريها بعض الطلاب ، وكل ما ذكرتهم بأعتقادي أن قراءهم من شريحة النساء “ربات البيوت” تحديدا ..!!
وفيما يتعلق بتجربتي عند  ذهابي للعراق  فلقد كان الوضع مختلف تماما حيث كتب “البسطات” خصوصا في العاصمة “بغداد “تضم كتب رصينة بكل ما تعنيه الكلمة من “الأدب العالمي” وحتى كتب أكاديمية عن “الطب” ومختلف “العلوم الهندسية “، وهناك من الباعة من يوصف الكتاب عبر التعريف عنه بصوته القوي للقراء ،وما يذكره عن الكتاب ليس معلومات عامة بسيطة بل معلومات دقيقة تدل على أنه مثقف ثقافة عالية وقد قراء كم هائل من الكتب حتى وصل إلى هذا المستوى الراقي من الثقافة والمعرفة.
من يقرأ موضوعي هذا لن يعرف لذة هذه الكتب ، ومن يعرفها هم القراء الذين عاشوا هذه التجربة مثلي  فقط لا غير، والآن هناك مئات المواقع التي تقدم هذه الكتب مجانا على شبكة الانترنيت وأتمنى أن يكون قراءها كثر حتى يستمتعوا ويستفيدوا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

“إن لم تجدني بداخلك، فإنك لن تجدني أبداً”
قول قاله جلال الدين الرومي، تذكرته وأنا أطوف بين أعمال التشكيلي رشيد حسو، بل أحسست أن أعماله تلك تخاطبني بهذه الجملة، وكأنها تقول لي: التفت إلى دواخلك فأنا هناك، وإذا أردت أن تقرأني جيداً اقرأ ما في…

فراس حج محمد| فلسطين

تعالَيْ
متّعي كُلّي بأعضائكْ
من أسفل الرأس حتّى رَفعة القدمينْ
تعالَيْ
واكتبي سطرينِ في جسدي
لأقرأ في كتابكِ روعة الفنَّيْنْ
تعالَيْ
واشعلي حطبي على شمع تلألأ
في أعالي “الوهدتين”
تعالَيْ
يا ملاكاً صافياً صُبّ في كأس امتلاء “الرعشتينْ”
تعالَيْ
كي أؤلّف أغنياتي منهجاً لكلّ مَنْ عزف الهدايةَ

في نضوج “الزهرتينْ”
تعالَيْ

كيْ أقول لكلّ خلق اللهْ:
“هذا ابتداع الخلقِ ما أحلاهْ!
في انتشائك شهوة في موجتينْ”
تعالَيْ
مُهْرة مجنونة الإيقاعِ
هادئة عند…

“في الطريق إلى نفسي” هو عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، وقد صدر حديثًا عن دار 49 بوكس في السويد. في هذا الديوان يكتب الشاعر قصائده بخبرة شعرية واضحة المعالم، بما تملكه من حساسية الرؤية وخصوصية الالتقاط والتصوير والتعبير. فالشاعر شغوف منذ ديوانه الأول “أفراح حزينة” عام 1990، بشدة التكثيف اللغوي وحِدَّة…

خالد جميل محمد

في وظيفة اللغة والكلام

لا تخلو أيُّ لغةٍ إنسانيةٍ من خاصّيةِ المرونةِ التي تجعلها قابلةً للاستخدام ضمن جماعةٍ لغوية كبيرة أو صغيرة، وهي خاصيّة تعكِس طواعيةَ اللغةِ، وقدرتَها على التفاعل مع المستجدات، بصورة تؤهّلها لأن تُستخدم في عملية إنتاج الكلام بيسر وسهولة، متوسِّلةً عدداً من الطرائق التي تَـزيدُ اللغة غِنىً وثراءً، ويمكن أن تتمثل…