إبراهيم محمود
في ( 27 آب 2021 ) نشرتُ في موقع ” ولاتى مه ” مقالي ( ورد التسمية في قاموس الورد بالكردية «قاموس الورد» ) للكاتبة والشاعرة الكردية شيلان دوسكي Şîlan Doskî،
وهو في ” 550 ” صفحة من القطع الوسط، وقد أشارت عالمة الورد الكردية الرحالة شيلان أنها ستستمر في عملها هذا، لتقدم المزيد في هذا المضمار، وما كتابها الأحدث الذي وصلتني نسخة منه في دهوك، هدية معتبَرة منها(KURDICA ) وطيّ العنوان مباشرة بالدال كردياً (kurdîka )، وينحصر الموضوع في المسمى في أسفل الغلاف: جدول بالأسماء العلمية لأشجار كُردستان، وورودها ونباتاتها:
Lîsteya navên zanistî yên Dar, Gul, û Gyiayên Kurrdistanê
من منشورات j-j،في ديار بكر، ط1، 2023، في ” 244 ” صفحة من القطع الكبير، ومراجعة الكاتب والشاعر الكردي عزيز غمجفين، ولا بد أن الإقدام على عمل كهذا، وفي الشأن العلمي بالذات، مغامرة لا تخلو من مخاطر، من ناحية التسمية ومدى دقتها.
وما قيل وهو أن المشتغل في قاموس ما يكفيه أنه يسلم من الانتقادات، صحيح، فكيف الحال في عمل له طابع قاموسي، ويتحرك على خطوط عدة: ذكْر الاسم، بالنسبة لنوع الشجر، الورد، والنبات، بالكردية، والمقابل اللاتيني ، كما رأينا في ” قاموس الورد ” إلى جانب تحديد الموطن، ومكتشف هذا النوع أو ذاك، وتاريخ نشر كذلك،، حيث يتوازى التاريخ والجغرافية، وهي مَهمة ليست سهلة بالتأكيد، وإذا أشرنا إلى الظروف السياسية بالنسبة لكردستان جغرافياً، تصبح المهمة أكثر صعوبة، والجهود المبذولة تكون أكثر، بأكثر من معنى .
وإذا كنت معبّراً عن فرحي بظهور عمل كهذا يكمل سابقه، فإن الذي أقوم به، ليس التوقف عند كل قسم في الكتاب، ذلك يستغرق ليس وقتاً فحسب، وإنما جهداً من نوع آخر أيضاً، وهو البحث عن المقابل بالعربية، خاصة وأنني حاولت العثور على المقابل العربي لأمثلة كثيرة من محتويات الكتاب، في قواميس مختلفة، فلم أجد أثراً، لأن الأسماء تكون كردية ومحلية، مثل “
Botav-kezwan-sîsin…”، إنما وجدت لبعض منها وصفاً لها، مع تحديد مكاني، كما في ” القاموس الكردي- الفرنسي ” من منشورات المعهد الكردي الفرنسي، عن دار ” آفستا “..
وليس في ذلك ما يُستغرَب له، فلكل رقعة جغرافية، نباتات وزهور وورود معينة خاصة بها، وهي تشكل علامات فارقة لثقافة محلية وقومية كذلك، وترد الأسماء كما هي .
لهذا، وكما ذكر، فإن ما أحاول كتابته هنا هو الإشارة إلى ثراء هذا العمل الذي يلتقي فيه الجانب الثقافي والوعي القومي وصلته المكانية والتاريخية بالذات .
إضاءة
رغم أن الذي تمكنت منه شيلان في مجهودها الثقافي ارتبط بعمل ميداني، إلا أن هذا العمل الميداني أُضيء بتدقيق علمي، أكاديمي، وثمة تروّ في كتابتها، وبدءاً من المقدمة، حيث تقول:
لكل شجرة، وردة، ونبات اسم علمي، عُرف به، أو لُقّب به.. كما هو متفق عليه …لتشير إلى طريقة عملها البحثية، بدءاً من ” قاموس الورد ” ابتداء من جمع الأسماء العلمية لما جرى ذكره.. وهكذا الحال مع كتابها هذا ” كرديكا ” حيث أسماء الأنواع المذكورة تقابل الأسماء العلمية، ومن خلال تاريخ عالم النبات.. وتشير إلى أنها أجلت بعض الأسماء إلى المجلد الثاني، ومثال ذلك: الأسماء العلمية لبعض الأشجار، الورود، والنباتات، وهي تبدأ من النهر الكبير ” لعل المقصود: نهر دجلة ” في كردستان الشمالية، وتعبُر بعض مدننا ومناطقنا، مثل ” آمدية، جزيرة بوتان، وصولاً إلى كردستان الجنوبية، وبفرعي نهر الزاب: الكبير والصغير، حتى زاغروس، في هذه المناطق ، وبالاسم العلمي، لميزوبوتاميا، والذي يتكون من ” 38 ” اسماً، وأسماء أخرى، خصصتها للمجلد الثاني..” ص5 ” ..
هناك الكثير من الإشارات ذات الطابع العلمي والتاريخي التي تثبتها شيلان جهة التعامل مع طبيعة الأسماء المسجلة ومواطنها، والذين يعرَفون بإسهاماتهم في هذا المجال، مثلاً عندما تشير إلى فيلي ميلّر ” 1691-1771″ ، بأنه وكما يقال ( أول من عرَّف بشجرة ” الكستناء
Şahberû ” .ص6 )،وطريقة الربط بين نوعية النبات مثلاً وكردستان، وكيفية تهجئة الأسماء …إلخ.
وهناك عشرون صفحة تخص محتويات الكتاب من باب توخي الدقة، حيث التصنيف لعائلة كل جنس من المحتويات.
ولا بد من التذكير بإهداء الكتاب” ص 28 “، وهو موجه إلى والدها الشهيد ( محمد حسن باجيلوري: 1932/ 26-11-1983 ) الذي عرِف كغيره من الألوف المؤلفة من المناضلين الكرد هنا في إقليم كردستان العراق، دفاعاً عن وجود الكرد وكردستان وقومية الشعب الكردي وحقه في البقاء ضمن كيان قومي يحمل اسمه …وهي بذلك تعتبر ما تقوم به في الطريق النضالي عينه، حيث الممارسة الثقافية الجادة لا تخرج عن هذا السياق.
والكلمات المكتوبة على غلاف الكتاب الخارجي، يؤكد هذا الوعي الجلي بأبعاده التاريخية والجغرافية، عندما تشير إلى أن ( زهور كردستان قد زهت في النافذة العالمية. إن كرديكا شمعدانات وطننا في واعية المستشرقين، الخبراء، والمختصين الدوليين ..) لتصل إلى نهاية مقصدها من هذا الكتاب، وهو يتمثل في السابق ذكره: الواجب المعرفي المطلوب هنا، وكيف أن دراسة في هذا المضمار تنير جغرافية كاملة ” كردية ” وتحفّز على معرفة كل ما تتميز به من ثراء طبيعي، وما عليه وما هو في باطنه.. لهذا السبب كان هذا الكتاب ..
ولحظة الانتقال إلى عالم الأسماء والصور المتعلقة بالأنواع المذكورة من الأشجار، الورود ، والنباتات، يتطلب التوقف عند كل اسم تروياً، وتدقيقاً في المسطور عنه.
مثلاً ما يخص : البصل الكردي Pîvaza kurdî، يُكتَب مقابلها الاسم العلمي اللاتيني، وأن الذي سجّل اسمها هو عالم النبات الألماني كارل هنريش إميل ( 1809-1879)، وقد نشِر الاسم في المجلة العلمية المختصة بالنبات” Linnaea
” 22″ 2″ : 237 [ حزيران1849 ] . ” ص 29″ .
نجد أنفسنا هنا إزاء الاسم الكردي ومقابله اللاتيني، وواضع الاسم وناشره ، أي حيث يكون الجهد مركَّباً.
هكذا الحال مع : ثوم جبل كَابار Sîra çiyayê Gabar، ومقابله اللاتيني، والذي سجّل اسمه هو عالم النبات الكردي محمد فرات، ونشر في Allium gabardaghense، بتاريخ 4( 2015 )” ص 29 “
أي إن هناك تذكيراً بمجهود باحثين كرد في هذا المضمار، وما لذلك من اعتبار تاريخي وثقافي مختلف. ولكي يأخذ الاسم حقه من الظهور وهو متنوع، هناك صور لأنواع هذا الثوم، ومقابلها اللاتيني ومن سجّلوا أسماءها.
وعندما نتوقف عند ثوم كردستان، نلاحظ تنوعاً في أسماء الأمكنة التي يُنسَب إليها :
مثلاً: ثوم قَرادغ، سجّل من قبل الإسرائيلي المولود في روسيا: ناعوم فينبرون- دوثان، ونشر في صحيفة ” فلسطين ” سنة 1943.أما ثوم شرنخ، فقد سجل من قبل كلّ من بهجت، ولطفي، ورستم أوغلو، ، ومصطفى ، ونشر سنة 2012، في المجلة التركية المختصة بالنبات ” التركية “، ” ص 33 ” أما ثوم زاغروس، فقد سجّل من قبل فريتش، راينهارد ميخائيل ( 1944-..)، ونشر سنة 2009، في المجلة الإيرانية المختصة بالنبات( روستانها )..” ص 34 ”
وما يخص شجرة كزوان الكردية Kezwana kurdî الشهيرة هنا في إقليم كردستان، وقد سجّلت باسمها من قبل عالم النبات النمساوي ريشنغير، كارل هاينز، ونشر اسمها سنة 1969، في زهرة إيران ” ص 34 “…
وبالنسبة إلى النبات الشوكي الكردي Striyoka kardoxî، فالذي سجَّله هو عالم النبات الروسي- الألماني فينكلير ، قسطنطين، ، جورج الكسندر( 1848-1900) وعالم النبات الألماني بورنمولّر ، جوزيف فريدريش نيكولاوس( 1862-1948 )، ونشِر سنة 1895،في مجلة بولّتين المصورة ” ص 65 ”
وهناك أكثر من نوع، ومختلف تبعاً للأمكنة، كما في شوكية كرمانشان ” ص 67 ” وشوكية كردستان، و” سِنَه ” ” ص 67 ” و” أورميه ” و” وان ” ” ص68 “، و” زاغروس ” ” ص69 “..
وهناك نبات الحمم : Gûrîza kurdî، بالمقابل اللاتيني، حيث سجّل اسمه من قبل عالم النبات الروماني المولود في النمسا- المجر، غوشوليتش ميهيل ( 1887-1960 ) ومن قبل عالم النبات الأمريكي شامبرلين ، دافيد فرانكلين ( 1941-..) ، ونشر هذا الاسم سنة 1977 . ” ص 84 ”
وهناك : بصل الذئب Pîvoka kurdî، مع اسمه اللاتيني ، ومن سجله وهو عالم النبات البلغاري سطيفانوف، بوريس،( 1849—1979 ) ، ونشر اسمه سنة 1926 في مجلة مونورغ البلغارية ” ص 120 ”
والبقلة الكردية Şoqila kurdî ، الذي سجل اسمه من قبل جليليان، ناستاران، ونشر اسمه سنة 2010، في صحيفة” فيدّيس ” ” ص 141 “
وشجر البلوط الكردي Darberûya kardoxî ، ومقابل الاسم اللاتيني، حيث سجّل من قبل عالم النبات النمساوي كوتشي ، كارل، جورج تيودور( 1813-1866) وعالم النبات السويسري كاندول ، الفونس لويس بيير بيراموس( 1806-1893) ونشر سنة 1864، في المملكة النباتية regni vegetabilis..” ص 142″.
وزهرة الختمية” السدرة ” Hêroya kurdî، وسجّل هذا الاسم لأول مرة من جهة كارل فون لينّيه، كارولوس لينييس( 1707-1778)، العالم، عالم الطبيعة، والحيوان، والنبات السويدي سنة 1753، في الكتاب المؤلف باللاتينية : أنواع النباتات species plantarum ..” ص 184 “.
ونبات الحشيش الفضّي الكردي Gêjloka kurdî، بمقابله اللاتيني، وسجّل اسمه من قبل عالم النبات السويسري بواسّييه ، بيير ادموند وهوهيناكر، رودولف فريدريش ( 1798-1874) ، ونشر الاسم سنة 1843…” ص 229 “..
وهناك، أخيراً لا آخراً، وكتنويع في الأمثلة: شجرة المن/ السلوى الأكَرية Dargezoya Agirî، والمقابل اللاتيني، والذي اسجل من قبل عالم النبات الروسي الكسندر الكسندروفيتش ( 1803-1890) .. وغيره، ونشر سنة 1936، في صحيفة سوفيتسك بوت ” ص 241 ” ….إلخ.
وكما نوَّهت سالفاً، أنه من خلال قراءة اللائحة الاسمية للأنواع المذكورة، وتصنيفها في جدول المحتويات، يلاحظ القارىء ذلك التنوع في الأصناف، وتوزعها، واختلافها عن بعضها بعضاً، وما في هذا التنوع من ثراء نباتي، وتحفيز على دراسة الطبيعة وتربتها وذلك التكيف بين التربة هذه وتلك الأصناف النباتية في أشكالها وألوانها وأحجامها إلى جانب سواها كردستانياً..
كما نوّهت في البداية، فإنه من المستحيل بمكان، الإحاطة بالكتاب من جوانبه كافة، إنما هي محاولة إضاءة للكتاب، وربما تعريف موجز لنوعيته انطلاقاً من بعض الأمثلة، والأهم في كل ذلك هو التأكيد على الجهد المثمر والمركَّب لكاتبتنا وعالمتنا الكردية من خلال هذا الثراء القاموسي، وتصور ذلك الصبر المتطلَّب في عملها وأي عمل مقابل له ، وما يمكن تبيّنه أو معرفته جهة هذا التنوع الطبيعي اللافت، من قبل أولئك العلماء، الرحالة، ممكن مارسوا مسحاً طبيعياً على أكثر من صعيد لجغرافية كردستان، وما لذلك من قيمة دونها لا يمكن معرفة الوقت الذي أمضوه لهذا الغرض، وكيف أنهم بجهودهم أناروا كثيراً ما يخصنا، رغم أنها ليست بريئة مما هو سياسي كذلك، ولكنها جهود تعلّم وتنبه إلى ما يمكن القيام به في مناحيَ مختلفة..
وما يمكن قوله في المختتم هو أن البعد المعرفي العلمي للكاتبة يستند إلى معرفة مكانية ووعي ثقافي وقومي كردي، حيث إن مجهوداً ثقافياً منيراً من هذا النوع يعتبَر نضالياً، وما في ذلك من رباطة جأش، وشجاعة إرادة أيضاً.
وأرى أن هذا الكتاب إلى جانب سابقه ” قاموس الورد ” يشكلان معاً، إضافة نوعية إلى المكتبة الكردية. والذي أشير إليه كذلك هو أنه يمكن لمختصين في هذا الشأن أن يعثروا على أخطاء معينة، إن من جهة التاريخ، أو الدقة في الاسم، أو التعريف.. ذلك وارد، سوى أن ذلك لا يلغي، ولا باي شكل، المنجز التاريخي- العلمي القومي الطابع لكاتبتنا شيلان دوسكي، ولولا هذا الشعور الذي ربطني بالكتابين، لما كان هذا الإقدام على كتابة هذا المقال التعريفي…