كلُّ الطُّرق تؤدي إليك

إبراهيم محمود
هي ذي البداية
كل الطرق تؤدي إليك
 أم يؤدَّى بك إلى كل الطرق ؟
أم تُراها الطرق يُؤدَّى بها إليك ؟
لا رغبة في معانقة تربتك
لا شوقاً إلى مصافحة سمائك
لا حباً في مجاورة صورتك المثقلة بمآسيك
لا اشتهاء لأحلام طيورك بأعشاش أوسع
هي الخرائط التي تغيّبك داخلها
***
هكذا أسمّيك كما أراك إذاً:
( وطناً يشد عليه رسمُه في الريح أو في الريح أو في الريح 
شعباً يشد إليه اسمه في الريح أو في الريح أو في الريح
وأنا كلاهما جسدي بصيرُ الريح أو في الريح أو في الريح )
لأثبت تالياً:
أرضاً جرحاً غائراً من أقصاها إلى أقصاها
سماءً تمطر ملحاً سريعاً يذوب في الجرح المرئي بعمقه
أيّ نبع يمكنه النجاة بمائه
أي نهر يمكنه الجريان دون اعتقاله
أي شجر يمكنه الصعود إلى الهواء دون أنشوطة تعلوه
أي طريق يمكن التقدم دون طعنه في الخلف 
أي حجر يمكنه الاستحمام في الشمس دون تلغيمه
أي وردة يمكنها بث أريجها دون تهديدها بركلة مسننة
أي عشب ينبسط للضوء دون دحله
أي حمام يلتقط صورة له مع زوجه في حديقة المدينة دون قنصها برصاصة
أي صغير يتشقلب على عشب الحديقة دون زجر صاعق
أي عاشقين يحتفيان بغد مرتجى دون إسدال عتمة مشبوهة
أي حامل بنطفة تكون في غفلة عن عيون ضارية
***
هكذا أكتب في أمرك في المكاشفة
كل الطرق تؤدي إليك في مفارقاتها
لا جهة مؤمنة كي يبتسم لها داخلٌ غير مؤمَّن عليه
لا طريق قادر على النوم خشية مرور  أيد تعكر صفوه
لا جبل يرتاح في أعلاه خشية مندس يربكه في قاعدته
لا نبع ينفتح على مائه مخافة تسلل شبح ميكروب إليه
لا شجر قادر على حك جذعه مخافة أن يمسه هواء لا يصلح لتنفسه
لا هواء يعرفك جيداً يتوزع بأريحية مخافة أن يداخله كربون مباغت
لا نجمة تعرفك إلا وتعيش حمّى السهر عليك حتى تثاؤب فجرك
***
هكذا أسطّر أسمائك فِرقاً فرقاً
من يأتونك شغفاً بلغات لا تحصى ناقلين الكثير عنك تاركين الكثير لإيلامك
من يرتادون ربوعك سيّاحاً لينشروا اسمك في سجلات سرية
من يكيلون لك المديح رسميين تماماً وثمة فجائع في الانتظار
من يتحدثون بلسانك مذهلين بفصاحتهم وليس من دم فيهم ينسّبهم إليك
من يرفعون من شأنك هنا وهناك وطي ظلالهم ظلال أخرى تنفر منها أشجارك بحزنها التليد
من يديرون مجالسك عن الآباء والأجداد بعيدين عن أفقك الذي يشغلك غداً
من يغازلون حماماتك ولا يدعون بيوضها تقوم بواجبها المعتاد
من يرقصون في ساحاتك وثمة كاميرات تلتقط صورها المنتظرة خارجاً
من يؤرشفون ابتسامات صغارك ليعرفوا كيف يترجمونها وجعاً في القريب العاجل
من ينادمون حدودك بلغات شتى ليتدثروا بطيبتها وهم برفقة المعزَّزين
***
هكذا أطلق أفكار روحي الخاصة بك:
شهرزادك تسرد على شهريارك الدخيل ألف فجيعة وفجيعة
صباياك اللواتي من خزامى وكزوان وهواء طلق منذورات لعمر صادم
شبابك المأهولين بحرارة خيالاتهم يغفلون عن ساعاتهم الواقفة كثيراً
لغتك التي تسمّيك على المقاعد الدراسية كم تبكي بصمت أوجاعها عبر اليوتوبيات المستفحلة
شهود عيانك في وهج جراحاتك المخلصة كم أعياهم انتظار دواء مذ كان اسمك
العيون التي تغلق على صورتك المرتجاة كم تعاني من حرقة بؤبؤها المزمنة
وأنت المرئية من الجهات كافة
وبين يدي هاتين ترتجف خريطتك التي تزداد اضطراباً يا:
( وطناً بلا وطن يعزّيه بأي كتاب ِ آت ٍ أصطفيه
أرضاً بلا لغة تطمئنها فماً وقد استقرَّ بما يقيه
وأنا هنا وهنا ينازعني لسانٌ حارَ فيه ..)
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…