أنقياءٌ ولكن…..!

هيفي الملا 

أصابها الملل وهي تنتظر دورها في العيادة النسائية، تتحس بين الحين والآخر بطنها تستشعرُ حركات الجنين تتخيل أنه يضربها تبتسم،  مازال صغيراً على ذلك فالحمل لم يتجاوز الشهر الثالث بعد ، تتعمدُ أن تغطي بطنها بمعطفها حتى لا يتسلل البرد لجنينها، تسند رأسها على الكرسي فيكاد النوم يغلبها، 
افكارٌ عديدة تلوح لها وكأنها مرسومةٌ  بعشوائية على المرايا المعلقة في صالة الانتظار, خواطرٌ تتقافزُ أمامها كخِرافٍ سارحة، مخاوفٌ مابرحت تفكر فيها ماثلةٌ أمامها الآن ، حيث قامت بإجراء هذه الفحوصات لتضع حدا لها وتمضي الأشهر المتبقية من عمر حملها مستمتعةً حتى بأعراضه المزعجة من دوار وإقياء وفقدان شهية. 
أنثى جميلة حذرة  تؤمن  بتجنب السوء قبل وقوعه، خافت أن يكون طفلها مصاباً بتشوهٍ خُلقي أو مرض معين أو أن يكون من حاملي متلازمة داون. 
مرت الكثير من السيناريوهات في مخليتها ماذا لو كان منغولياً، آه هي لاتحب هذا الاسم الشائع لأولئك الأطفال الأنقياء ، يصرخ زوجها في رأسها نادباً حظه الأعثر والنحس الذي جلبه هذا الزواج له، تتوارى خلف إحساسها بالخيبة، وهي تتذكر طفلها منبوذاً بين أصدقائه، ساذج نقي مقارنةً  بكمية التنمر الموجودة بالمجتمع، لا لن تدعه ينمو أكثر في أحشائها ليعيش هذا الواقع المؤسف والموت المُحتمل المُنتظر،  لن تدعه يعيشُ بلسانٍ متدلٍ للخارج واللعابُ يسيل من فمه وبمفاصل مرخية وعيون صغيرة و رقبة قصيرة ولغة متلعثمة، قد يعيش حتى الخامسة عشرة وقد يعيش حتى يهرم، هي لاتخاف الموت المبكر عليه، بل تخاف نظرة الشفقة في عيون الآخرين والتعامل معه كمادة للفكاهة او ممازحته للتسلية كم شاهدت ذلك بعينيها فآلمها. 
تضعُ يدها على بطنها تبحثُ عن قلبهِ الصغير، تفرد أصابعها باطمئنان،  تحادث نفسها ما أقساني من أم ! كيف أفكر بالتخلص منه بدلاً من الترحيب به و مساعدته وتعليمه وتأهيله للتأقلم مع حالته الخاصة، ليصبح وجود هذا الكائن غير الطبيعي أمراً مألوفاً و عاماً مشاعاً،  فيُرَحب بوجوده الجميع داعمين لا مشفقين أو ساخرين ، لا لن أنهي حياته بيدي قد اموت قبله من يدرك ساعة مَن آتيةٌ قبل. وتهزُ رأسها عساها تطرد هذه الوساوس التي غزتها كجيشٍ محتل. 
لا سأنهي هذا الحمل لأجل صغيري، فهذه البلاد بلا تأمين صحي بل تفتقر لمراكز تأهيلية نموذجية، وسيكون شاقاً أن أعيش مع طفلٍ معاق ،  أنا خائفة ولن استطيع مواجهة هذا المستقبل والكثير من التوقعات، لستُ قويةً وجاهزة. 
هذا الملاك يحتاج لرعاية إضافية سأحتفظ به، كم قرأت عن امهاتٍ بطلات ساعدن أطفالهن لتجاوز الإعاقة وتحقيق إنجازات قد لايبلغها الطفل السليم ، وعصرت ذاكرتها لتتذكر، هناك بالفعل مراكز لتأهيل حاملي متلازمة داون، أو أية إعاقة أخرى، نعم بمساعدة المركز سيمتلك صغيري مهارات السلوك التكيفي وقد يعمل وينجح، يصرخ زوجها في رأسها كفى، وهل يمتلك الأصحاء في مجتمعنا هذا السلوك التكيفي، حتى يمتلكه المرضى، لن يندمج هذا الصغير انقذيه وانقذينا  سوف يُعامل كإنسانٍ مجنون ناقص ، أنا وأنتٍ نسميهم متلازمة داون، في الشارع سينادونه يامنغولي، يامجنون، رفقاُ بقلبينا انزعيهِ من أحشائك ! 
تضربُ رأسها بقوةٍ، يستغرب جالسو صالة الانتظار سلوكها، هل يتأخر الطبيب في الوصول تصرخ مستنجدةً ؟ لا هو في الطريق أجابتها الموظفة، 
تشعرُ ببعض الهدوء وتضع الحرب أوزارها في رأسها، لن تفترض السوء فهي تحسباً أجرت تلك التحاليل والعينات، هذه السيناريوهات غير المجدية لن تشل تفكيرها المنطقي هكذا كانت تحاور ذاتها. يضع زوجها يديهِ على خاصرته مجدداً مهدداً 
إنْ احتفظتِ بالجنين تحكمين على هذا الزواج بالنهاية ، لن أصوم لأفطرَ على بصلة، أي بصلة وأي جزرة تصرخ على نفسها، لا لن تدع هذا الاب ينعت ابنها بالبصلة لن تدعه يواجه كل هذا النكران والرفض و القسوة ستتفق مع الطبيب الآن لتتخلص منه. 
ارجوكِ هلّا اتصلتِ بالطبيب أنا تعبة،  بل سليمة، وحملي صحي،  ربما اهتمامي بالآونة الأخيرة بقراءة القصص عن الأطفال المصابين بمتلازمة داون وتحيزي لبراءتهم وقدرتهم على بعث السعادة والحنان هو السبب، لقد تخزنت تلك القراءات في عقلي الباطن لتمد لسانها كالأفاعي الآن، 
تنادي الممرضة باسمها مرتين، لاتسمع من قعقعة السيوف وضراوة المعارك في رأسها.  تعتذر وتدخل بخطوات متثاقلة ، الآن الطبيب  سينهي هذه الافتراضات الجوفاء وتلك الأفكار السلبية حتماً فتبتسم مطمئنةً، يفتح الطبيب ظرفاً يحمل اسمها، يفتحه مبالغاً في التروي أو ربما هي  تشعر باللحظات ثقيلة. 
هل سمعتٍ عن أطفال يولدون مع كروموسوم إضافي، يسألها الطبيب، هل هذا حقيقة؟ أم أنها تتمة التمثيلية التخييلة التي عاشتها في صالة الانتظار، ابتسمت في وجه الطبيب وهي تشرب دمعةً حامضة المذاق ،  وعندما حاول الطبيب ان يشرح لها المزيد ، قاطعته أعرف كل شيء، و أنا جاهزة لمصيره ومصيري المتلازميَن.
مضت ويدها اليمنى آمنةً على بطنها ، واليسرى تحمل نتائج التحاليل التي كانت تنسل هاربة من الظرف  لتنالها أقدام المارة،

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي (ş.ş.n)

 

يوشوش المطر

يوسوس المطر

كأن القلب به شطر

بصرخة الهزيم

في حمحمة الحلم ..!

أ.. تكون صدى الله

في كمأة الحب ..؟

أو صدى الوجس

في إغواء أبليس ..!؟

لا يقين ..

لا وجه للسفين ..

سوى نمنمة هسيس وشوشة المطر…!

 

يوشوش المطر

يوسوس المطر

كأن القلب به طفر

وقال المطر :

أنا طريد السماء

أحلت دمي

عندما رأيت أبليس

صامت في حبه كالصنم ..؟

لا شهيد ..

في السماء سوايا

أنا من ..

اعتليت صهو المنايا

وأوقدت نار…

تُعتبر الصحافة مرآة تعكس حياة الشعوب وتطورها، ولا يقتصر دورها على نقل الأخبار والأحداث فحسب، بل تتجاوزه لتكون أداة أساسية في بناء الثقافة، وصون اللغة، وتشكيل الهوية.

بالنسبة للشعوب التي لا تمتلك كياناً سياسياً مستقلاً كالشعب الكوردي، تكتسب الصحافة أهمية مضاعفة، إذ تتحول إلى وطن متنقل لمثقفي الأمة ومنبر رئيسي للحفاظ على إرثها الثقافي ونهضتها الفكرية.

وفي…

بنكين محمد
شعبٌ إذا أراد أن يتكلم،
يصمت العالم ليعرف ماذا سيقول.
وإذا أراد أن يغضب…
ترتجّ الأرض تحت أقدام الذين اعتادوا رمي الحصى من قاع الجُبِّ نحو قممنا العالية.يقولون: نشوّه صورتهم
فليجرّبوا.
فالماءُ لا يتسخ من يدٍ غارقة في الوحل،
والجبلُ لا تنال منه صيحاتُ من يعيش في ظلّه.نحنُ قومٌ
لم نتاجر بخوف طفل،
ولم نُسقِط امرأةً تحت سيف،
ولم نُلَبِّس تاريخنا ثوباً ليس…

ا. د. قاسم المندلاوي

توفي يوم الاربعاء المصادف 24 نوفمبر 2025 احد ابرز نجوم موسيقى وغناء الكورد الفيليين الفنان ” خليل مراد وندي خانقيني ” عن عمر ناهز 78 عاما … وبرحيله تخسر كوردستان عامة و خانقين ومندلي وبدرة و خصان ومنطقة كرميان خاصة صوتا قوميا كورديا كلهوريا جميلا في الغناء الكلاسيكي الكوردي الاصيل نسئل الله الباري…