يا أبي

غريب ملا زلال

لستُ بيوسف يا أبي 
وأخوتي يحبونني 
و على سبيل المثال 
أسعى إليهم
 و يسعون إلي 
لكن أين هم الآن يا أبي
انتشروا في الجهات العشرة 
لا سماء تحميهم 
ولا رب يحن عليهم
يحصدون الخيبة 
و الألم العصيب 
و وجع الغياب 
البيت بات مرتعاً للغرباء 
يا أبي
والمدينة خلت من أشجارها 
وناسها وبيوتها 
و النهر جف 
بات مكباً لنفايات كائنات خرافية 
تحمل الفجيعة و الشتائم 
و أوان مليئة بكلام 
يكذب في الناس 
وحقلنا
 استولت عليه الحمير يا أبي
ينهقون في الأوقات كلها 
و يرفسون السنابل و 
الخلق و الخالق 
و كأنهم يمشون في الظلام 
والجارة التي كانت تزن جبلاً
 ذابت من الجوع 
والكتاب الذي كنت أعشقه 
ولم تحبه أنت يا أبي
 صادره الملثمون الذين لا يقرؤون ولا يفقهون غير البارود 
وصديقي الذي كنا نبيع العطر معاً في المفترقات 
حل عندك ضيفاً 
صادته طلقة قناص 
أنت لم تمت يا أبي
 الموتى نحن 
نحن من تركتنا خلفك و مضيت 
 فلا نحظى هنا 
في هذه الأرض التي ضاقت بنا 
فقط بنا
بالحضور 
و لا بإلاحترام 
يبيعوننا في سوق النخاسة يا أبي
وًتتنمر علينا الحيوانات كلها 
بما فيها القرود 
أعرف 
أن العودة باتت من المحال 
فهي عميقة وغامضة يا أبي 
خسرنا بلادنا و عشقنا و الذكريات 
خسرنا أنفسنا 
و أصدقائنا و كل الأحباب 
ليتني رافقتك  
ليتنا كنّا البياض الذي كان يلفك 
يا أبي 
فلقاء الرب 
أرحم بكثير من لقاء العباد 
-…….
على هامش ذكرى رحيل الوالد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…