قصة

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

كاوا درويش

 

صغاراً كُنّا وكان بيتنا العتيق يستقر هناك معانقاً تخوم تلَّة الهلالِية، على مرمى البصر من مستوصفها الوحيد…

نهرب بأرواحنا في كل ليلةٍ من ليالي صيف القامشلي الساخنة نحو أسطح بيوتنا، نجتمع حول جدّاتنا كما تجتمع الأرواح المختنقة حول النسائم المعتَّقة برائحة الياسمين المنعشة ليلاً، نسمع منهنَّ قصصاً وحكايا عن عذاباتٍ كرديةٍ لا تنتهي… نستيقظ…

فواز عبدي

 

عاد شاهين إلى بيته بعد يومٍ طويلٍ من العمل. كان الليل قد فرد عباءته الثقيلة على المدينة، والريح تزحف من النافذة الضيقة كيدٍ تتلمّس طريقها في عتمة غرفةٍ باردة. خلع معطفه بتثاقل، كأنما يخلع عبء النهار عن كاهله. وقبل أن يذوب في صمت المساء، اخترق رنين الهاتف سكون الغرفة كنقطة ضوء مرتعشة في قاعة…

مروة بريم

 

نهارات الشّتاء قصيرة، تكاد تتساوى حصتها الزمنية في البقاء، مع وميض النجوم البعيدة، حينما كانت تشرخ زجاجَ أعيننا بإحصائها ونحن صغار، ثم تغافلنا بالخفوت، وتختفي.

حينها كان الوقتُ فَيوضًا كافيًا لفعل كل شيء، لكنّه الآن أضيق من أن يحتمل صغائر بوحنا، يشيح بوجهه ويمضي في تدفق عجول كنهرٍ يدفعه الشّوق للوادي، وتتزاحم احتياجاتنا فوق رفوف التّأجيل.

في…

ماهين شيخاني

 

كان يحمل ساعة في معصمه، لكنها لم تكن تشير إلى الوقت…

بل إلى المهام.

منذ لحظة استيقاظه وحتى انطفاء آخر رمشٍ في جفنيه، كانت الحياة تُديره كأنها آلة لا تتوقف.

بيته؟ يمرّ به مرور الكرام.

زوجته؟ تراه أقل مما ترى صورة ابنها على الجدار.

أولاده؟ صاروا يتحدثون إليه بصيغة الغائب، وكأنهم يخاطبونه في خبرٍ عائلي، أو عبر رسالة واتساب.

صباحًا،…

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

ماهين شيخاني

في غرفة بيضاء باردة، جلس العجوزُ الستيني على طرف المقعد، كأنما يتأرجح بين الحياة واللاجدوى. بيده ملفٌّ مهترئ، لا يحمل فقط تحاليله الطبية، بل يحمل تاريخه مع الألم، وأرشيفًا من الأسئلة المؤجلة.

كان الطبيب يجلس خلف طاولة تشبه منصّة القضاء، وعلى عينيه نظارة سميكة تكاد تكون ستارًا بينه وبين أي شعور. تصفّح أوراق المريض كمن…

فواز عبدي

 

في إحدى مدارس قامشلو، كان فرسو، المعلم البسيط، يجلس بين زملائه في استراحة بين درسين، يشرب الشاي ويفكر في المنام الغريب الذي رآه ليلة أمس. بحماسة وبصوت خافت أخبر زملاءه قائلاً:

رأيت الأمريكان يدخلون سوريا؛ طائرات دبابات، وحتى جنود يطلبون شاورما من أسعد حندو في كافيتيريا الموعد.

ضحك زملاؤه وضحك فرسو معهم غير مدرك أن “ليس…

جليل إبراهيم المندلاوي

 

لم يكن يبحث عنها ولا عن الحب، فقد كان ككل الذين خاضوا الحرب ضد العواطف، وعاش السنوات الماضية من عمره الذي ناهز الخمسين في هدوء مطلق، بعيداً عن صخب المشاعر وعواصف القلب، كان اختار العزلة كملاذ آمن بعد تجارب مؤلمة تركت في روحه ندوباً لا تُمحى، ليلوذ بالحذر ولا يُسلّم قلبه بسهولة، ولا…

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!