قصة

إبراهيم محمود
ضاق أحمد خاني الشاعر الكردي الكبير صدراً بعزلته، وشعر بحاجة إلى الخروج من قبْره، ليتنفس هواءً، ويتجول في المدينة قليلاً، ليضيف أبياتاً شعرية جديدة إلى رائعته ” مم وزين “.خرج بلباسه الكردي المعروف، وداعبت لحيته المقتصدة أنسام هواء عليلة، وقد استشعر روحاً جديدة بين جنبيْه، الأمر الذي حفَّز لديه رغبة حميمة لأن يستطلع المدينة…

إبراهيم محمود
أربعة من الأصدقاء الذين خَبِروا بعضهم بعضاً منذ عقود من الزمان، سلكوا طريقاً طويلاً، متوجهين إلى جهة بعيدة نسبياً، لينظموا أمورهم فيها .لم يكن سلوك الطريق سهلاً، إذ كان يتصف بالوعورة والحفر المعترضة، وهذا يعني زيادة في زمن الوصول إلى مقصدهم .شعروا بلزوم الراحة، حيث السماء ملبَّدة بغيوم بيضاء ناصعة، مرفقة بهبوب رياح شديدة…

إبراهيم محمود
كان علينا أن نستبق الوقت، توفيراً للوقت، سالكين الطريق الذي يصل بنا إلى النبع الذي يغذّي مدينتنا بالماء، حيث يقع على مبعدة عنها، تتطلب مسيرة أيام مشياً، وجهداً ويقظة، فهو غير آمن، إذ لا بد من تنظيف مجراه، وهو ما اتَّبعناه دورياً. حزمْنا أمورنا، وحملنا زوادة الطريق وما يلزم، ربما تحسباً لأي طارىء، على…

إبراهيم محمود
أعْيتْني هذه المدينة في التكيف معها. لا الدروب الوعرة الموحشة، لا المنحدرات الزلقة، لا الوديان المتخمة بالحشائش المِترية طولاً، ولا البقاع المريبة الآهلة بالضواري هزمتني، وسرَّعت في وتيرة عمري الحماري مثلها. هذه المدينة فقط، دون أي مدينة أخرى، دون سواها، أورثتْني الحمّى الحيوانية التي تصيبنا نحن معشر الحمير في مثل حالات العجز هذه.حمَّاها أعادتني…

إبراهيم محمود
كعادتي، حين أقرأ أو أكتب، أستغرق في الحالة المرافقة، أنسى أنني في غرفة، رغم أنها بائسة، أنسى أنني في منطقة مشهود لها بالصخب والضجيج، كما لو أن أهلها يعرّفون بأنفسهم، ويؤكدون وجودهم بالطريقة هذه، أنسى أنني أنا، ويا بؤس أناي حيث أعيش، أتنفس قراءة وكتابة، خلاصاً ما، من هذه المدينة ” مدينتنا ” المبتلي…

إبراهيم محمود
صدر قرار مفاجىء عادةَ أغلبية القرارات من أولي الأمر في مدينتنا، بإخلاء حديقة الحيوانات، وإرجاع الحيوانات، برّية وبرمائية ومائية وطائرة إلى بيئاتها الخاصة المعروفة، دون إرفاقه بالتفاصيل المفترضة، وكما هو المتردّد عقْب أي قرار كهذا، فقد دخل الناس في تكهنات وتجاذبات أحاديث وخلافها، ورغم تسرُّب سبب وحيد لهذا الإجراء إلى أوساط العامة والخاصة أيضاً،…

إبراهيم محمود
قرأت في أكثر من مكان، وعلى لسان المختص بطب الأعصاب، أن أحدهم قد تنتابه حالة مرَضية: جسمية ونفسية، داخلة في نطاق ” الطب السيكوسوماتي “، وهي تسمية يونانية تعني ” الطب الجسمي- النفسي “، فيصاب الجسم بوهن معين، وفي إثره تصاب النفْس بوهْم معين، حيث لا يعود الواقع منظوراً إليه بأشيائه، كما هو، وهذا…

إبراهيم محمود
كان صاحبي قريباً منّي جداً، وصاحبي وأنا إزاء مرآة ضخمة مسمَّرة على الحائط، مرآة نبيهة حساسة في إبراز الصورة الماثلة أمامها. بانت صورتي، بالكاد بانت صورة صاحبي. قلت له:-أرأيت ما يجري في المرآة ؟كان طبيعيَّ الملامح:-أنا لا أرى شيئاً كما يجب. هذا غريب ؟سألته باستغراب:-ألا توجد الفارق بين صورتك وصورتي ؟هز رأسه، ليجيب بعدها:

-هنا…

فرهاد دريعي
لم يجد نفسهُ ضحلاً وباهتاً كما هو عليهِ اليوم ، فالرجولةُ سُحِلت فيهِ تحت وطأةِ الصراعِ في داخله .كان يريدُ أن يقولَ شيئاً ، أو يفعلَ شيئاً ما، لكن لم يكن أمامهُ سوى أن يفركَ يديهِ في دلالةِ أنَّ لا حولَ لهُ .لم يكن يستحضره قول أو فعل معين ، لذا فقد كان يحاصرُ…

إبراهيم محمود
لا أحد يستطيع أن يعطي وصْف موز مدينتنا حقَّه، نظراً لنوعيَّته وكثرته، وهو ضمن مساحة أرضية واسعة، والذي ضرِب فيه المثل لهذا السبب في هذا المدى المفتوح، إلى درجة غلبة الأصفر ” لون الموز طبعاً ” على اللون الأخضر للشجر ورؤيته من مسافات بعيدة، كما لو أنها مصابيح مخروطية تشع وسط بحيرة من الظلال…