نصوص أدبية

أحمد مرعان
ارتدت قوافل الحجاج متجهة إلى قلعة النبي هوري لاستكمال المناسك..جعجعة تعلو المجالس بلا هوادة، دون أن يكترث أحد لما آلت إليه النتائج..غيوم تلبدت في كبد السماء، فأمطرت حجارة من سجيل على رؤوس الأوغاد..الكل يتهامس لابتكار نظريات جديدة تليق بالمقام والحدث..الذئاب تعوي والقوافل تمر إلى ينابيع المياه والربيع المنتظر..حليب الشاة يغذي أطفال القردة والخنازير ببواكير…

عبداللطيف الحسيني/هانوفر
بينَ مدينتي السوريّة “عامودا” وتركيا مِيلٌ تخطّيتُ ذاكَ الميلَ بخطوة غزالٍ أو نمرٍ جريح، كنتُ وحدي آلافاً من الأرجُل والأفواه والأيدي.مُدمَّى …عَطِشاً .. حيرانَ ولجتُ تركيا العثمانيّة مع ثمانية آخرين بعدَما فقدنا شابّاً من دير الزور بطلقٍ ناريّ ارتدّ مني إليه، فلَدَغَه وغادرَ تغريبتَه الأولى وترَكَنا لحياتِنا التعيسة التي لفظتنا إلى فيافي الدنيا و…

عبداللطيف الحسيني/هانوفر.
1- جارتي الكوبيّة.كأنّ بيتي نصفُ بيتِها، تنصحُني بالزنجبيل بدلاً من القهوة، وتلبسُ قميصي وتطفيءُ الأنوارَ والستائر لتُتمتم مع الشريط الذي يدورُ في الظلام، تُشعلُ شمعةً فأرى خفقَ الستارة مع الضحكة الخضراء في العينين. تقولُ سأسقي زهرةَ اللبلاب كي تنمو في الزاوية الأشدّ كثافة، والنبتُ ينمو ليلاً (هكذا صدّقتُها).رائحتُها لصيقةٌ بي كأنّها تميمةٌ شجيّة تفرحُ…

عبداللطيف الحسيني/هانوفر
عندَما كانت الدُّنيا تفاحةً قبلَ عشراتِ السنين وقبلَ أنْ نتعرّفَ على اللون “رماديّاً ” الذي يغزو أرواحَنَا ليجعلَه مرتعاً للفوضى أو الثأر, ولطالما كنّا في عِراكٍ معَهما, وحيثُ كانَ الصفاءُ سيّداً والنقاءُ شعاراً وحيداً تكفّلَ بتجميل الأشياء حولَنا : طفولتنا وحبّنا وكلامنا الأنيق الذي لم نعرفْ غيرَه،لأنّه خُلِقَ معنَا، بل خلقْناه ليكونَ رفيقَ دربٍ طويلٍ،…

منال الحسيني
هأنذا ألمحُ طيفه يدفعني نحو المحطة الأخيرة، أنا التي تركتُ ورائي محطات كثيرة، فاتني القطار في بعضها.. حاولتُ الهروب من بعضها، بينما لم يسعفني الحظ أن أنزل في أخرى كنتُ أحتاجُ أن أمكث فيها طويلاً..في إحدى المحطات زارنا كورونا كضيف خفيف الظل و غادرَ دون أن يترك وراءه أثراً أو ضوضاء !! استوقفتني محطةٌ…

إدريس سالم
رائحة بيرة راكدة في مدخل البناية. ضغط الأُكْرَة بحذر نحو الأسفل، ما إن فتحها حتى سحب أحد ما الباب نحو الداخل. أنثى متوسّطة القامة، ورديّة البشرة، شعرها الغزير الطويل الأسود الضارب إلى الحمرة كان مجدولاً في ضفيرة سميكة واحدة، تلهث تعباً وذعراً «دورتي… دورتي»، تفاجئ (س) العائد من عمله كأستاذ لتعليم آلة «تار» لطلاب…

عبداللطيف الحسيني / هانوفر
وقفتُ فوقه كإمبراطور : فاتحاً رجليَّ ، واضعاً يديَّ على خاصرتي ، محدقاً إلى بيوت عامودا الترابية : لأرى طفولتي في شوارعها ومراهقتي وشجاري مع نفسي , لأرى حبّي لابنة الجيران .ليكون غير الأخير .كنتُ أدل صديقي الذي معي بإصبعي على شارع بيتنا ، حتّى أنّني كنتُ أكذب عليه وأقول له :…

عبداللطيف الحسيني / هانوفر
ينقرُ الطيرُ فروةَ رأسٍه, يمرُّ فوقَنا يقصدُه ليحميه, ذاك الطيرُ يحرسُه حَمَلَ أخبارَ بلادي ومزّها قبلَ أن أقرأَها على وجوه السوريين التي شاخت, ذاك الطيرُ أنجبَ أحفاداً حمقى يرتّبون ياقتَه ويمسحون دمعتَه الخضراءَ حينَ يبكي في الظلام.ـ والبكاءُ مُرٌّ في الظلام.في الأيام الزمهرير يغطّونه لئلا تصفعَه كُتُلُ الثلج, ويغنّون له حين ييأسُ,…

عبد اللطيف الحسيني/هانوفر
أسمعُ أصوات الهدهد تحتَه, لكنّي أَصَمُّ, أرى الوحشة في كلّ زواياه, لكنّي ضرير, فعن أيّ بيتٍ أتحدّث وأي بيت أراه ؟تتعرّش تشقّقاته وحشةُ سنوات السواد, تركتْ فيه السنواتُ الوحشةَ والسوادَ و غادرته, كأنّ البيتَ سرقَ مخلّفات الطفولة التي مدحتها.الأفضلُ لك – أيها البيتُ المتعَبُ – أن تتفرّج على المارّة المُتعَبين, الأفضلُ لكِ –…

عبداللطيف الحسيني / هانوفر
كلٌّ بطريقتِه وعلى طريقتِه ينضحُ بما فيه ويُظهرُ قيحَه وصديدَه وعقمَ سنواته وعقوده التي تراكمَ فوقَها أسخفُ لونٍ وأشرسُه على وجه البسيطة السمح والمبتهج والضحوك , أستدركُ لأعيدَ بالسبب إلى سنوات القحط والمجاعة الفكريّة والسياسيّة , اليساريُّ – مثالا – يتحدّث ويطبّق متبجّحاً كلَّ أفكار اليمينيّ بدرايةٍ منه أو بدونها , واليمينيُّ…