فواز عبدي
إذا ما وقفتَ على إحدى ذرى جبال طوروس ونظرتَ إلى الأسفل حيث “بريا ماردين”، ستجد قرية صغيرة مرمية هناك كعش طائر القطا، تطل عليها الشمس أوان شروقها لتوقظها متسللة عبر الستائر السميكة المتدلية على نوافذها. إنها قرية كَسَر.
هناك، يعيش “آپـێ ره شو – Apê Reşo”، رجل خمسيني ذو شارب كث، لا يفرّق بين الثقة بالنفس والعناد. كان يؤمن أن الحكمة تولد من التجربة، حتى لو كانت كل تجاربه انتهت بكارثة.
آپێ ره شو معروف في القرية بتجاربه الغريبة: فتح مزرعة السماني فهربت، جرّب زراعة الكمون والليمون الحلو في أرض صخرية لم تنبت فيها إلا “الشكوى”، وحتى حاول بيع الشاي “بطعم الزعتر الجبلي” لكن تبيّن أنه كان يخلط النعنع بالحطب اليابس.
بعد سلسلة طويلة من الإخفاقات، أقسم ألا ييأس. وفي شتاء تلك السنة، وبينما كان يقلب في هاتفه الصغير القديم، ظهر له إعلان لفيديو بعنوان:
“اصنع ثروتك من قنِّ دجاجك!”
كان المقطع لرجل سمين أصلع يحتضن صوصاً كمن وجد كنزاً. وهنا، لمعت عينا رشو كأن الصوص ناداه باسمه.
في اليوم التالي، قصد سوق ماردين، ولم يرض أن يشتري البيض المحلي من الخالة بيروزا. وهناك، وبين بسطات الخضار وعبوات اللبن المغشوش، وجد تاجر بيض غريباً اسمه ملا حميد، ولكن مع الزمن راح حميد وبقي معروفا باسم “ملى هيكا Melê hêka أي: ملا بيض” يبيع البيض من صندوق خشبي مغطى بخيشة قديمة، ويقسم أن هذا البيض أتاه من أنقرة خصيصاً، وأنه “مخصب طبيعياً من دجاجة اسمها شاكيرا”.
قال له رشو:
– “يعني دجاجة ترقص قبل ما تبيض؟”
ضحك ملا وقال:
– “ترقص وتغني إذا بدّك، بس أهم شي، بيضها يفقس حتى لو دفنته تحت وسادة.”
رجع رشو إلى القرية، فرحاً بصيده الثمين، حاملاً إحدى وثلاثين بيضة، ومشروعه الجديد.
جهز حاضنة محلية: صندوق كرتون، مصباح أصفر مسحوب من مستودع قديم، ومروحة صغيرة “تشتغل لما يكون المزاج رايق”.
يجلس كل يوم يراقب البيض، يتكلم معه، يسجل ملاحظات، وقد دوّن على الصندوق بخط عريض:
“مشروع الفقّاسة الكبرى – ممنوع اللمس والضحك.”
في اليوم الخامس عشر، بدأت تظهر رائحة غريبة في البيت. قالت له زوجته:
– “رشو، هالبيض ريحته متل ريحة جوارب عسكري هارب من الحرب!”
رد واثقاً:
– “هاي ريحة الحياة، انتي ما تفهمي.”
في اليوم العشرين، دخل ابن أخيه “جوان”، وهو طالب طب بيطري في الجامعة. اقترب من الحاضنة، شمّ، وسعل بشدة، ثم قال:
– “عمو، البيض فاسد. ولا واحدة فيها جنين. ولا حتى أمل.”
رد رشو بإصرار:
– “فاسد بنظرك، بس يمكن فيه نوع من الصيصان يتأخر بالولادة، مثل عباقرة البشرية.”
لكن في اليوم الثاني والعشرين… انفجرت بيضة. فعلاً، انفجار صغير مع رشة سائل غامض وصل لوجهه مباشرة.
صرخ رشو:
– “يا ساتر! طلع أول واحد متحمّس!”
ركضت زوجته تمسك بالمكنسة وتصرخ:
– “رشووو! رح تخلي البيت محضنة كوليرا؟”
تجمهر الجيران، جاء المختار، جاء الطبيب البيطري، وقفوا جميعاً يحدقون في البيض المتعفن.
قال الطبيب بعد فحص سريع:
– “البيض فاسد، ميت من السوق. ما فيه حياة، لا شاكيرا ولا مايكل جاكسون.”
قال المختار وهو يحك رأسه:
– “رشووو، البيض الفاسد ما يفقس، هاي معروفة من أيام جدك.”
رجع رشو بخيبة أمل، لكنه لم ينهزم.
في آخر الليل، جلس رشو على حافة سريره، رأسه ملفوف بفوطة فيها أثر بيضة، ودفتره مفتوح أمامه. كتب بعناية:
“مشروع رقم 75: تدريب الدجاج على الغناء في الأعراس.”
ثم نادى على زوجته:
– ” إذا شفتي دجاجة تدندن، لا تذبحينها… هاي ممكن تصير فنانة شعبية.”
أطفأ الضوء، وابتسم وهو يتمتم:
– “المشكلة مو بالبيض… المشكلة لما تفقس وتطلع كلها لسان، لا أذن ولا فعل.”