الوطن الهاجس

فواز عبدي

يا وطناً عشنا هاجسه ولم نعشه،

في ظلال المساءات المُثقلة بالسراب،

نرسم على جدران الهواءِ خريطةً للحب،

وننسج من الأوهام جُدراناً من تراب.

يا وطناً يتكوّر بين الغيمات الهاربة،

كسرب طيورٍ لا يعرف الأرض مستقراً،

نحمل في حقائبنا مفاتيح لمدنٍ لم تُخلق،

وننقش على الماء وجهك المتبخّر.

هناك حيث الأشجار تُغنّي بأصواتٍ من زمنٍ غابر،

وحيث النهر يجري عكس اتجاه الشمس،

نُطلق أسئلتنا التي لا تتلقى أجوبة،

ونرى في الأفق جبالاً تبتلع الحزن.

يا وطناً يحترق في الأفق كنجمةٍ تائهة،

ويغفو في أعين الأطفال حلماً مؤجّلاً،

نتبعك في دروب لا تؤدي إلا إلى الفراغ،

ونبني في الهواء مدناً.

في شوارعك تسرح الأحلام بأقدامٍ من غبار،

والأمل يلبس معطفاً من الريح،

يا وطناً هو العدم الحاضر في كل الأشياء،

والوجود المتلاشي في زوايا المساء.

يا وطناً نُشعل له قناديل الكلام ولا نلقاه،

نركض في اتجاهه دون أن نلمس بابه،

يظل في قلوبنا حلمٌ لا ينكسر،

ومدينة لا تطأها الأقدام، لكنها في أعيننا تنتظر.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…