وليمة لحمر .. المدينة . ؟

 داريوس داري 
إن أي أمه نصف جائعة لا  يمكن أن يكون لها دين ولاأخلاق ولا فن ولا تنظيم..؟
   ( رامندارانات )
إذا كنت إنسانا خرافيا مثل السندباد البحري تعيش وحدك في جزر واق الواق .
فان حريتك لن تكون مشكلة .
سوف تكون وحدك ، لن يكون هناك صوت إلى جوار صوتك ولا حرية تزاحم حريتك . مثل الحصان الذي يجري في حلبة السباق منفردا ليكون الأول .
لانه لا يوجد هناك منافس له .
لن تكون في حاجة إلى نظام سوف تضع قوانينك لحظة بلحظة حسب مقتضيات مزاجك ورغباتك .
ثم تلغيها متى تشاء . سوف تخلع لباسك لتتشمس بلا خجل .
سوف ترفع عقيرتك بالصياح أو بالصراخ دون أن تشعر بالحرج أو الخجل .
فلا أحد يطل عليك أو يسمعك لن تعرف شيْء اسمه عيب . وبالنسبة لكل شيء منسوب لك وحدك : من الذي تخشاه وتحسب حسابه لا أحد له واجبات عليك  ونحوك ولا حقوق لك عند أحد مهما سرقت لن تكون سارقا ومهما أحرقت لن تكون معتديا ومهما فعلت لن يكون لافعالك رقيب .
ولكن الأمر يختلف تماما حينما تكون واحدا من ألوف مثلك تتعايشون معا في مجتمع .. كل واحد حر وكل واحد يريد وكل واحد يحلم وكل واحد يرغب سوف تصبح حريتك محاصرة بحريات الآخرين ورغبات محاصرة برغبات الآخرين وستجد نفسك في دوامة لا خلاص منها إلا بعقد اتفاق وتأسيس شركة اجتماعية وتنظيم علاقات وفرض واجبات وإنشاء حقوق
وعيب .. أصول .. ويليق …ولا يليق …؟
إن حرية السندباد لا تنفع في مجتمع له عادات وتقاليد متوارثة.
إنها مثل حرية اكثر شبابنا .! يغزون الشوارع والأسواق وسلاسل في أعناقهم .. الأقراط في آذانهم .. الوشم كالطحالب على أجسادهم , أما أزيائهم الداخلية العجيبة تكسو أجسادهم بعجب, والِشلل يحوم دون هدف حول مقاهي الإنترنت .
سلاحان يتزود بهما (حمر المدينة ) الأول المحمول الذي لا يكف عن الرنين , أو عن بث الرسائل واستقبالها , والذي يجب استبداله كلما عرضت واجهات المحلات طرازا جديدا , أما الثاني فهو جهاز الكمبيوتر الموصول بالانترنيت , والذي لا يكف عن العمل طوال فترة اليقظة حتى فجر اليوم التالي , حيث يكون اغلب المراهقين قد أنهكوا وارتموا في فراشهم دون إحساس بهمٍ قادم , وغدٍ صعبٍ مرتقب ، وتهاوت المؤسسات الاجتماعية التي كان ينضوي تحت رايتها .
انقلبت الموازين واختلط الحابل بالنابل .
أصبحت المبادئ والأخلاق والقيم  عند هؤلاء الشباب بالية وليس لها معنى .
مساكين هؤلاء , انهم يثيرون الشفقة , فقد جاءوا إلى الدنيا في عصر تلاشت خلالها واختفت الأحلام الجماعية وتهاوت الإنسانية و أصبحنا في غابة مثل السندباد .هموم الشباب متشابهة في اكثر البلدان , قد يتجاوز بلد  مستوى الأحوال الاقتصادية والدخل الفردي  إلى بلد آخر.
لكن جوهر القضية واحد هو عدم بلورة برامج عملية لمواجهة الفراغ الذي يعيشه الشباب  . وستظل البطالة والقحط والجدب في الحياة اليومية
لهؤلاء الذين يشكلون النبض الحي في المجتمع ,
ستظل هذه أحد الأسباب التي تقود  لا إلى الانحراف فقط , بل إلى التعصب والكراهية واستشراء العنف أيضا .
برودة إنسانية مطلقة . مساكين أهل هذا العصر .لان الانترنيت , وبا لطريقة العبثية التي يستخدمونها تبني لهم عوالم وهمية خيالية تحاصر طوحهم , وتخنق إبداعهم , وتجعلهم عاجزين عن حسن التواصل مع الكائنات البشرية حولهم كما تفقدهم متعة الارتباط العائلي , ولذة الصداقة , وتنسيهم القيم المتعارف عليها يوميا , ولانهم يستعرضون عن العواطف بصلات جافة مع الآخرين ويستبدلون لغة المشاعر الدافئة بصيغة الأمر والنهي , التي تعطيه الآلة فيختصرون الكون كله في جهاز صغير يعتقدون انه يحمل السر العظيم .
ضجيج خارج البيوت المكيفة , وبرودة مطبقة على المنازل .. من يخلص العائلات من هذا الصقيع الذي تسلل إلى غرفهم ؟!
أهي لعنة التكنولوجيا التي اقتحمت بيوتنا دونا سابق إنذار , أم هو سوء استخدام هذا التطور المذهل ؟
أم انه عدم تقدير أهمية الوقت والأخطاء الكبيرة في قياس الزمن ؟
مساكين أولياء الأمور .
والويل لهم إذا لم يستطيعوا تدبير أمورهم  ودفع الفواتير الشهرية المستحقة نتيجة هذه الإنجازات الهائلة التي يحققها ( شباب العولمة) !
في النهار الموبايل وفي الليل الانترنيت ؟
كيف نتعامل مع المراهقين ؟ هل صحيح أننا نكبت مراهقينا ونمنعهم من نزواتهم بشكل يدفعهم للجنون ؟ أم أن ما نفعله هو الصحيح من ضبط المراهقين وفرض الجد وقواعد المجتمع عليهم ؟
وبمناسبة الثقافة والأدب . هل سبب الاضمحلال الثقافي هو فعلا عدم وجود القراء , أم أن هناك قصة أخرى ؟ أين القصيدة التي تطربنا كما كانت كل القصائد القديمة تطربنا ؟ هل عجزت الأرحام عن أن تنجب مثل (جكر خوين) (فقي طيران )     (احمدي خاني )(ملايي جزيري )واخرون أم أن القصيدة أصبحت دقة قديمة ؟ وما بال رواياتنا الجديدة إذا كان هناك رواية اغلبها خال من الحبكة وضعيفة النص وتصلح فقط للف السندويش ؟ أم أن هناك قصيدة ورواية لم  نكتشفها ؟ في النهاية ما سر حياتنا المادية التي لاترى أثرا للثقافة في زواياها رغم أننا عاطفيون فاشلون ماديا ولدينا الكثير جدا من المعاناة . وعما قريب سوف نصبح أرقاماً .. والدليل  ، عندما تلتقي بأحدهم يسألك : كم رقمك ….؟؟؟؟؟!!!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…