إبراهيم محمود
اليوم” السبت، 13-1/ 2024 ” قبيل دقائق بلغني النبأ الأليم والمضاف إلى سلسلة الأنباء الحياتية الأليمة، نبأ رحيل السيدة” بديعة مجيد داؤود ” 1950-2024 ” رفيقة حياة كاتبنا الكردي الكبير الراحل محمد سيد حسين ” 1943-2022 “،في مدينة قامشلو، ولتوارى الثرى إلى جانبه في مقبرة قرية” تل عربيد “. وما يضاعف هذا الألم ، هو هذا البُعد الذي يثقِل على الروح بالنسبة لأفراد عائلتها: أغلب أبنائها وبناتها الذين يعيشون في المغترب، وبدءاً بكبيرهم ” رشيد: رشو “، ويا لمأساة هذه الراحلة التي عانت كثيراً من مرضها الجسمي، وبعد رحيل ” أبو رشيد “، وعمق هذه المعاناة وهي تلتفت بروحها يمنة ويسرة، أو تنتظر بحكم روح الأم المشتعلة بين جنبيها، لمسة يد أو كلمة ” ماما ” من كلّ منهم، لتشعر بنوع من الطمأنينة وهم يحيطون بها، إنما هيهات، شأن عائلات كثيرة كثيرة ضاعف الواقع المتردي في بلدنا، وفي روجآفا كردستان، هذه الأوجاع الروحية.
أم ” رشو ” التي أمضت سنوات وهي بالكاد تتحرك، كما لو أنها أبت أن تتكلم، وما كان أفصحها تعبيراً عن محبتها لمن حولها، وترحيبها بهم ، كما هو المعروف عائلياً عنها، وتعيش حداداً من نوع آخر، وبعد رحيل ” بافي رشو ” خصوصاً، وتعيش حياة من نوع آخر داخل روحها التي أضناها كثيراً الغياب الأبدي له، وها هي اليوم، قرّرت بإرادة روحية منها، أو بحكم نفاد رصيدها الحياتي، تودع الحياة أو تودعها الحياة، لتمضي في مسار حياتي آخر، وهي تنضم بروحها مجاورة لروح رفيق حياتها العزيزة، روح من كان يسكِنها روحَه وهما معاً، يتبادلان العذاب، ويعيشان سخونة مكابدة المرض المثقل على أعصابهما، ويزيد في حتهما جسمياً.
مضت في عمر الـ ” 74 ” عاماً، وهو في عمر الـ ” 79 ” عاماً ، والذي رحل في ” 12-2/ 2022 ” كما لو أنها أبت أن تحضر بكلّية روحها المناسبة السنوية الثالثة على رحيله، بعد أقل من شهر، ويا لعذاب الزوجة المخلصة لعذاب الزوج وانتظاره، وعذاب الأم وهي تعيش بين حبها لأبنائها وبناتها، قبل كل شيء، ووفائها الكردي لزوجها السامي الروح .
أكتب عنها، وبي توتر روحي بين رحيل أبدي لصديق الحرف والمبدأ الحياتي الكردي المقام كثيراً، أعني ” بافي رشو ” كما كان يلقّب به بود، ورحيل الإنسانة الكبيرة بقلبها، واليقِظة بروحها، فقد كان الكثير مما يستحق مثل هذا التعبير الموجز، تأكيد وفاء مطلوب، وتقدير واجب طبعاً، وتشاركني هذا الوجع الخاص في حالة كهذه رفيقة حياتي، التي كانت تعزّها كثيراً.
قد لا يكون في المقدور الاسترسال في الكلام، فلن يكون أي كلام، وإنما من النوع الذي يتطلبه وضع مأساوي كهذا، فالذي يتنفسه القلب ضغطاً، والروح وجعاً، بالكاد يكون في مقدور اللغة أن تتجاوب مع المنشود: بضع كلمات لا بد منها، ومن باب الواجب، تجاه هذا الموت المباغت. وفي هذا البعد الذي يظل ناثراً ملح الوحشة والغربة المعتبرة في جرْح أحدثه الجاري هناك، ولا زال يلتهب منذ ثلاثة عشر عاماً تقريباً، وليس من وعد بنهاية مرتقبة .
تبقى الكلمة في المحصّلة الحيلة الوحيدة لتمثيل حزن مشارك، وعزاء مشارك ومحاولة طي المسافات البعيدة، والإيحاء بأننا مجتمعون في المكان الواحد نفسه، ولو بالوهم، فهو مفيد في الحالة هذه، وسماع الصوت يبقي الروح أقل توجعاً، حيث تأكد لي هذا النبأ المفجع عبر الاتصال المباشر بالعزيز ” رشيد ” فور سماعي برحيلها.
لا بد أنها ارتاحت وهي في رحيلها الأبدي، وأراحت أفراد عائلتها، رغم أنهم وأهلها كانوا شديدو الاهتمام بها ورعايتها، وتصل إلى حيث كان ينتظرها رفيق حياتها في ضريحه.
ولكم هو مؤلم بالمقابل، سماع نبأ الرحيل في مثل هذا التباعد، كم هو موجع ذلك العزاء الذي يستقطب الأهل والأصحاب والمعارف من حولها، والبيت ملؤه حزن وبكاء يتراوح بين صراخ بحجم مأساة كهذه، وصراخ صامت، وذهول في النظرات، حال كل من يعيش صدمة الموت.
ماالذي يمكن أن يقال بعد ذلك؟ طبعاً هناك الكثير الممكن قوله، ولكنه لا يزيح ثقل الحزن الحادث جانباً، وإنما يعيد ما قيل في هذا المقام.
لهذا، ولكي أنكفئ على نفسي، وأعيش حزناً يليق بواجب المحبة المشتركة، والعزاء عن بعد أنا ورفيقة حياتي هنا حيث نقيم في دهوك، ليس لنا إلا أن نقول لأفراد عائلة توأمي الروح الواحدة، هذه اللحظة بالذات: محمد سيد حسين، وبديعة مجيد داؤود، فرداً فرداً: لتشمل السَكينة روحهما وأرواح كل الذين مضوا إلى الحياة الأخرى أهلاً وأقرباء، وغيرهما، ومثواهما الجنة، ولكم طول الصبر، والإقامة في الحياة بحزن أقل، وإرادة حياة أخرى، كما هي سنَّة الحياة بالذات.