الحوار الصاخب والكامن بالمكائد !!

أحمد مرعان 

“بمعية” المصادفة.. بمناسبة لمة.. بدعوة وليمة.. بنشاط ثقافي.. بخبر عابر على الشريط الإخباري..
يدلي أحدهم بدلوه الفارغ، بإثارة موضوع ما، يبدأ الآخر بطرح ما في جعبته، ليقف على النقيض منه، تختلف الآراء ويختلق الخلاف، يكثر الهرج، يتدخل الآخرون من خلال طرح ما لديهم من معلومات دون حسم الموقف. الصامت من بينهم من يكسب الرهان، لئلا يكون طرفا في فريق شد الحبل، وفي النهايات يحتكم إليه المختلفون لفض النقاش وعدم التنازل لبعضهم بعضا، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، فيتدخل الصامت بحياء، يدعوهم إلى مواضيع تلامس حقيقتهم للاعتراف بضعفهم وعدم جدوى الاختلاف في تجسيد الوقائع التي تؤرق كاهلهم في العيش بأمان دون الانجرار إلى ساحات التحدي التي تكشف عيوبهم الخافية عن العيان،
 فالتعايش بأمان يضمن لهم صيرورة الحياة التي فرضتهم على بعضهم بحكم المكان وقلة الحيلة في البحث عن أماكن تحتويهم بعيوبهم التي لا يعترفون بها، وإظهار ذواتهم للذود عن مكامنهم الخافية بصخب الأحداث المتواترة وتضاربها في ساحات القتال، لتقلل من فرص تحقيق مصالحهم الذاتية، للخروج من مآزق احتوتهم رغم عللهم، وما زال الأمل يراودهم في تحقيق مآربهم ومكاسبهم ولو بعد حين ..
مشادات كلامية وهلامية تطفو على السطح، وتذوب بعد هنيهات في القاع كالملح الذائب في الطعام ..
الكل يراهن ويرتهن، ولا سبيل لهم إلا إثبات وجودهم، دون الخوض في ماهيات الحدث المصاغ بقوالب ابتكرها أصحاب النفوذ، وما هم إلا ألسنة تلعق ما في قاع الصحون بعد وليمة التهمها أصحاب السطوة والسيادة ..
لا شيء يراعي خيبتهم إلا تبرير تقصيرهم في طرح آراء تتلاشى في نفس المكان بلا عنوان، فقط ليثبتوا نجاحهم لتغطية فشلهم، ويعلنوا شهرتهم لإلغاء وجود الآخرين، يبتسمون لإخفاء حقدهم، يجتهدون في تحليلهم لإحساسهم بخيباتهم وتقصيرهم ..
المحاور الجيد هو نفسه المستمع الجيد، الذي يعي ما يقول ويقصده الطرف الآخر، يرتب أفكاره وفق معاير تناسب الموقف، ليكون أكثر واقعية ومستنبطة من مجريات الأحداث، ليرد على المحاور المقابل بثقة وروية لإقناعه ومن حوله ..
المصداقية في التحليل تؤثر في العقول والقلوب، فترضخ لها بذات التأثير، وربما يتجنب أصحاب المصالح لها بعد حين، لفاعلية الحاجة باللجوء إلى خانة المنافع، ومجافاة الحقيقة لتحقيق مكاسب آنية ..
وهذا ما قاد أغلب الفاعلين على الأرض بقلب الحقائق وضياعها في زمن ساد فيه الفساد والرياء، والكذب والدجل، الحيلة والمراوغة، ونيل الدرجات والأوسمة بمسميات اختلقوها لتناسب نياشينهم المقلدة، وتسيدوا في المجتمع البائس، للحفاظ على مكتسباتهم دون الاكتراث بالشرفاء الذين يدفعون ضريبة ألاعيبهم وأكاذيبهم ..
السكوت هنا ليس علامة الرضى كما يشاع، بل علامة القرف والتخطي ..
السكوت علامة طَفَح الكيل ..
السكوت دليل عدم فائدة الكلام ..
السكوت خوف من المجهول والضياع بالسجون ..
السكوت علامة التحدي، والجمر المكنون في المواقد لحين هبوب رياح الجنون ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

لم يكن يتوقّع أن يتسلّل الماضي إليه عبر شاشة تلفاز، في بيتٍ لا يُفترض أن يوقظ فيه شيء سوى الضيافة والضحك العابر.

كان “شاهين” في زيارة لأقاربه بإحدى الدول المجاورة، محاولًا أن يستريح من تعب الوطن، وربما من تعب القلب. جلس بين أبناء خاله يشرب الشاي، والتلفاز في الزاوية يبث حفلة موسيقية فاخرة، تعجّ بالضوء…

فواز عبدي

 

إذا ما وقفتَ على إحدى ذرى جبال طوروس ونظرتَ إلى الأسفل حيث “بريا ماردين”، ستجد قرية صغيرة مرمية هناك كعش طائر القطا، تطل عليها الشمس أوان شروقها لتوقظها متسللة عبر الستائر السميكة المتدلية على نوافذها. إنها قرية كَسَر.

هناك، يعيش “آپـێ ره شو – Apê Reşo”، رجل خمسيني ذو شارب كث، لا يفرّق بين الثقة…

عصمت شاهين الدوسكي

كانت صدفة على هامش الطريق حين التقيته للمرة الأولى. نادى باسمي، رغم أنني لم أعرفه من قبل، كان عام 2017م. كنت قد رحلتُ من الموصل، بعد أن ابتلع الدمار بيتي وسيارتي وأرشيفي الأدبي، إلى دهوك، حيث وُلدتُ، لكنني شعرتُ فيها بالغربة رغم كثرة الأقارب من حولي. كنت…

فراس حج محمد| فلسطين

 

لماذا نحن لم نصرخ بوجه الطائرات؟

لماذا نحن لم نرجم بوارجهم بفوح البارجات؟

لماذا نحن لم نمسح عن الفتيان هذا اليومِ

شرّ الصاعقاتْ

لماذا نحن لم نتقن سوى اجترار الأحجياتْ؟

لماذا نحن ننتظر السؤال نصوغه بمجازه؟

والعجز كلّ العجز في هذا السباتْ

***

لماذا كلّ ما فينا فوات واندثار ومواتْ؟

لماذا يدخلون البيتْ

يأكلون من قصعاتنا

ويلبسون جلودنا

ويشربون دماءنا

ويبصقون في عوراتنا

ونحن هنالك قابعونْ

على…