هيثم هورو
-1-
سكنت العروس نسرين في بيت الحماية التي كانت تعاني من الفقر المدقع، في البداية سارت الأمور بشكل شبه طبيعي لكن حماتها العنيدة لم تكن تراعي مشاعر الكنة الجديدة وكأنها كائن غير أليف أحضرتها من بيئة البراري، وتريد ترويضها على طريقتها الخاصة، وأنانيتها المتشبثة بقوة دفة سفينة الأسرة فلا تدع أحداً الإقتراب منها، وهي تجهل قيادة سفينة الأسرة يلزمها تعاون الربان وإستخدام البوصلة كي لا تتوه في عرض بحر الحياة والوصول إلى بر الأمان .
مرت الأيام لم تتحمل نسرين طباع حماتها، وسلوكياتها الشاذة، وحين تعارض على أمر ما؛ على الفور الحماة تشكو لإبنها شعبان الذي تربى تحت جناحها بأن زوجته عديمة الفهم لا تطيعها، وهو بالتالي يقوم دون سابق إنذار، أو التحقق من أسباب المشكلة، بضرب زوجته ضرباً مبرحاً تصل صراخها إلى مسامع جيرانها الذين من حولهم ظناً منه يثبت رجولته بتلك الطريقة .
صبرت نسرين كثيراً وتحملت كل أنواع العنف والإهانات الشديدة الموجهة إليها أملةً أن تنصلح وضعها التعيس رويداً رويداً مع الأيام، لكن دون جدوى بعد أن أنجبت العديد من الأطفال، ومازال زوجها بتلك العقلية المتخلفة يهينها على كل صغيرة وكبيرة عندئذٍ تحولت نسرين إلى شخصية متمردة على أسرتها بعد أن تحركت مكامن عقلها الباطن وتريد بشتى الوسائل الخلاص من هذا الكابوس وذلك إما الإستقلال عن بيت الحماية أو الطلاق القسري وهذا أمر مستحيل لا يقبله مجتمعها بتلك السهولة في ذلك الحين .
-2-
بدأت نسرين تفكر بالإنتقام من زوجها فتارةً كانت تدعي لأهلها بأن شعبان رجل مريض عقلياً وتخشى أن يقتلها في أي لحظة وتارةً أخرى إنسان بخيل جداً لا يصرف على بيته بالمستوى المطلوب، هوايته فقط جمع المال .
في احد الأيام خطرت على بال نسرين فكرة جهنمية لا تخطر على بال الجن كي تتخلص من زوجها شعبان وتضع مبرراً مقنعاً لتطلب الطلاق منه بطريقة سلمية ومشروعة آنذاك .
ذهبت نسرين في الصباح الباكر إلى البازار للتسوق وأشترت كمية من السمك النهري وفي طريق العودة تسللتْ خلسةً إلى الحقل الذي كان يفلحه شعبان بالدواب، وهناك حفرت جورة ثم وضعت كيس السمك فيها وطمرته بالتراب وعادت إلى بيتها، وبينما كان شعبان يحرث أرضه بغبطة عارمة علّق رأس المحراث بالكيس الذي خبأتها نسرين تحت الأرض عندئذٍ توقف شعبان عن الحراثة ظناً منه عثر على كنزٍ ثمين، ثم سحب الكيس بخفة وتفقد حالاً فوجده مليئاً بالسمك النهري الطازج لكن لم يصدق عيناه، ترك عمله وعاد إلى بيته حاملاً الكيس بيده وعند وصوله إلى بيته ناوله لزوجته نسرين قائلاً لها لقد وجدته تحت الأرض، تعمدت نسرين برسم علامات الإستغراب والتعجب على وجهها وهي تردد هذا غير معقول سمك تحت الأرض!
هذا مستحيل يا زوجي لكن ردّ شعبان عليها ثانيةً نعم، لقد رزقنا الله سمك، فعليك أن تطبخيه ريثما أعود من عملي .
-3-
عند حلول المساء عاد شعبان من حقله فتفاجئ من عدم وجود السمك على المائدة التي أعدتها زوجته فسألها أين السمك؟
أجابته نسرين نافيةً عن أي سمك تتحدث يا زوجي ؟
عندئذٍ استفزّ شعبان كثيراً ثم خرج عن طوره وأحمرت عيناه وهو يقول مراراً وتكراراً وبنبرة عالية عن مصير السمك الذي جلبه من الحقل، أما نسرين مازالت تنكر قطعاً، وتقول له أنك حلمت حلماً مما زادت من وتيرة الصياح، في النهاية إلى رفع وتيرة الصراخ بينها إلى أن سمع جيرانهم وسارعوا إلى بيت شعبان ثم سألوه عن سبب نشوب الخلاف بينهما والإعتداء على زوجته، ثم رد عليهم شعبان قائلاً اليوم أثناء حراثتي وجدتُ كيس من السمك تحت الأرض فأحضرته إلى البيت وقلت لزوجتي أن تطبخه لي والآن عدتُ من عملي لا أرى اثراً للسمك، هنا تعجب الجيران شديد العجب من اقواله الغريبة وعلى الفور انتفضت نسرين قائلةً هل تصدقون كلامه يا جيراني الأعزاء، هل من المنطق أن يعيش السمك في اليابسة، لقد فقد زوجي صوابه ولا يعي مايقوله لقد جنّ!
إن الحياة معه أصبحت جحيماً لا يطاق، ثم اجهشت نسرين بالبكاء الشديد أمام جيرانها الحاضرين الذين تعاطفوا معها وبدأوا يضربون كفوف رحاتهم ببعضها وهم ينظرون بازدراء إلى وجه شعبان المتعرق من الغضب وهو يقسم لهم كثيراً على أقواله، لا يعلم أنه وقع في الفخ الذي نصبته له زوجته، ثم انصرفوا الجيران وهم يرددون لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
-انتشرت الأخبار عن تلك الحادثة في القرية والقرى المجاورة لها بأن شعبان جنّ جنونه يدعي بأنه وجد سمك في الحقل !!؟؟