جدران آيلة للسقوط

أحمد مرعان

استلقيت على ظهري بغرفة الشرود من سجني الاعتيادي، حدقت النظر في السقف المترابط، جلت بنظراتي نحو الزوايا بتثاقل، قارنت الأبعاد بالهندسة الفراغية ، لا سبيل للاختلاف لاستكمال البناء والحماية بجدرانه بأمان ، لا فرق بينها من حيث الأبعاد وظلال النور الخافت من شمعتي المحترقة التي شارفت على الانطفاء، ففي زاوية ما استوقفتني صراعات البقاء، في الذود عما يجري خارج المكان ..
شرود وتشرد ..طعن وقتل .. اعتقال وسجن ..كم أفواه عن البوح بالحقيقة .. جوع وفقر مدقع ..تصفيق بلا هوادة ولا إرادة..تمجيد تماثيل ستهوي في صحوة ضمير..تبدل مفاهيم وفق معطيات الحالة..
أي عالم هذا يحكم بحصان طروادة !!
دوما تخذلنا المهمات في اختيار الأنسب، وفي النهايات نخسر المعركة وتموت فينا الأحلام المؤقته !!
هل لأننا لا ندرك الحقائق إلا بعد فوات الأوان ، أم لأننا تعودنا أن نبقى منصاعين لأوامر الخونة، كل الأشياء التي حولنا تخبرنا وتشير ببوادر خياناتهم، ومع هذا نتغاضى حينا ونستسلم حينا آخر، لأنهم أصبحوا قادة وقضاة وجلادين في كسر الإرادة ..
التمرد يعتبر الحلقة الأولى في سلسلة الخيانة بنظر المستبدين، فتتوالى الخيبات وتتبلد الإرادة بقوة البطش والتنكيل، لا سبيل لإعادة الترميم لهياكل التنظيم مادامت تحكمنا أشلاء متمرسة في الخنوع والخضوع، وتتلقى الفتات وشيئا من هامش التجريح والتشريد والمطاردة في ساحات المزايدات ..
نمد يد العون في بحر الظلمات وتتلاطمنا الأمواج والريح العاتية ، تهب علينا من كل الجهات، فتغرق بنا قوارب الآمال للخلاص نحو الهاوية ، نكون وجبة سائغة لأسماك القرش والحيتان في وسط البحر والقاع ، أو نكون طرائد لوحوش الغابات إن استطعنا الفرار على اليابسة..
كل الحالات التي تحتوينا ليست إلا علب وصناديق طوارئ لوقت الحاجة، يفتحها الجاني وقت الضرورة ليتغذى بها بأوقات الهدنة ، يمارس ما تبقى من عظمته في خيال الأمنيات، وسرعان ما يكون هو الآخر ضحية سهلة المنال حينما تنتهي مهامه في استكمال حلقات مسلسل الجريمة التي كان يغفلها عندما ظن نفسه السلطان ..
السلطان والسرطان كلاهما ينهش في جسد الضحية والقضاء عليها ، ويكون ذاته قوتا لدودة الأرض ، لتبدأ دورة جديدة في عالم الديدان اللامتناهي ..
ليس هناك ما هو أكثر أهمية في وقت الحرب من معرفة كيفية الاستفادة المثلى من النجاة، إن سنحت فرصة عادلة إذا تم عرضها واستغلالها لإستعادة البناء بعيدا عن معمعة الضياع في غابة الضباع ..
لا حلول تستجدي المواقف سوى اللجوء إلى بر الأمان، وإعادة التكوين في وسط هالة العارفين التي تقرأ العناوين وتدرك الحقائق بيقين، نحتاج التنوير في وسط الظلام الذي نعيشه ، علنا نعيد ترتيب أولوياتنا ونصلح ذواتنا التائهه ، ونبدأ من جديد ببرامج تليق بالحاضر والمستقبل مع مراعاة الماضي والإستفادة من تجارب الخيبات التي تلاحقنا ، وانتقاء الشخصيات المثلى من ذوي الخبرة والدراية ممن تكون صفحاتهم وأياديهم وقلوبهم بيضاء ، هم فقط الأمل المتبقي في الريادة على أمل البناء من جديد بأساس متين ../ ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…