الحمامة البيضاء

 

روزا كرد
قرأتُ سابقاً بناءً على اقتراحٍ مجموعة (فرات جَوَري) القصصيّة تَحْتَ عنوان (الحمامة البيضاء) الَّتِي صدرت الطَّبْعَةُ الأُولَى منها فِي عام ١٩٩٢ في أنقرة بتركيا, والطّبعة الثّانية في استوكهولم بالسّويد, والطّبعة الثّالثة في استانبول بتركيا.
تتألّفُ المجموعة مِن ثماني قصص, تَوَقَّفَ الكاتبُ عبْرَ شخصياته عَلَى نفسيةِ الفردِ الكرديّ والمجتمع الكرديّ, ويُظهِرُ لنا الإجحافَ والبربرية وازدواجية المجتمع الخفيّة, ثم جْعَل من المرأة وَمشاكلها أساساً لبناءِ أحداثِ بعض القصص, وأحداثُ قصصٍ أخرى تدورُ حولَ المثقفين وَالسّاسة الكُرد. إِنَّ الكاتب فِي قصصه لايبحثُ عَنِ حلولٍ للمشاكل, لكنّه يُشِير إلى المشاكل القائمة, ويَجْعَلُ منها مشاكلَ للقارئِ نفسهِ .
أودّ في دراستي هذه أن اَتَوَقَّفَ عَلَى وَجهِ التّحديد عِنْدَ قصّةٍ منها, القصّة التي منحت اسمها للمجموعة القصصية وهي ( الحمامة البيضاء),لأَنَّ جوهرَها وَمَضْمونَها قاسيان وَمثيران للانتباه فِي ذاتِ الوقتِ, إنّها مِن جراحنا الملتهبة مثلما يظهرُ من عنوانها (الحمامة+ البياض) والكلمتان تحضران إلى ذاكرةِ المرءِ (الطّهارة والرّقة)

وَقفَ الكاتبُ (فرات جَوَري) عَلَى مسألةِ الشّرفِ, وتناولها بلغةٍ ثريّةٍ وأسلوبٍ واقعيٍّ سرياليّ . لقد قرأتُ العديدَ مِن المقالاتِ والكتبِ التِي تناولتْ موضوعَ قتل النّساء لكِِنّ هذِهِ القصّة مُغايرة عنها في بعض الشّيء, ففيها لانجدُ الفتاة الَّتِي قُتِلتْ وَحدها هي الضّحية, بَل ثَمَّةَ الكثير مِن الضّحايا,وهي ليست وحدها بطلة القصّة, بل يشاركها البطولة الأبُ والأمّ والشّقيق والأسرة وحين يقرأُ المرءُ القصّة يضعُ نفسه مكانَِ القاتل, ويعيشُ شعورَ النّدمِ الذي يسيطرُ عليه, يُلاحظ ُ بؤسَه وَنفسيتَه والأثر الَّذِي تركه المجتمع عَلَيْهِ .

الشّابّ الَّذِي كَانَ متفوّقاً في دراستهِ, وكانَ ينتظره مستقبلٌ مشرقٌ, يقتلُ شقيقته تَحْتَ تأثير المجتمع, ويُزجّ به في السّجنِ لأعوامٍ, فيتهدّمُ كُلّ شيءٍ بالنّسبةِ إليه ( الحياة, المستقبل,الدماغ, القلب, المحبة ) .

يتمّ إخلاءُ سبيلِ بطلِ القصّة بعدَ أن ينامَ لسنواتٍ قاسيةٍ في السّجن, لكنّ ندمَه الشّديدَ على قتله لشقيقته يسيءُ إلى نفسيته, ويعصرُ فؤادَه, ويكادُ يوصله إلى حدودِ الجنونِ حين تتراءى له شقيقته المقتولة دَائِمًا في أحلامه وفي خياله . أحياناً تشفقُ عَلَيْهِ , وَأحياناً تلقي باِللّوم عَلَيْهِ وتقولُ له :

يا أخي ! مَاذَا دهاك ؟! أين يفاعتك ؟! لِمَ قتلت شقيقتك ؟! كَيْفَ طاوعك قلبك وقتلتني ؟ كَيْفَ طاوعك قلبك وقتلتَ شقيقتك الَّتِي كانت تحّبكَ, وكنتَ تحبّها للغايةِ ؟! آهٍ , كم اشتقتُ إليكَ , آهٍ كَمْ أودّ أن أحضَنكَ يا أخي الوحيد, آهٍ ,كَمْ أتمنّى أن أحضنَ بؤبؤَ عيني , أنتَ يا أخي و أبي ! يا شقيقي إنّني غيرُ قادرةٍ الآنَ أن ألمسكَ , ما إن تلمسك يدي حَتَّى أختفي لأنّي ميتة , لأنّك قتلتني, آه يا أخي كم كنتُ أحبّك َ!!.

كَمْ تَمَنَّيْتُ لَوْ تحوّلت هذِهِ القصّة إلى فيلمٍ ويشاهدُه مجتمعنا,ليعرفَ من خلال مشاهداته له ما الَّذِي يحلّ بالعوائل ؟! لعَرَفَ بأنّهم لايقتلون فتاة فَقط بَلْ إنّهم يدمّرون عائلة بأكملها عندما يحوّلون الشّبانَ الأفاضلَ الغاليين إلى قتلةٍ لشقيقاتهم بأمرِِ العائلةِ الَّتِي أخذتِ القرارَ تَحْتَ تأثير المجتمع, وَيقضون بذلك عَلَى حياةِ الشّبانِ والفتياتِ معاً ؟ ( لكِنْ بالأماني لاتبلغُ اليدانِ خصلاتِ الشّعر) .

عندما يتمّ القتلُ تحتَ اسم الشّرفِ, تكتبُ غالبية وسائل الإعلام والقنواتِ التلفزيونيةِ عن الفتاةِ/المرأةِ التي قُتِلتْ فقط, ولا أحدَ يكتبُ عن الحدثِ ذاتِهِ .

بكلّ أسفٍ يتمّ القتلُ في مجتمعنا تحت غطاءِ (صون العرضِ والشّرفِ) وهذا أمرٌ في غاية الخطورة .

عِنْدَمَا يقرأ المرءُ هذِهِ القصّة يرى الحدثَ كلّه ليسَ من ناحيةٍ واحدةٍ فحسب بَلْ من ناحيتين اثنتين, فعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أنّ الشّابّ قامَ بفعل خطيرٍ وغيرِ صائبٍ وخاطئ, فإنّ المرءَ يحزنُ عليه, لأنّه يشعرُ أنّه هوَ أَيْضًا ضَحِيَّة, فهو لم يقتلْ شقيقته بمحض إرادتِهِ إنّما فعل ذلك نتيجة الجهل وتحتَ تأثير المجتمع وأقاويل الآخرين, فأسرته قد أقنعته بقتلها للحفاظِ على عرضه ولحفظِ مَاء وجه العائلة ؟ إنّ كلمة العرض تُستخدَم في بعض الأحيان بطريقةٍ خاطئةٍ وغير سليمةٍ, وكذلك تفهم بالطريقةِ نفسِها ؟ لمَ يا ترى أصبحتِ القيمُ المقدّسة كـ(الحرّية والمحبّة والعشق والمساواة والصّداقة والإنسانية) عبيدَ الشّرفِ والعرضِ؟ فيا تُرى أيّة كلمةٍ هذه التي غيّرتْ حياة البشر, وهزّتْ كيانَهم ؟! .

*-
مثلٌ كردي يُراد به إنّه على الإنسان أن يسعى بنفسه لتغييرِ واقعه (فبالأماني وحدها لايتحقق للمرءِ مايصبو إليه ) .

الترجمة عن الكرديّة  : نارين عمر وديرام

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بدعوة من جمعية صحفيون بلا حدود الدولية، أقيمت اليوم، السبت ٦ نيسان ٢٠٢٥، أمسية شعرية متميزة في مدينة إيسن الألمانية، شارك فيها نخبة من الشعراء والكتّاب اعضاء الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد.

وشهدت الأمسية حضورًا لافتًا وتفاعلاً كبيرًا من الحضور، حيث تناوب على منصة الشعر كل من:

صالح جانكو

علوان شفان

يسرى زبير

بالإضافة إلى الصديق الشاعر منير خلف، الذي…

تنكزار ماريني

 

الهرمنيوطيقا وما بعد الهرمنيوطيقا هما مفهومان مركزيان في الفلسفة والعلوم الإنسانية يتناولان فهم وتفسير النصوص والمعاني والظواهر الثقافية. وفيما يلي السمات والخصائص والاختلافات بين هذين المنهجين:

 

الهرمنيوطيقا. الخصائص والمميزات:

التعريف:

الهرمنيوطيقا هي فن وعلم التفسير، لا سيما للنصوص واللغة والمصنوعات الثقافية. تعود جذوره إلى الفلسفة القديمة وتم تطويره في القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

الجذور التاريخية: للهرمينوطيقا جذور تاريخية…

الشيخ صبحي نابو

 

الإيزيدية هي مجموعة عرقية ودينية قديمة . وهي ديانة توحيدية غير تبشيرية، تعتمد على مفاهيم روحانية خاصة بها، حيث تؤمن بوجود إله وأحد خالق للكون، وتقدس الملائكة السبعة النورانين و أحترام جميع الأديان والمعتقدات.

تتميز الإيزيدية بعاداتها وتقاليدها الفريدة التي تتوارثها الأجيال، مما يجعلها من الديانات الغنية بالتراث والثقافة التي تدل على تاريخها الممتد…

جمال البرواري

 

صدر من مكتبة كازي بوك كتاب ” فرحة السلام – من الشعر الكلاسيكي الكوردي للشاعر عصمت شاهين الدوسكي تصميم الغلاف الفنان الكبير نزار البزاز الطبعة الأولى رقم الايداع في المكتبة العامة في دهوك 25/2525 156″ صفحة ” حجم متوسط ..يستهل الكتاب بشكر للأستاذ الكبير دلخواز موسى محمد مدير الثقافة والفنون في زاخو لمساهمته مشكورا…