بقلم : محاسن الحمصي
“ناديني من آخر الدنيا اُلبي، كل دربٍ لك يُفضي فهو دربي
ياحبيبي أنت تحيا لتنادي، يا حبيبي أنا أحيا لألبي “.
(فدوى طوقان)
“ناديني من آخر الدنيا اُلبي، كل دربٍ لك يُفضي فهو دربي
ياحبيبي أنت تحيا لتنادي، يا حبيبي أنا أحيا لألبي “.
(فدوى طوقان)
كطوق نجاة أتاني صوته الواضح عبر الهاتف ينقذني من بحر الحزن الهادر، يغسل قلبي من غبار الهموم ..
“يسحرني صوتها ، و رنة الموسيقى من مخارج الألفاظ تصيبني بعدوى الحيوية، لأعزف لحن أمل اللقاء المرتقب..
لم أعرف امرأة تشبهها، تضج أنوثة مجبولة بروح الحياة والمرح، يسكن داخلها تعب سنين مستتر، مجبولة بالطيبة، الأخلاق، والتضحية..!”.
لم أصادف رجلا مثله، يفيض دفئا وحنانا من الأعماق، يرتدي وجها واحدا، دون قناع
“سنوات طويلة، أستمد القوة من ضعفها، الأحلام من صبرها، الحب من عطائها..”
أعوام شرّع أمامي آفاق المعرفة، منحني الإيمان بغدٍ ليس نصفه مر، وتحمل صعوبة أن يفهم الإنسان نفسه ويتكيف معها..
– أين أنت الآن؟ في أي مطار تركض، و في أي فندق تستريح؟… لندن ، باريس ، دبي ، أم بيروت ..؟؟
– لست ببعيد، خمني المسافة التي تفصلنا.
“لو تدري أني أقرب إليها من حبل الوريد “.
– بالأيام أم بالكيلومترات أم بحجم الشوق؟؟
– ماذا تفعلين الآن قبل أن أجيب ؟
– أقرأ سطورًا من رواية، أتبعها بقيلولة ما بعد الغداء.
– ماهذا الكسل؟ هيا، انهضي، وخلال ساعة تجديني في ركننا المفضل..!
– لا تُأملني في المستحيل، لا رغبة لي في مزاح يدمي الفؤاد..
“ليتك تدري احتياجي إلى صدرك الحنون يعيد إلي هدوءً يناكفني. إذن، تسمعني، نثرثر، نضحك ، تحدثني عن الإعصار المالي الذي اجتاح العالم، السياسة التي نناقشها عبر المراسلات اليومية، وعن سور عمري المتصدع ..”.
– هيا، لا أملك سوى ساعات قليلة و سأغادر ، أنتظرك بعد ساعة.
أقفز من فوق السرير، أختار ثوبا ورديا، بلون خديّ المتوردين فرحا، أحمل حقيبتي، المفاتيح، أتسلل من باب جانبي، أنظر إلى وجهي في المرآة. نسيت أن أتجمل، أدخل أصابعي بين خصلات شعري المسدل، تقودني السيارة..!
” أزمة المرور ستأكل رغيف وقتي معها “.
عادني في المشفى، وأنا بين الحياة والموت أول مرة.. فكانت زيارته لمسة الشفاء.
“ذهبت مكرها مع العائلة لإلقاء نظرة وداع شابة مهشمة، فعدت معها إلى الحياة “.
وسيم في طلته، تخلى عن ربطة العنق والبذلة، غزا الشيب مفرقيه، وأنا بت بأربعة عيون مخفية..
” تحط كعصفور مهاجر على صدري، تنقر وجنتي بقبلتين، تتعلق بذراعي طفلة
شاردة “.
………..
– حمدا لله على السلامة… مع السلامة..!
– أتسخرين مني، وأنا الذي تركت الاجتماع كي نلتقي، ولو للحظات ؟ ماذا فعلت
بنفسك؟ تبدين كحسناء فاتنة، لم تتخرج بعد من الجامعة..!
– مجاملة ترفع المعنويات، عيونك تراني جميلة..
– لا تشعلي سيجارة، شراهة التدخين لديك تحتاج إلى رحلة علاج .
– تريدني الإقلاع عنها، وهي من علمني الإدمان على الصمت؟
يدخل (الجرسون) على الخط: ماذا تطلبان ..؟
– نسكافيه بدون حليب..
– لو كنت أعرف أنك قادم لفرشت البساط الأحمر، زينت الشوارع، أطلقت ألعابا نارية ابتهاجا بمقدمك الغالي..
– تقرر الاجتماع صباحا، فجئت على عجل..
– عجل دراجة أم عجل سيارة؟
“تنام كفي في كفه، يلفني الشعور بالأمان، وأستريح “.
تعيدني الكف إلى سنة أولى ابتدائي، كلما هممت بعبور الشارع، يمسك رجل الأمن الشاب يدي ، وبإشارة من (البطل ) تقف المركبات، و أصبح في الجانب الآخر دون خوف والاطمئنان يرافقني طوال النهار، و أزهو بخيلاء وتحد من جبروت الآلة حين تلين بإيماءة. حتى اليوم مازلت أحب رجل المرور، أرتاح لرؤية أحدهم، ولو حرر لي مخالفة..!
– حدثيني عن المستجدات في بناء عالمك الخاص..
” كخرير مياه الغدير تجري كلماتها في أذني رقيقة، شفافة، عميقة، تروي الجفاف، وتحيل الضفاف إلى خضرة رغم اليباس “
– يا صديقي.. لم تركتني أذهب؟ هل انجرفتُ وراء عواطف لم تخلف سوى الأسى..؟
– أنت ركبت موجة التمرد.. كنت أراك فتاة تخوض غمار حياة اختارتها طواعية، تصيب وتفشل، تتعثر الخطوات وتعاود الوقوف، تحمل سيف المبارزة، تضمد بالملح الجراح، وتبقى في الميدان..
” كنت أجده إلى جانبي في كل أوقات المحن، يرشدني دون تأنيب أو سؤال يخفف من وقع الألم..!”.
– تحملتَ مني الكثير، أكلتَ الصبر بشوكه.. كيف صمدتَ معي حتى الآن، وأنا الراكبة كل يوم موجة تغيير؟
– لأني آمنت بك ووثقت بأن مدارك أفكارك ستبدلها الأيام، دروس المعاناة ستخلق منك قوة، تصقلك الظروف في الخبرة، تهبط أحلامك إلى دنيا الواقع بعد تحليق في أجواء الزيف..
– اكتشفتُ أن البيت الكبير، الجميل، الدافئ يُبنى بالقلوب لا الحجر و الإسمنت وروعة النقوش، يفرش بمحبة ساكنيه وتماسك خيوط أساسه..
– كلمة اخيرة.. وجودك إلى الآن على وجه الأرض إنجاز..
– أجل بقائي صامدة في وجه التيارات، الأحداث والاغتراب عن الروح والجسد، و المرارة التي تجرعتها إنجاز..! لكني خرجت بمعادلة حسابية في الحياة.. جمعت، طرحت، قسمت، ضربت، فكنت خير زوجة وفية، والأم المثالية، والابنة البارة للأسرة، لم أجرح أحدا، ولم أصل على أكتاف المصلحة، طيبتي خذلتني… ولن أندم!
تنتهي الستون دقيقة، جلنا بها الأوطان، من غزة إلى القدس إلى العراق و لبنان، عرجنا على عواصم عربية تئن، و أخرى تصرخ، وبعضها يندب الأسواق… طفنا مع السيمفونية الخامسة لبتهوفن يدندنها تحت نافذتي كل مساء، وصوت المفاتيح تعلمني بعودته سالما إلى البيت، وقوفي أمام العين السحرية أرقب خطواته تصعد السلم، وتتوقف خلف الباب ليقول: تصبحين على خير.
في زوايا مكتبه قطع فنية حملتها عبر أسفاري، قطعة (كنافاه) نسجت بخيوط وحدتي، كل غرزة بها دمعة ألم ودعاء.
” أضم إلى صدري جسدا يرتعش، ونظرة خوف ترعبني، وعلى شرفة الأهداب تقف دمعة كبرياء “.
يودعني، يهمس: سأعود يا أنشودة الأيام، لا تحزني، أخابرك كل يوم، نهاراتي برسائلك الجميلة لها مذاق الأمل.. الاتصال مستمر، و أنا حتى النهاية معك…!
” لم يحاول أن يستغل ضعفي يوما!
من قال: (الصداقة) بين رجل وامرأة يجب أن تنتهي على سرير؟”!.
أعود إلى غرفتي الباردة، أمسك الولاعة، أشم رائحة أصابعه، أرى بصماته على علبة السجائر الفارغة فأحتفظ بها، أضع الكتب التي أحضرها: ” أعرف أنك تعشقين الكتاب”، أفتح رواية، أعانق سطورًا طالعَها، و ألمس ثنية صفحة توقف عندها، ولم يكمل.. وأكملُ رشف فنجان قهوة بارد مع الصور
“سنوات طويلة، أستمد القوة من ضعفها، الأحلام من صبرها، الحب من عطائها..”
أعوام شرّع أمامي آفاق المعرفة، منحني الإيمان بغدٍ ليس نصفه مر، وتحمل صعوبة أن يفهم الإنسان نفسه ويتكيف معها..
– أين أنت الآن؟ في أي مطار تركض، و في أي فندق تستريح؟… لندن ، باريس ، دبي ، أم بيروت ..؟؟
– لست ببعيد، خمني المسافة التي تفصلنا.
“لو تدري أني أقرب إليها من حبل الوريد “.
– بالأيام أم بالكيلومترات أم بحجم الشوق؟؟
– ماذا تفعلين الآن قبل أن أجيب ؟
– أقرأ سطورًا من رواية، أتبعها بقيلولة ما بعد الغداء.
– ماهذا الكسل؟ هيا، انهضي، وخلال ساعة تجديني في ركننا المفضل..!
– لا تُأملني في المستحيل، لا رغبة لي في مزاح يدمي الفؤاد..
“ليتك تدري احتياجي إلى صدرك الحنون يعيد إلي هدوءً يناكفني. إذن، تسمعني، نثرثر، نضحك ، تحدثني عن الإعصار المالي الذي اجتاح العالم، السياسة التي نناقشها عبر المراسلات اليومية، وعن سور عمري المتصدع ..”.
– هيا، لا أملك سوى ساعات قليلة و سأغادر ، أنتظرك بعد ساعة.
أقفز من فوق السرير، أختار ثوبا ورديا، بلون خديّ المتوردين فرحا، أحمل حقيبتي، المفاتيح، أتسلل من باب جانبي، أنظر إلى وجهي في المرآة. نسيت أن أتجمل، أدخل أصابعي بين خصلات شعري المسدل، تقودني السيارة..!
” أزمة المرور ستأكل رغيف وقتي معها “.
عادني في المشفى، وأنا بين الحياة والموت أول مرة.. فكانت زيارته لمسة الشفاء.
“ذهبت مكرها مع العائلة لإلقاء نظرة وداع شابة مهشمة، فعدت معها إلى الحياة “.
وسيم في طلته، تخلى عن ربطة العنق والبذلة، غزا الشيب مفرقيه، وأنا بت بأربعة عيون مخفية..
” تحط كعصفور مهاجر على صدري، تنقر وجنتي بقبلتين، تتعلق بذراعي طفلة
شاردة “.
………..
– حمدا لله على السلامة… مع السلامة..!
– أتسخرين مني، وأنا الذي تركت الاجتماع كي نلتقي، ولو للحظات ؟ ماذا فعلت
بنفسك؟ تبدين كحسناء فاتنة، لم تتخرج بعد من الجامعة..!
– مجاملة ترفع المعنويات، عيونك تراني جميلة..
– لا تشعلي سيجارة، شراهة التدخين لديك تحتاج إلى رحلة علاج .
– تريدني الإقلاع عنها، وهي من علمني الإدمان على الصمت؟
يدخل (الجرسون) على الخط: ماذا تطلبان ..؟
– نسكافيه بدون حليب..
– لو كنت أعرف أنك قادم لفرشت البساط الأحمر، زينت الشوارع، أطلقت ألعابا نارية ابتهاجا بمقدمك الغالي..
– تقرر الاجتماع صباحا، فجئت على عجل..
– عجل دراجة أم عجل سيارة؟
“تنام كفي في كفه، يلفني الشعور بالأمان، وأستريح “.
تعيدني الكف إلى سنة أولى ابتدائي، كلما هممت بعبور الشارع، يمسك رجل الأمن الشاب يدي ، وبإشارة من (البطل ) تقف المركبات، و أصبح في الجانب الآخر دون خوف والاطمئنان يرافقني طوال النهار، و أزهو بخيلاء وتحد من جبروت الآلة حين تلين بإيماءة. حتى اليوم مازلت أحب رجل المرور، أرتاح لرؤية أحدهم، ولو حرر لي مخالفة..!
– حدثيني عن المستجدات في بناء عالمك الخاص..
” كخرير مياه الغدير تجري كلماتها في أذني رقيقة، شفافة، عميقة، تروي الجفاف، وتحيل الضفاف إلى خضرة رغم اليباس “
– يا صديقي.. لم تركتني أذهب؟ هل انجرفتُ وراء عواطف لم تخلف سوى الأسى..؟
– أنت ركبت موجة التمرد.. كنت أراك فتاة تخوض غمار حياة اختارتها طواعية، تصيب وتفشل، تتعثر الخطوات وتعاود الوقوف، تحمل سيف المبارزة، تضمد بالملح الجراح، وتبقى في الميدان..
” كنت أجده إلى جانبي في كل أوقات المحن، يرشدني دون تأنيب أو سؤال يخفف من وقع الألم..!”.
– تحملتَ مني الكثير، أكلتَ الصبر بشوكه.. كيف صمدتَ معي حتى الآن، وأنا الراكبة كل يوم موجة تغيير؟
– لأني آمنت بك ووثقت بأن مدارك أفكارك ستبدلها الأيام، دروس المعاناة ستخلق منك قوة، تصقلك الظروف في الخبرة، تهبط أحلامك إلى دنيا الواقع بعد تحليق في أجواء الزيف..
– اكتشفتُ أن البيت الكبير، الجميل، الدافئ يُبنى بالقلوب لا الحجر و الإسمنت وروعة النقوش، يفرش بمحبة ساكنيه وتماسك خيوط أساسه..
– كلمة اخيرة.. وجودك إلى الآن على وجه الأرض إنجاز..
– أجل بقائي صامدة في وجه التيارات، الأحداث والاغتراب عن الروح والجسد، و المرارة التي تجرعتها إنجاز..! لكني خرجت بمعادلة حسابية في الحياة.. جمعت، طرحت، قسمت، ضربت، فكنت خير زوجة وفية، والأم المثالية، والابنة البارة للأسرة، لم أجرح أحدا، ولم أصل على أكتاف المصلحة، طيبتي خذلتني… ولن أندم!
تنتهي الستون دقيقة، جلنا بها الأوطان، من غزة إلى القدس إلى العراق و لبنان، عرجنا على عواصم عربية تئن، و أخرى تصرخ، وبعضها يندب الأسواق… طفنا مع السيمفونية الخامسة لبتهوفن يدندنها تحت نافذتي كل مساء، وصوت المفاتيح تعلمني بعودته سالما إلى البيت، وقوفي أمام العين السحرية أرقب خطواته تصعد السلم، وتتوقف خلف الباب ليقول: تصبحين على خير.
في زوايا مكتبه قطع فنية حملتها عبر أسفاري، قطعة (كنافاه) نسجت بخيوط وحدتي، كل غرزة بها دمعة ألم ودعاء.
” أضم إلى صدري جسدا يرتعش، ونظرة خوف ترعبني، وعلى شرفة الأهداب تقف دمعة كبرياء “.
يودعني، يهمس: سأعود يا أنشودة الأيام، لا تحزني، أخابرك كل يوم، نهاراتي برسائلك الجميلة لها مذاق الأمل.. الاتصال مستمر، و أنا حتى النهاية معك…!
” لم يحاول أن يستغل ضعفي يوما!
من قال: (الصداقة) بين رجل وامرأة يجب أن تنتهي على سرير؟”!.
أعود إلى غرفتي الباردة، أمسك الولاعة، أشم رائحة أصابعه، أرى بصماته على علبة السجائر الفارغة فأحتفظ بها، أضع الكتب التي أحضرها: ” أعرف أنك تعشقين الكتاب”، أفتح رواية، أعانق سطورًا طالعَها، و ألمس ثنية صفحة توقف عندها، ولم يكمل.. وأكملُ رشف فنجان قهوة بارد مع الصور
كاتبه من الاردن