صبري رسول
ربما جمعتني صدفة محضة بمجموعة الشاعرة الكردية خلات أحمد (مذكرات زهرة الأكاليبتوس) قبل سنتين، فقرأتها، وانبهرتُ أمام نصوصها الممتدّة من فتنة السّرد إلى شعرية النّص، وبها قرأتُ طفولتي ومرحلة الصّبا من خلال سيرة نهرٍ موشّحٍ بالحزن مثلي، وقبل شهرٍ من تاريخ كتابة هذه الدّراسة أهدتْني الشاعرة نارين عمر مجموعتها(حيثُ الصّمتُ يحتضر) وعند قراءتي لها استحضرتني قصائد خلات أحمد التي نسيتُ تفاصيلها، كوني لا أهتمُّ بالشعر كناقد، وعند رجوعي إلى المجموعة كان التّتاصُ بادياً للقارئ العادي، هذا ما دفعني إلى هذه المقاربة التّناصية.
التَّناص من حيث المفهوم والنّشأة
قد تكون الباحثة جوليا كريستفيا هي أول من توصلت إلى استقراء مصطلح التّناص (Interextualité) عام 1969 من خلال دراسة عن دوستويفيسكي لأستاذها باختين في كتابه (فلسفة اللغة )، وعرّفته في دراستها (ثورة اللغة الشعرية- la revolution du langage poetique) من حيث المعنى بأنه مجموع العلاقات القائمة بين نصٍّ أدبي ونصوص أخرى. وترى بعد عدة تطبيقات إجرائية بأنّه كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى(1) .
تنطلق جوليا كرستيفا من منطلق رفضها لفكرة ” النّص المغلق” الذي روّج له الشكلانيون الرّوس، ثمّ تأتي كرسيتفا في كتابها ” نظرية المجموع ” بعد نضوج رؤيتها للمصطلح فتقول : إننا نطلق مصطلح التّناص على التّداخل النّصي الذي يحدث داخل النّص الواحد، بالنسبة للذات العارفة فإنّ التّناص هو المفهوم الوحيد الذي سيكون المؤشر على الطريقة التي بواسطتها، يقرأ نصّ التّاريخ ويتداخل معه.(2)
قد تكون الباحثة جوليا كريستفيا هي أول من توصلت إلى استقراء مصطلح التّناص (Interextualité) عام 1969 من خلال دراسة عن دوستويفيسكي لأستاذها باختين في كتابه (فلسفة اللغة )، وعرّفته في دراستها (ثورة اللغة الشعرية- la revolution du langage poetique) من حيث المعنى بأنه مجموع العلاقات القائمة بين نصٍّ أدبي ونصوص أخرى. وترى بعد عدة تطبيقات إجرائية بأنّه كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى(1) .
تنطلق جوليا كرستيفا من منطلق رفضها لفكرة ” النّص المغلق” الذي روّج له الشكلانيون الرّوس، ثمّ تأتي كرسيتفا في كتابها ” نظرية المجموع ” بعد نضوج رؤيتها للمصطلح فتقول : إننا نطلق مصطلح التّناص على التّداخل النّصي الذي يحدث داخل النّص الواحد، بالنسبة للذات العارفة فإنّ التّناص هو المفهوم الوحيد الذي سيكون المؤشر على الطريقة التي بواسطتها، يقرأ نصّ التّاريخ ويتداخل معه.(2)
وبناءً على مفهوم هذا المصطلح لدى كرستيفا ومن خلال تكراره في مجمل دراساتها الإجرائية على النّصوص الفرنسية، يمكن تحديد بعض من خصائصه: التَّناص هو مجال تقاطع وتلاقٍ وتداخل واندماج وتحاور مجموعة من النّصوص. والتناص شرط ضروري لكلّ نصّ، وعندما يقوم نصّ ما باستدعاء واستحضار نصوص أخرى فأنه ينقلها من سياقها الأصلي ويطرحها في سياقٍ جديد، وهو ما عبرت عنه كرستيفا بـ ” الهدم والبناء ” أو ” النفي والإثبات ” المتزامنين .(3)
أما النّاقد الفرنسي جيرار جينيت فقد حدَّد أصنافاً للتَّناص وهي الاستشهاد، والسّرقة، والنَّص الموازي، الوصف النّصي والنصيّة الواسعة، والنّصية الجامعة (4).
ويرى رولان بارت النَّص بأنَّه السطح الظاهريّ للنتاج الأدبي، نسيج الكلمات المنظومة في التأليف، والمنسقة بحيث تفرض شكلاً ثابتاً ووحيداً ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً .(5)
والنَّص عبارة عن إنتاجية يشارك فيها مع المؤلف في إنتاجه كلٌّ قارئ، وإذا ما اطمأن بارت إلى وجود القارئ المنتج للنّص والمؤلف الذَّائب في صياغة النص، وجد سبيلاً لهذا النص ليدخل في علاقة مع نصوص أخرى، تثمر في إنتاج دلالته، وهذا ما استقر على تسميته بـ ” التناص”، .
فالكلام كلُّهُ، سالفُه وحاضرُه يصبُّ في النّصّ ، ولكن ليس وفق طريق متدرجة معلومة ، ولا بمحاكاة إرادية، وإنما- وفق طرق متشعبة ـ تمنح النص وضع الإنتاجية، وليس إعادة الإنتاج(6) . ولا ننسى أنّ بارت ينظر إلى النّص بوصفه ” نسيجاً ” يربط بين اللغة والأفكار.
أما مارك أنجينو الذي يستبعد إجماع النّقاد على كلمة واحدة في مفهوم التّناص يرى أنَّ كل نصٍّ يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى(7) .
فالنّص بوصفه إنتاجاً، بتعبير بارت، لا يعيش بمفرده، وهو، بمثابة الثمرة التي تنتجها شجرة راسخة الجذور، تستمدُّ نسغها من عملية التّركيب الضوئي التي تقوم بها الأوراق، مع الارتواء عن طريق الجذور. إذاً ، أكثر من سبب يساهم في إنتاج الثمرة، والنّص كذلك الأمر، يساهم في إنتاجه، إضافة إلى الموهبة وروح الإبداع، كلُّ القراءات السابقة، التي هي الأساس المعرفي لدى الإنسان، مع ما يراه ويسمعه، ويحسُّ به. لكن تلك القراءات السابقة قد تؤثّر في النّص، المولود الجديد، بوعيٍّ من الكاتب، فيقوم بتضمين نصّه بعض التعبيرات، متناثرةً، أو شيئاً من المعاني، في صياغاتٍ جديدة؛ وقد يتسرّب النّصُ القديمُ في ثنايا المولود الجديد، بدون وعيٍّ من الكاتب، بوصفه فعلاً لا شعورياً، يفرضُ نفسه على الكاتب، فحضوره يكون طاغياً، بينما يكون غياب الوعي عميقاً. وهذا ما أشار إليه شولز وسمّاه بالنّص المتداخل الذي هو: نص يتسرب إلى داخل نص آخر، ليجسد المدلولات، سواء وعى الكاتب بذلك أم لم يعِ (8) .
هل هذا التداخل بين النصين يكون بوعيٍّ من الكاتب؟ أم بدون وعيٍّ منه؟ (يقول الغذامي عن نص القصيبي في تداخله مع نص الأعشى: ليست المسألة عملية واعية، ولا هي احتذاء ومجاراة وإنما هي أعمق من ذلك وأبلغ بما أنها فعل حتمي ذو طبيعة تلقائية لا شعورية، وفعل نصوصي وليست فعلاً بشرياً، أي أن الكاتب ليس في حالة حضور وتقرير، بل الحضور والفعل هو للنص وحده مع النصوص الأخرى السابقة عليه. (9)
ويقابل هذا المفهوم عند دريدا فكرة التكرارية التي تلغي الحدود بين النصوص ومن ثم تمهد الطريق لتداخلها. هكذا تعدَّدت المفاهيم والرؤى حول هذا المفهوم تناسباً مع المذاهب والنظريات النقدية كالبنيوية، والسيميولوجية، والتفكيكية.
===========================
نقّادُ الحداثة والتَّنَاص:
وقف نقاد الحداثة مطولاً أمام إشكالية التناص ومفاهيمه وتعاريفه ، فقد فرض هذا المصطلح نفسه بقوة على مجمل الباحثين ودارسي النقد، فنظرَ كلٌّ منهم بطريقة معينة إليه، لكنّهم لم يخرجوا عن الدائرة التي رسمته كرستيفا، مُبدِعَةُ هذا المصطلح، في شرحها مفهومه، رغم لجوء بعضهم إلى دراساتٍ إجرائية على نصوصٍ كثيرة حديثةٍ وقديمة، كالناقد الدكتور عبد الله الغذامي، ومحمد بنيس، وعبد الملك مرتاض، وعبدالله النطاوي، وآخرون. وهؤلاء ساروا على منهج كرستيفا في تعاملهم في مسألة التّناص.
فالباحث عبد الله النّطاوي يؤكّد على أهمية استفادة الكاتب ممّا سبقه من تجارب وخبرات، حتى التراثية، فعندما يبدأ لمبدع كتابة نصّه يجد أنَّ ثمة ركاماً من الصور يتزاحم على ذاكرته بمجرده في تصوير التجربة ، فأمامه تجربته الخاصة ، وأمامه معطيات واقعه ، ومن خلفه مقومات تراث ممتد ضارب في أعماقه ، يدفع إليه بالأشباه والنظائر بما لا يمنعه من حق التوقف أمامها والتأمل لمقاومتها والإفادة منها(13)
وينظر د. مرتاض على أنَّ التناص لا يتوقف عند المضمون أو الفكرة أو المحتوى، إنما يشمل الشّكل أيضاً، رغم اتكاء الإنسان، الشاعر، على ما سبقه من تجارب وكتابات، مدوّنة او شفوية، فالشاعر يعيد إنتاج ما تقدمه وما عاصره من نصوص مكتوبة وغير مكتوبة …أو ينتقي منها صورة أو موقفاً درامياً أو تعبيراً ذا قوة رمزية، ولكننا نعلم جميعاً أنه لا مضمون خارج الشكل ، بل إن الشكل هو المتحكم في المتناص والموجه إليه ، وهو هادي المتلقي لتحديد النوع الأدبي ، ولإدراك التناص ، وفهم العمل الأدبي تبعاً لذلك. (14)
فالتّناص لا يقومُ كلّه على مستوى واحد، بل يتعدّد المستوى طبقاً لدرجة التداخل النّصي، فإذا كان الأمر يتعلق بفنيات عامة للجنس الأدبي، كالأوزان والإيقاع في الشعر، والحوار والشخصيات في المسرح، والسرد والحبكة في القصة والرواية، فإنّما ذلك من الدرجة الدنيا من التّناص، وهذا ما يقارب مفهوم د. صلاح فضل لدرجات التّناص، ويؤكّد على أن التحولات النصية لا تقوم كلها في درجة واحدة، بل هناك درجات عديدة للتّناص، مما يمكن أنْ يقودنا إليه التحليل النّصي، فهناك خواص شكلية محددة، مثل الإيقاعات والأوزان والأبنية المقطعية، ومثل أنماط الشخصيات والمواقف التي يمكن استخدامها كحدّ أدني للتّناص. على اعتبار ما ترفضه في استخدامها مجموعة الأعراف التقليدية المتصلة بكلّ جنس من الأجناس الأدبية. وتتمثل الدرجة الوسطى من التناص في الإشارات المتضمنة والانعكاسات غير المباشرة، سواء كانت بالقبول أو الرفض، لنصوص أخرى تتعالق معها. مما يعتدّ به كمجال فعلي للتناص الحقيقي، أما الدرجة القصوى من التناص فتقوم فيها تلك الممارسات الاقتباسية التي نراها مثلاً في ( الباروديا) والمعارضات مما يحيل على مجموعة الشّفرات والأسلوبية و البلاغية، المستخدمة في نصوص سابقة، بشكل لا يمكن أن يخفى على القارئ المتوسط، وهو المجال الذي تمثله أبواب السرقات في النقد العربي القديم، مغفلة أهمية التوليد والتواصل، ومدرجة للتحليل الأدبي في نطاق النقد المعياري الأخلاقي ، بالرغم من استخدامها لمصطلح الحسن في بعض الأحيان.(15).
وفي هذا المجال لا بدّ أنْ نذكر الفضيحة التي وقع فيها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، الذي كان يكتب زاوية أسبوعية في جريدة المساء الجزائرية، حيث سطا، وفق ما ذكرته الصحف الجزائرية، على نصّ دراسة محمد بنيس المعنونة بـ (بيان الكتابة) ، والمنشورة في مجلة ( الثقافة الجديدة) عدد19 عام م9981م، وفي حداثة السّؤال،كتاب الحداثة العربية في الشعر والثقافة الصادر عن دار التنوير ببيروت، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ط1 1985م. و حينذاك سميت بقضية (بوجدرة وبنيس). ونورد إشارة تؤكّد ذلك.
يقول محمد بنيس في بيان الكتابة ص29( أما بنية المكان فهي التي تجاهلها أو جهلها نقاد الشّعر المعاصر في عموم العالم العربي وقد أسرهم الإيقاع، وما ذلك إلا انحيازهم للكلام وإلغائهم للكتابة، وهم في موقفهم هذا على عكس بعض الشعراء والنقاد الأندلسيين والمغاربة القدامى، وكذلك بعض الشعراء الآسيويين، يابانيين وصينيين، الذين جعلوا من التركيب الخطى بعداً بلاغياً يفتح النّص على البصر- بعد أن اكتفوا بالسمع زمناً طويلاً…)( 16)
ويأتي رشيد بوجدرة ليكتب في زاويته الأسبوعية في جريدة (المساء) الجزائرية يوم الخميس تاريخ 11/12/1986م (أما بنية المكان فهي التي تجاهلها أو جهلها نقاد الشّعر المعاصر في عموم العالم العربي، وقد أسرهم الإيقاع والاسراد نثراً، و ذلك إلا انحيازهم للكلام وإلغائهم للكتابة، وهم في موقفهم هذا على عكس بعض الشعراء والنقاد الأندلسيين والمغاربة القدامى الذين جعلوا من التركيب الخطى بعداً بلاغياً يفتح النّص على البصر بعد أن اكتفى بالسمع زمناً طويلاً…).
طبعاً السّطو واضحٌ للغاية، ولم يشر بوجدرة إلى المصدر أو المرجع ولو لمرة واحدة، مما دفع الكثيرين إلى الكتابة عن هذا الموضوع . والمسألة هنا تجاوزت مفهوم التّناص، لأنّها سرقة حرفية لا يتحتاج إلى البحث والتحليل.
أما النّاقد الفرنسي جيرار جينيت فقد حدَّد أصنافاً للتَّناص وهي الاستشهاد، والسّرقة، والنَّص الموازي، الوصف النّصي والنصيّة الواسعة، والنّصية الجامعة (4).
ويرى رولان بارت النَّص بأنَّه السطح الظاهريّ للنتاج الأدبي، نسيج الكلمات المنظومة في التأليف، والمنسقة بحيث تفرض شكلاً ثابتاً ووحيداً ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً .(5)
والنَّص عبارة عن إنتاجية يشارك فيها مع المؤلف في إنتاجه كلٌّ قارئ، وإذا ما اطمأن بارت إلى وجود القارئ المنتج للنّص والمؤلف الذَّائب في صياغة النص، وجد سبيلاً لهذا النص ليدخل في علاقة مع نصوص أخرى، تثمر في إنتاج دلالته، وهذا ما استقر على تسميته بـ ” التناص”، .
فالكلام كلُّهُ، سالفُه وحاضرُه يصبُّ في النّصّ ، ولكن ليس وفق طريق متدرجة معلومة ، ولا بمحاكاة إرادية، وإنما- وفق طرق متشعبة ـ تمنح النص وضع الإنتاجية، وليس إعادة الإنتاج(6) . ولا ننسى أنّ بارت ينظر إلى النّص بوصفه ” نسيجاً ” يربط بين اللغة والأفكار.
أما مارك أنجينو الذي يستبعد إجماع النّقاد على كلمة واحدة في مفهوم التّناص يرى أنَّ كل نصٍّ يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى(7) .
فالنّص بوصفه إنتاجاً، بتعبير بارت، لا يعيش بمفرده، وهو، بمثابة الثمرة التي تنتجها شجرة راسخة الجذور، تستمدُّ نسغها من عملية التّركيب الضوئي التي تقوم بها الأوراق، مع الارتواء عن طريق الجذور. إذاً ، أكثر من سبب يساهم في إنتاج الثمرة، والنّص كذلك الأمر، يساهم في إنتاجه، إضافة إلى الموهبة وروح الإبداع، كلُّ القراءات السابقة، التي هي الأساس المعرفي لدى الإنسان، مع ما يراه ويسمعه، ويحسُّ به. لكن تلك القراءات السابقة قد تؤثّر في النّص، المولود الجديد، بوعيٍّ من الكاتب، فيقوم بتضمين نصّه بعض التعبيرات، متناثرةً، أو شيئاً من المعاني، في صياغاتٍ جديدة؛ وقد يتسرّب النّصُ القديمُ في ثنايا المولود الجديد، بدون وعيٍّ من الكاتب، بوصفه فعلاً لا شعورياً، يفرضُ نفسه على الكاتب، فحضوره يكون طاغياً، بينما يكون غياب الوعي عميقاً. وهذا ما أشار إليه شولز وسمّاه بالنّص المتداخل الذي هو: نص يتسرب إلى داخل نص آخر، ليجسد المدلولات، سواء وعى الكاتب بذلك أم لم يعِ (8) .
هل هذا التداخل بين النصين يكون بوعيٍّ من الكاتب؟ أم بدون وعيٍّ منه؟ (يقول الغذامي عن نص القصيبي في تداخله مع نص الأعشى: ليست المسألة عملية واعية، ولا هي احتذاء ومجاراة وإنما هي أعمق من ذلك وأبلغ بما أنها فعل حتمي ذو طبيعة تلقائية لا شعورية، وفعل نصوصي وليست فعلاً بشرياً، أي أن الكاتب ليس في حالة حضور وتقرير، بل الحضور والفعل هو للنص وحده مع النصوص الأخرى السابقة عليه. (9)
ويقابل هذا المفهوم عند دريدا فكرة التكرارية التي تلغي الحدود بين النصوص ومن ثم تمهد الطريق لتداخلها. هكذا تعدَّدت المفاهيم والرؤى حول هذا المفهوم تناسباً مع المذاهب والنظريات النقدية كالبنيوية، والسيميولوجية، والتفكيكية.
===========================
نقّادُ الحداثة والتَّنَاص:
وقف نقاد الحداثة مطولاً أمام إشكالية التناص ومفاهيمه وتعاريفه ، فقد فرض هذا المصطلح نفسه بقوة على مجمل الباحثين ودارسي النقد، فنظرَ كلٌّ منهم بطريقة معينة إليه، لكنّهم لم يخرجوا عن الدائرة التي رسمته كرستيفا، مُبدِعَةُ هذا المصطلح، في شرحها مفهومه، رغم لجوء بعضهم إلى دراساتٍ إجرائية على نصوصٍ كثيرة حديثةٍ وقديمة، كالناقد الدكتور عبد الله الغذامي، ومحمد بنيس، وعبد الملك مرتاض، وعبدالله النطاوي، وآخرون. وهؤلاء ساروا على منهج كرستيفا في تعاملهم في مسألة التّناص.
فالباحث عبد الله النّطاوي يؤكّد على أهمية استفادة الكاتب ممّا سبقه من تجارب وخبرات، حتى التراثية، فعندما يبدأ لمبدع كتابة نصّه يجد أنَّ ثمة ركاماً من الصور يتزاحم على ذاكرته بمجرده في تصوير التجربة ، فأمامه تجربته الخاصة ، وأمامه معطيات واقعه ، ومن خلفه مقومات تراث ممتد ضارب في أعماقه ، يدفع إليه بالأشباه والنظائر بما لا يمنعه من حق التوقف أمامها والتأمل لمقاومتها والإفادة منها(13)
وينظر د. مرتاض على أنَّ التناص لا يتوقف عند المضمون أو الفكرة أو المحتوى، إنما يشمل الشّكل أيضاً، رغم اتكاء الإنسان، الشاعر، على ما سبقه من تجارب وكتابات، مدوّنة او شفوية، فالشاعر يعيد إنتاج ما تقدمه وما عاصره من نصوص مكتوبة وغير مكتوبة …أو ينتقي منها صورة أو موقفاً درامياً أو تعبيراً ذا قوة رمزية، ولكننا نعلم جميعاً أنه لا مضمون خارج الشكل ، بل إن الشكل هو المتحكم في المتناص والموجه إليه ، وهو هادي المتلقي لتحديد النوع الأدبي ، ولإدراك التناص ، وفهم العمل الأدبي تبعاً لذلك. (14)
فالتّناص لا يقومُ كلّه على مستوى واحد، بل يتعدّد المستوى طبقاً لدرجة التداخل النّصي، فإذا كان الأمر يتعلق بفنيات عامة للجنس الأدبي، كالأوزان والإيقاع في الشعر، والحوار والشخصيات في المسرح، والسرد والحبكة في القصة والرواية، فإنّما ذلك من الدرجة الدنيا من التّناص، وهذا ما يقارب مفهوم د. صلاح فضل لدرجات التّناص، ويؤكّد على أن التحولات النصية لا تقوم كلها في درجة واحدة، بل هناك درجات عديدة للتّناص، مما يمكن أنْ يقودنا إليه التحليل النّصي، فهناك خواص شكلية محددة، مثل الإيقاعات والأوزان والأبنية المقطعية، ومثل أنماط الشخصيات والمواقف التي يمكن استخدامها كحدّ أدني للتّناص. على اعتبار ما ترفضه في استخدامها مجموعة الأعراف التقليدية المتصلة بكلّ جنس من الأجناس الأدبية. وتتمثل الدرجة الوسطى من التناص في الإشارات المتضمنة والانعكاسات غير المباشرة، سواء كانت بالقبول أو الرفض، لنصوص أخرى تتعالق معها. مما يعتدّ به كمجال فعلي للتناص الحقيقي، أما الدرجة القصوى من التناص فتقوم فيها تلك الممارسات الاقتباسية التي نراها مثلاً في ( الباروديا) والمعارضات مما يحيل على مجموعة الشّفرات والأسلوبية و البلاغية، المستخدمة في نصوص سابقة، بشكل لا يمكن أن يخفى على القارئ المتوسط، وهو المجال الذي تمثله أبواب السرقات في النقد العربي القديم، مغفلة أهمية التوليد والتواصل، ومدرجة للتحليل الأدبي في نطاق النقد المعياري الأخلاقي ، بالرغم من استخدامها لمصطلح الحسن في بعض الأحيان.(15).
وفي هذا المجال لا بدّ أنْ نذكر الفضيحة التي وقع فيها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، الذي كان يكتب زاوية أسبوعية في جريدة المساء الجزائرية، حيث سطا، وفق ما ذكرته الصحف الجزائرية، على نصّ دراسة محمد بنيس المعنونة بـ (بيان الكتابة) ، والمنشورة في مجلة ( الثقافة الجديدة) عدد19 عام م9981م، وفي حداثة السّؤال،كتاب الحداثة العربية في الشعر والثقافة الصادر عن دار التنوير ببيروت، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ط1 1985م. و حينذاك سميت بقضية (بوجدرة وبنيس). ونورد إشارة تؤكّد ذلك.
يقول محمد بنيس في بيان الكتابة ص29( أما بنية المكان فهي التي تجاهلها أو جهلها نقاد الشّعر المعاصر في عموم العالم العربي وقد أسرهم الإيقاع، وما ذلك إلا انحيازهم للكلام وإلغائهم للكتابة، وهم في موقفهم هذا على عكس بعض الشعراء والنقاد الأندلسيين والمغاربة القدامى، وكذلك بعض الشعراء الآسيويين، يابانيين وصينيين، الذين جعلوا من التركيب الخطى بعداً بلاغياً يفتح النّص على البصر- بعد أن اكتفوا بالسمع زمناً طويلاً…)( 16)
ويأتي رشيد بوجدرة ليكتب في زاويته الأسبوعية في جريدة (المساء) الجزائرية يوم الخميس تاريخ 11/12/1986م (أما بنية المكان فهي التي تجاهلها أو جهلها نقاد الشّعر المعاصر في عموم العالم العربي، وقد أسرهم الإيقاع والاسراد نثراً، و ذلك إلا انحيازهم للكلام وإلغائهم للكتابة، وهم في موقفهم هذا على عكس بعض الشعراء والنقاد الأندلسيين والمغاربة القدامى الذين جعلوا من التركيب الخطى بعداً بلاغياً يفتح النّص على البصر بعد أن اكتفى بالسمع زمناً طويلاً…).
طبعاً السّطو واضحٌ للغاية، ولم يشر بوجدرة إلى المصدر أو المرجع ولو لمرة واحدة، مما دفع الكثيرين إلى الكتابة عن هذا الموضوع . والمسألة هنا تجاوزت مفهوم التّناص، لأنّها سرقة حرفية لا يتحتاج إلى البحث والتحليل.
لكن ليس دائماً يمكن تتبع ظاهرة التناص بين النّصوص الشعرية، فكثيراً ما يكون النّص الأول، الحاضر، قد امتصّ النّص الثاني، الغائب، بطريقة اللعب على اللغة، إلى درجة انحلال المعاني، أو المفردات والتراكيب من النصّ الغائب في ثنايا النّص الحاضر بحيث يتوه القارئ في تلمّس جوهر السابق في اللاحق، إلا أنّ الناقد الحاذق، قد يكتشف وجود دلائل من النّص الغائب في النّص الحاضر، تستمرّ وتجدّد اعتماداً على قانون الامتصاص. والباحث محمد بنيس يذكر نماذج كثيرة من هذا القبيل في كتباه ظاهرة الشّعر المعاصر، لكن دون أن يظهر بجلاء مدى التداخل النّصي بين النماذج المذكورة، مكتفياً بأنّ ( هذا النّص إعادة كتابة للنّص السابق). وينطلق الباحث محمد بنيس من مفهوم ” الذاكرة الشعرية ” ويُقصّد بها ” جميع الشعر الإنساني ” مما يعلق بأذهان الشعراء وقد ينسونه، ومع ذلك يتسرّب إلى ما يكتبونه.(16)
وفي الوقت نفسه انتقد طريقة حسن الطريبق الذي تعرّض لعبارة المجاطي الشعرية المشهورة ( تُسعفني الكأسُ ولا تُسعفني العبارة) المتداخلة مع بيت مسلم بن الوليد في قوله:
قصيدٌ وكأسٌ كيف يلتقيان سبيلاهما في القلب يختلفان
ورغم ذلك لم يتجاوز السطحية في تفكيك النّصوص المتداخلة ، ولا يحدّد مواضع التّشابه والاختلاف بين ما تعالَقَ من النّصين حتى نستسيغ حكمه النهائي.(17)
===========================
من الانفتاح إلى المغامرة
خلات ونارين
(1 )
(سيرة نهر، في سكرة نبض ديرك)
القصيدة الأولى، سيرة نهرٍ، منشورة في مجموعة خلات أحمد الثانية (مذكرات زهرة الأوكاليبتوس) ط 1 – 2006 دار أزمنة للنشر والتوزيع الأردن – عمان .
والقصيدة الثانية، في سكرة نبض ديرك، منشورة في مجموعة نارين عمر (حيث الصمت يحتضر)ط1- 2008 دار الزمان للطباعة والنشر، سوريا- دمشق.
قصيدة سيرة نهر، تحتل سبعٍ وثلاثين صفحة، وتتكون من عشرين مقطعاً وهي نصٌّ شعريٌّ طافحٌ بالسّرد. وترصد القصيدة سيرة نهرٍ يطوّق خاصرة مدينة ديرك (المالكية) الواقعة في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، وبهذه السّيرة تغنّي خلات لمعالمَ وأمكنة وأسماء مؤرشفة في ذاكرتها الشعرية، بلغة شعرية متكئة على السِّرد في ذكر التَّفاصيل. ففي المقطع الرابع جاءت:
(بعد الجسر، وفي ارتفاع الوهدة إلى اليمين، تطلّ كنيسة ” مار يعقوب ” على البلدة، أنا صرير أبوابها في عودة الغائبين، رشرشة المياه على تراب دورها عصراً …. وها أنا ومريم في المصلى نبكي)ص55. في هذا المقطع تبين الشاعرة خلات أهمية إطلالة الكنيسة على ديرك، ومدى تعلّق الناس بها دينياً، وتقرّبهم منها طلباً للمغفرة. والكنائس في ديرك من المعالم الدينية البارزة فيها، ومن رموزها التي تفرض حضورها على الذاكرة.
وعلى المعنى ذاته تطرح نارين عمر أهمية الكنيسة في نظر النّاس، ومدى تعلّقهم بها، وتعوّدوا على المرور بالكنيسة، وتعليق حجارتهم بها، لقراءة طالعهم، ومعرفة مستقبلهم ، وتمسُّكُ الصّغار بمفهوم قراءة المندل، ومعرفة الطَّالع، عن طريق حجارة صغيرة يعلّقونها بالكنيسة، عادةٌ ورثوها من الكبار ومن النظرة الدينية إلى المستقبل. تقول نارين عمر :
(متبتلو دير العذراء
الصغار
كانوا يعّدون الحجارة الصغير
بكوثر ريقهم
أملاً في غدٍ أبهى ) ص 46
مفهوم هذا المقطع متداخل مع مفهوم خلات أحمد للمعبد نفسه، وإن اختلفت التسمية، فخلات تذكر كنيسة مار يعقوب كونها تقع جغرافياً في مساحة ” سيرة نهر ” ، ونارين عمر تذكر كنيسة العذراء كونها أقرب إلى المعالم التي شملتها قصيدة نارين جغرافياً من كنيسة ” مار يعقوب” في الطرف القصيّ من المدينة.
فذكْرُ إحدى الكنائس وما يتعلّق بها( عودة الغائبين ورشرشة المياه على ترابها عصراً، والبكاء في المصلى…) يستدعي إلى الذاكرة، الكنيسة الأخرى وما يتعلق بها(كانوا يعّدون الحجارة الصغير،بكوثر ريقهم، أملاً في غدٍ أبهى)، في الكنيسة الأولى ثمّة بكاء في المصلى، طلباً للمغفرة وتأمين المستقبل الآخروي، وفي الكنيسة الثانية ثمّة لهفةٌ لمعرفة الطالع في المستقبل الدّنيوي. فالتّداخل النّصي هنا حصل في المدلول الدّيني، حيثُ تسرّبَ نصّ خلات إلى نصّ نارين تجسيداً لذلك المدلول الديني، سواء وعت نارين بذلك أم لم تعِ، والتّداخل النّصي، كمعاني مشتركة، يحصل إما بدراية من صاحب النّص الثاني، أو بدون دراية، أي بفعل سلطة الذّاكرة.
في المقطع السَّابع من قصيدة خلات : (ضجّ النَّهر بمسيرته الشمالية، مال غرباً، تقرَّب من مدرسة الشهيد ” خضر الداوود بن صلبي ” ، يتسمع الأناشيد تعلو بها حناجر الصّغار، تقوّم عصا الآنسة ألسنتهم ) ص 58 .
ففي هذه المقطع ثمَّة عناصر مدرسية : ( مدرسة، مع تسميتها (خضر الداوود) وأطفال، وأناشيد، و آنسة).
هنا يكون الضجيج دائماً، فحيثما تجدْ مكاناً يغصُّ بالصّغار تسمعْ ضجيجاً وأغاني وزعيقاً.
مدرسة خضر الداوود، ترتفع عليها أصوات الأطفال يغنّون أناشيد مدرسية بلكنتهم المكسرة، مكانٌ للتعليم، يضجُّ بالحيوية. وسبب كتابة خلات عن المدرسة، وقوعها في طريق النّهر المتهادي بين ثنايا المدينة، وفي مقطع لقصيدة نارين :
(مدرسة خولة
رانية إلى ناظم
صفعت شعوري بعتابٍ رقيق
زقزقة التلاميذ أذهلتني
صفعة أخرى جاءتني من الطليعة
أهازيج الصبايا
حطت في عشّ حنيني ..ص50
نلاحظ أنّه ثمّة العناصر المدرسية نفسها( مدارسٌ، وأسماؤها (خولة، ناظم، الطليعة، وأطفال، وأناشيد، وصبايا وزعيق).
هذه المعاني ليست معْلَماً خاصاً بديرك حتى تأتي إحدى الشاعرات لتكرّر ذكرها، المدارس وذكرياتها تملأ ذاكرة كلّ إنسان. لكن لِمَ وقفت الاثنتان على الموضوع ذاته؟ المدرسة والضّجيج؟ والأطفال؟ في قصيدة (سيرة نهر) ثمة سبب موضوعيّ وهو ميلان النّهر وتغيير اتجاهه، بما يجعله يستمع لأغاني الأطفال، بينما المقطع الذي جاء في قصيدة نارين عمر لم يرتكز إلى دواعية موضوعية لذكره في ذاك المكان من القصيدة، وحتى لو توفرت المبررات الفنية له ، يمكن لنا أنّ ندّعي بأنّه نوعٌ من التداخل والتلاقي والتقاطع حسب تعريف كرستيفا للتناص (مجال تقاطع وتلاقٍ وتداخل واندماج وتحاور مجموعة من النّصوص ) فاستحضار مفاهيم معينة من نصوصٍ سابقة وطرحها في سياقٍ جديدٍ هو ما أطلقت عليه كرستيفا بعملية ( الهدم والبناء أو النفي والإثبات المتزامنين)(19)
يواصل النّهر مسيرته في المقطع الثّامن فـ(يتلكأ أمام الصبية، يصعدون شجرة التوت الأسود، يزاحمون عصافيرها، فتتركنها لهم. يقطفون حبات التوت الناضجة من أغصانها إلى أفواههم حلوةً ونظيفةً. تستيقظ (آمنة كلش ) من قيلولتها وتصيح بهم: دعوا للعصافير ما تنقره يا أولاد الحرام ). ص 59
نلاحظ أنّ خلات تعود بذاكرتنا إلى أيام الطّفولة والمزاحمة مع العصافير على التقاط حبات التّوت، فتنهرهم آمنة كلش. فالصورة الشعرية ترتكز على أيام الطّفولة، حيث شجرة التّوت، والأطفال، والسّباق والمزاحمة على أكلها، والمعنى نفسه يتكرّر لدى نارين عمر في سياقٍ مختلف في المقطع التالي:
(أطفال يتسابقون على
تذوّق توت ملاي حمدية ).ص45
فالأفكار نفسها: الأطفال ، المزاحمة والسباق على التوت، وحضور شخصية اعتبارية واجتماعية ، آمنة كلش عند خلات ، وملاي حمدية عند نارين)
صحيحٌ أنّ طفولتيهما متشابهتان، والتّشابه يجمع طفولة معظم أبناء الحارة الواحدة في المدينة، حيث يقضي الطفل جلّ وقته في اللعب خارج المنزل ، في الشوارع و التسلق على الأشجار، واللعب الجماعي. لكن يمكن أن يصف أحدهم شيئاً له حضوره في الذاكرة أكثر من شيء آخر . وفي هذا السياق، يحقّ للقارئ التأكيد أنَّ القراءات السابقة للمبدع قد تؤثّر في النّص، المولود الجديد، بوعيٍّ من الكاتب، فيقوم بتضمين نصّه بعض التعبيرات، متناثرةً، أو شيئاً من المعاني، في صياغاتٍ جديدة.
جاء في قصيدة خلات، المقطع العاشر:
(بعد شجرة التوت والساحة الترابية، يسكن ” محمود الحموي ” لم يعد أحد يذكر اسمه، هي ذاكرتي الطفولية توهّجت للحظةٍ أقصر من رمشة، فلمع اسمه واختفى من جديد في سيرته الغامضة. … أغدقت يداه على الأطفال سكراً، يغلي السكر على النار هادئة، يضيف إلى ذوبانه الصباغ الأحمر، يتلقفه، يجعله حبالاً رفيعة، يلفها على عود صغيرٍ، فتصبح ” علوكه ” …. صار ” علوكه ” اسم العائلة، يعرفه كل أطفال البلدة، لم نسمع صوته إلا وهو ينادي ” علوكه .. علوكه ” .)
في هذا المقطع تبين خلات الفرحة التي غمرت قلوب الأطفال بقدوم بائع ” علوكه ” وتوضّح شيئاً من سيرته الغامضة، ببضاعته تلك أصبح الحموي علَمَاً حاضراً لدى الأطفال، ومرور النّهر في سيرِهِ التّاريخي العريق له صولات وجولات مع منزل محمود الحموي، وهذا ما استدعى لمعان علوكه في ذاكرة خلات. أما في قصيدة نارين ، فقد وردتْ ذكر الأطفال العابثين مع بركة الرّجال، مما استدعى ذكر تهافتهم مع الحموي وبضاعته اللذيذة علوكه.
فالأطفال الذين يرغبون في طالع قادم أيامهم :
(…. يتهافتون على أنغام
أبي أحمدٍ الحموي
علوكه يا أولاد
علوكه يا أولاد …)ص46
فهل جاءت هذه المعاني من باب الصّدفة؟ هناك عشرات الأمثلة من البائعين المتجولين يبيعون بضائع مختلفة، ويتعلّق بصوتهم الأطفال، كبائع الألبسة، و آيس كريم (دوندرمه) وبائع الخضرة، وغيرهم، هل جاء هذا التّناص من باب وقع الحافر على الحافر؟ أم وجدت نارين أنّ مشهد تهافت الصّغار على علوكه ضرورة موضوعية في قصيدتها؟ هذا التّكرار في ذكر الأفكار المشتركة يضع الشاعرتين وجهاً لوجه أمام مفهوم دريدا (فكرة التكرارية) التي تلغي الحدود بين النصوص ومن ثم تمهّد الطريق لتداخلها، ووفق المعيار الزّمني فالنّصُ الغائبُ هو المُتداخِل مع النّصِّ الحاضر الذي يمتصّه ويصيغُ من معانيه نصّاً مختلفاً. إذاً فالتداخل النّصي شرطٌ من شروط الإبداع الجديد.
وفي المقطع الحادي عشر من قصيدة خلات وردت ذكر بستان عزيز جاجان:
(كان بستان ” عزيز جاجان ” يطل على النهر مغروراً بفاكهته و زهوره المعطرة …) ص66
البستان مزهوٌّ بفاكته، صديق لذاك النّهر التاريخي الذي اغتيل مؤخراً بعد غضب السماء و ما لحق به من أذى، بفعل عمل الإنسان المشين بحقّه.
(أسفت أشجار الزيزفون في بستان ” موسى ” المطلّ على النهر، لكلّ هذا الهتك الحميمية الترسيم الطبيعي الأول، ساقطت أوراقها، ذابت، انحسر البستان إلى عدة أشجارٍ فقط.) ص 76
إذا كانت قصيدة خلات تتناول سيرة نهرٍ يختزنُ في ذاكرته أحداثَ هذه المدينة وأهلها وتاريخها، فلا بدَّ أنْ يكون للبساتين العامرة نصيبٌ من هذه السيرة، ومن الطّبيعي أنْ يأتي ذكر بستانَي عزيز جاجان وموسى كونهما يجاوران ضفة النّهر.
وجاءت عبارات نارين عمر مبيّنة أنّ أحلام الصغار في بستان نادره .
(من حزن الخريف
خلتك أرجوحة
تهدهد أحلام الصغار
في بستان نادره) ص44
ركزت خلات على بستان عزيز جاجان، وبستان موسى ، لتكمل نارين البستان الثالث على يسار النّهر، من باب الشيء بالشيء يُذكَر، في عملية (التناصية الواسعة) فالبساتين الصّغيرة المنزلية المجاورة للنّهر لا تشكّل ذلك الحضور القوي في ذاكرة النّاس، وكما ذكرتنا أنّ وجود هذه البساتين على ضفة النّهر، بطل القصيدة، يفرض على النّص التحرّش بها وصياغتها كمنجز كلامي، وذكر البستان كمكانٍ لمراجيح الأطفال جاء من باب التناص الفكري، تأكيداً لفكرة أنجينو الذي يرى (أن أي نص يقع في نقطة التقاء عدد من النصوص، الذي هو في الوقت نفسه إعادة قراءة لها وتثبيت لها وتكثيف (لها) وانتقال (منها) ، وتعميق (لها)(20)
القشلة، الثكنة العسكرية التي تركها الفرنسيون في أعلى الرابية المطلة على جريان النّهر، معلمٌ من معالم تاريخ بناء هذه المدينة، بناءٌ حجريٌّ ضخم، مسوّر بأسلاك شائكة، صار مزاراً للمشاكسين الصّغار، ونثروا أدوات بنائه في كلّ مكان، هذا المَعْلَمُ العسكري فقد سطوته النفسية لدى الناس، بعد اقتحام الصغار لكواليسه. خلات أحمد تصف الثكنة مستخدمة كلمة (القشلة) بشكل عام، والقشلة هي نفسها الثّكنة، وتذكر أنّ المشنقة وحدها بقيت صامدة في وجه الزّمن. رغم فقدانها لسطوتها. والمشنقة هي أهم رمزٍ في ذاك البناء العسكري،كان له الأثر المخيف لدى النّاس.
(المشنقة بقيت صامدة… المشنقة اسمٌ لم نكترث أبداً للرعب الذي فيه، وبقينا نصعدها كلما ضاقت صدورنا بهواء القشلة…) ص 72 . المشنقة هنا تنوبُ عن القشلة كلّها، الجزء يحمل اسم الكلّ. ونارين عمر تذكر بأنَّ الثكنة فقدت هيبتها، والثكنة هي عبارة عن مباني العسكر،الساحة، والسور، والمشنقة، والبوابة… أيّ الاسم العام للمبنى الذي أخذَ هيبته من المشنقة، الكلّ يحتوي الجزء.
(تناغماً مع أنغام حجي محمد
الثكنة كانت ترثي وأدَ هيبَتِها) . ص44
وهذا يدلّ أنّ خلات فصَّلت مفردات الثكنة، وحدَّدت رمز الخوف فيها، بينما نارين وقفت عند كليّة الثكنة، مستفيدة من المعنى السابق. تطبيقاً بقول ابن الأثير: حيث لا يمكن أن يستغني الأخير عن الاستعارة من الأول ، بشرط التجديد والإبداع (21)
كما يجب أن ننظر كقراء إلى قوة وجمالية العبارة التي استخدمتها كلا الشاعرتين، وأعتقد أنّ الصيغة الشعرية عند خلات تفوق مثيلتها، في الفكرة نفسها، عند نارين، فعبارة خلات (المشنقةُ اسمٌ لم نكترث أبداً للرعب الذي فيه) تبيّن أنَّ المشنقة مازالت تحتفظ برعبها، بوصفها أداة للقمع والقتل والرّعب يختزن حتى في اسمها، بينما عبارة نارين ( الثّكنة كانت ترثي وأدَ هيبتها) فإذا كانت للثكنة هيبة، فهيبتها ناتجة عن الرعب الذي يشلّ أوصال الناس، ومفردة هيبة لا ترتقي إلى مرتبة الرعب عند الذين عايشوا أيام الثكنة. وأعتقد لو كانت خلات استخدمت مفردة( الرهبة) وجاءت نارين لتغيرها إلى الرعب، لحققت شرط الإبداع والتجديد في استعارة الفكرة.
تكمل خلات رواية سيرة نهر في المقطع السادس عشر بقولها: (يوصل الرَّصيف الكورنيش على الضفة اليمنى مع نبع ” العسكرية ” على اليسرى، يتدفق ماؤه منذ ما ينوف عن ستين عاماً من أنبوبٍ معدنيٍّ لا يصدأ، مغروس في مكعب من الإسمنت الأسود) ص 74 .
النبع العسكرية، نبعٌ معروفة في ديرك وقراها أيضاً، حيث كانت المصدر الأول للحارات القديمة التي انتشرت حولها، ومياهها عذبة ومستساغة، وتحولتْ مع مرور الزّمن إلى علامة جغرافية بارزة في المكان، خاصة بعد توسّع المدينة وزحفها في الاتجاهات كلّها، كان المكان، النّبع يغصّ بالنّساء، يجتمعن ويثرثرنَ ويتبادلنَ الأخبار والكلام، ثمّ يملأن جرارهن بالماء، والآن ورغم اندثارها، أصبحَ اسمهُا من معالم تاريخ المدينة.
في قصيدة خلات ثمّة إشارات إلى عمرها الزمني وأهميتها كأحد عناصر الطبيعة والحياة(تدفق الماء منذ ستين عاماً).
وفي قصيدة نارين جاء العبارات التّالية:
(عين العسكرية …
ذرفت دموعاً
لما رأتني ) ص45
وهي تؤكد استخدامها كمَعْلَم معروفٍ في المدينة، وذرفُ الدّموع مؤشّر على دلالة الاستمرارية والتدفق. ورغم محاولة نارين خلق شعور لدى المتلقي من خلال منح المكان (العَلَم) دلالة جديدة (تذرفُ) إلا أنّ النّص لم يستطع الفكاك من الوقوع في مطب إعادة إنتاج لمعنى بإيحائية غير مباشرة.
ثمّة أفكار تناصية مشتركة بين الشاعرتين، رغم عدم تكرار العبارات أو الجمل، أو المعالم المشتركة، لكنْ يلاحظ القارئ بوضوح أنّ هذا الأمر تسلّل في ثنايا النّص اللاحق بتأثير من النّص السابق. و المسألة هذه تُعَدُّ من تناصية المعاني، صحيح أنّ جاحظ ذكر منذ العهد العباسي أنّ المعاني على قارعة الطريق، في إشارة إلى أنّ المعنى قد يشترك فيه أكثر من كاتب، وكلّ يصوغه بطريقته.
وعند تفحّص كلا القصيدتين نلحظ أنَّ خلات ذكرت أماكن بارزة في المدينة نذكر منها ما لم يرد فيما سبق عند المقارنة : مسبح لطيفو، كازية سيد أحمد، دائرة التّجنيد، طريق قامشلي – عين ديوار، حارة المسيجيين، سينما إيليا، حارة خيركا، كنيسة مار شموني، قبة جامع السيد” نذير ” سد ” بورزه ” ، الجسر الفرنسي.
ونارين جاءت لتكمّل ما لم تذكره خلات : طاحونة ديرشوي، أحجار باجريقه، كفري حارو ، بهو الجامع الكبير( نفسه جامع السيد ” نذير ” ) المقبرة القديمة، نبع حمسيكي، حانوت موساكي عطار .
أيُعقل أن تأتي هذه الأسماء والأماكن جميعاً في قصيدة قصيرة واحدة؟ وهي ليست رواية أو قصة . ثمّ أليس الأسماء هذه مكمّلة لما ورد في قصيدة خلات؟
ثمَّ هناك أسماء لأشخاصٍ وشخصيات في البلدة، نذكر منها ما لم يرد في المقارنة سابقاً، فقد ورد عند خلات: الدكتور نافذ، نورالدين ظاظا، بسنة حجي عمر، وضحة، الجدة لَعْلِه، خليل عبد الغني وابنه القتيل، وزوجته سينم، ليلى المجنونة، رشويه موسى، محوي كوجر.
ثمَّ تأتي نارين وتكمّلها : حَسينة، دَرو المجنون، إبراهيم خاجو، حنا ديسجي، عمر سيف الدين – والد الشاعرة نارين – الحاجة ديوانه جدة كاتب هذه الدراسة وجدة رضوان رمو زوج نارين ، بريخان، حمو ليلو، صبري فندو، ملا حاجي.
كلّ هذه الأسماء والأعلام والشخصيات جاءت في ثنايا قصيدة لا تزيد عدد كلماتها عن مئتين وستين كلمة، وكأنّها أصبحت كتاباً للسجلّ المدني. بينما قصيدة خلات تتكوّن من ألفين وثمانمئة كلمة، عشرين مقطعاً مكثّفاً و طويلاً.
ويلاحظ أنّ ثمة تقابلات في الأسماء والشخصيات، في جغرافية المكان، رشويه موسى، يجاوره صبري فندو، وحّسينة تجاورها الحاجة ديوانه، ثمّ في الصفات ليلى المجنونة يقابلها درو المجنون.
وبعدُ، لن أعلّقَ أكثر من هذا، فالمقال، أو الدراسة إن صحت التعبير، أو القراءة ، قد بيّنتْ رأيَها بوضوح، ويبقى للقارئ الحكم الأصح، فلكلِّ إنسانٍ هفواته، وهفواتي تذوب في الصّمت في أكثر الأحيان.
=================================
المصادر والمراجع
1 – (أحمد الزعبي، ، التناص نظرياً وتطبيقياً ، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع ، الأردن ، ط2 ، 2000 ، ص 12)
2 – أخذا عن : محمد وهابي ” مفهوم التناص عند جوليا كرستيفا” علامات في النقد ” ــ النادي الأدبي بجدة ــ ج54 ــ م 14 شوال1425 هــ ديسمبر2004م .
3 – المصدر نفسه
4 – (محمد بنيس ، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها ، ج 3 : الشعر المعاصر، درا توبقال ، المغرب،ط1، 1990)
5 – رولان بارت : ” نظرية النص ، بحث مترجم ضمن كتاب ” آفاق التناصية..المفهوم
والمنظور ” ـ ترجمة د. محمد خير البقاعي، 30، الهيئة المصرية العام للكتاب ـ 1988م
6 – ( نظرية النّص ).
7 – مارك أنجينو ، ” التناصية … بحث في انبثاق حقل مفهومي وانتشاره ” ، 79 ، ضمن كتاب ” آفاق التناصية ” ، مرجع سابق 0
8 – (د 0 عبد الله الغذامي : ” الخطيئة والتكفير 00 من البنيوية إلى التشريحية ” ، 35 ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ط4 998 م
9 – المصدر نفسه.
10 د. عبد الله التطاوي : ” المعارضات الشعرية .. أنماط وتجارب ” ، 191، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع 1998م
11 د.عبد الملك مرتاض :” فكرة السرقات الأدبية ونظرية التناص “، 71 ـ مجلة ” علامات في النقد ” ـ النادي الأدبي بجدة ـ ج1 مج1 ـ 1و القعدة 1411 هـ مايو 1991 م
12 د. صلاح فضل ، مجلة عالم المعرفة ، الكويت ، بلاغة الخطاب وعلم النص، عدد164 عام 1992م. ص 223
13 حداثة السّؤال،كتاب الحداثة العربية في الشعر والثقافة الصادر عن دار التنوير ببيروت، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ط1 1985م. ص29
وفي الوقت نفسه انتقد طريقة حسن الطريبق الذي تعرّض لعبارة المجاطي الشعرية المشهورة ( تُسعفني الكأسُ ولا تُسعفني العبارة) المتداخلة مع بيت مسلم بن الوليد في قوله:
قصيدٌ وكأسٌ كيف يلتقيان سبيلاهما في القلب يختلفان
ورغم ذلك لم يتجاوز السطحية في تفكيك النّصوص المتداخلة ، ولا يحدّد مواضع التّشابه والاختلاف بين ما تعالَقَ من النّصين حتى نستسيغ حكمه النهائي.(17)
===========================
من الانفتاح إلى المغامرة
خلات ونارين
(1 )
(سيرة نهر، في سكرة نبض ديرك)
القصيدة الأولى، سيرة نهرٍ، منشورة في مجموعة خلات أحمد الثانية (مذكرات زهرة الأوكاليبتوس) ط 1 – 2006 دار أزمنة للنشر والتوزيع الأردن – عمان .
والقصيدة الثانية، في سكرة نبض ديرك، منشورة في مجموعة نارين عمر (حيث الصمت يحتضر)ط1- 2008 دار الزمان للطباعة والنشر، سوريا- دمشق.
قصيدة سيرة نهر، تحتل سبعٍ وثلاثين صفحة، وتتكون من عشرين مقطعاً وهي نصٌّ شعريٌّ طافحٌ بالسّرد. وترصد القصيدة سيرة نهرٍ يطوّق خاصرة مدينة ديرك (المالكية) الواقعة في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، وبهذه السّيرة تغنّي خلات لمعالمَ وأمكنة وأسماء مؤرشفة في ذاكرتها الشعرية، بلغة شعرية متكئة على السِّرد في ذكر التَّفاصيل. ففي المقطع الرابع جاءت:
(بعد الجسر، وفي ارتفاع الوهدة إلى اليمين، تطلّ كنيسة ” مار يعقوب ” على البلدة، أنا صرير أبوابها في عودة الغائبين، رشرشة المياه على تراب دورها عصراً …. وها أنا ومريم في المصلى نبكي)ص55. في هذا المقطع تبين الشاعرة خلات أهمية إطلالة الكنيسة على ديرك، ومدى تعلّق الناس بها دينياً، وتقرّبهم منها طلباً للمغفرة. والكنائس في ديرك من المعالم الدينية البارزة فيها، ومن رموزها التي تفرض حضورها على الذاكرة.
وعلى المعنى ذاته تطرح نارين عمر أهمية الكنيسة في نظر النّاس، ومدى تعلّقهم بها، وتعوّدوا على المرور بالكنيسة، وتعليق حجارتهم بها، لقراءة طالعهم، ومعرفة مستقبلهم ، وتمسُّكُ الصّغار بمفهوم قراءة المندل، ومعرفة الطَّالع، عن طريق حجارة صغيرة يعلّقونها بالكنيسة، عادةٌ ورثوها من الكبار ومن النظرة الدينية إلى المستقبل. تقول نارين عمر :
(متبتلو دير العذراء
الصغار
كانوا يعّدون الحجارة الصغير
بكوثر ريقهم
أملاً في غدٍ أبهى ) ص 46
مفهوم هذا المقطع متداخل مع مفهوم خلات أحمد للمعبد نفسه، وإن اختلفت التسمية، فخلات تذكر كنيسة مار يعقوب كونها تقع جغرافياً في مساحة ” سيرة نهر ” ، ونارين عمر تذكر كنيسة العذراء كونها أقرب إلى المعالم التي شملتها قصيدة نارين جغرافياً من كنيسة ” مار يعقوب” في الطرف القصيّ من المدينة.
فذكْرُ إحدى الكنائس وما يتعلّق بها( عودة الغائبين ورشرشة المياه على ترابها عصراً، والبكاء في المصلى…) يستدعي إلى الذاكرة، الكنيسة الأخرى وما يتعلق بها(كانوا يعّدون الحجارة الصغير،بكوثر ريقهم، أملاً في غدٍ أبهى)، في الكنيسة الأولى ثمّة بكاء في المصلى، طلباً للمغفرة وتأمين المستقبل الآخروي، وفي الكنيسة الثانية ثمّة لهفةٌ لمعرفة الطالع في المستقبل الدّنيوي. فالتّداخل النّصي هنا حصل في المدلول الدّيني، حيثُ تسرّبَ نصّ خلات إلى نصّ نارين تجسيداً لذلك المدلول الديني، سواء وعت نارين بذلك أم لم تعِ، والتّداخل النّصي، كمعاني مشتركة، يحصل إما بدراية من صاحب النّص الثاني، أو بدون دراية، أي بفعل سلطة الذّاكرة.
في المقطع السَّابع من قصيدة خلات : (ضجّ النَّهر بمسيرته الشمالية، مال غرباً، تقرَّب من مدرسة الشهيد ” خضر الداوود بن صلبي ” ، يتسمع الأناشيد تعلو بها حناجر الصّغار، تقوّم عصا الآنسة ألسنتهم ) ص 58 .
ففي هذه المقطع ثمَّة عناصر مدرسية : ( مدرسة، مع تسميتها (خضر الداوود) وأطفال، وأناشيد، و آنسة).
هنا يكون الضجيج دائماً، فحيثما تجدْ مكاناً يغصُّ بالصّغار تسمعْ ضجيجاً وأغاني وزعيقاً.
مدرسة خضر الداوود، ترتفع عليها أصوات الأطفال يغنّون أناشيد مدرسية بلكنتهم المكسرة، مكانٌ للتعليم، يضجُّ بالحيوية. وسبب كتابة خلات عن المدرسة، وقوعها في طريق النّهر المتهادي بين ثنايا المدينة، وفي مقطع لقصيدة نارين :
(مدرسة خولة
رانية إلى ناظم
صفعت شعوري بعتابٍ رقيق
زقزقة التلاميذ أذهلتني
صفعة أخرى جاءتني من الطليعة
أهازيج الصبايا
حطت في عشّ حنيني ..ص50
نلاحظ أنّه ثمّة العناصر المدرسية نفسها( مدارسٌ، وأسماؤها (خولة، ناظم، الطليعة، وأطفال، وأناشيد، وصبايا وزعيق).
هذه المعاني ليست معْلَماً خاصاً بديرك حتى تأتي إحدى الشاعرات لتكرّر ذكرها، المدارس وذكرياتها تملأ ذاكرة كلّ إنسان. لكن لِمَ وقفت الاثنتان على الموضوع ذاته؟ المدرسة والضّجيج؟ والأطفال؟ في قصيدة (سيرة نهر) ثمة سبب موضوعيّ وهو ميلان النّهر وتغيير اتجاهه، بما يجعله يستمع لأغاني الأطفال، بينما المقطع الذي جاء في قصيدة نارين عمر لم يرتكز إلى دواعية موضوعية لذكره في ذاك المكان من القصيدة، وحتى لو توفرت المبررات الفنية له ، يمكن لنا أنّ ندّعي بأنّه نوعٌ من التداخل والتلاقي والتقاطع حسب تعريف كرستيفا للتناص (مجال تقاطع وتلاقٍ وتداخل واندماج وتحاور مجموعة من النّصوص ) فاستحضار مفاهيم معينة من نصوصٍ سابقة وطرحها في سياقٍ جديدٍ هو ما أطلقت عليه كرستيفا بعملية ( الهدم والبناء أو النفي والإثبات المتزامنين)(19)
يواصل النّهر مسيرته في المقطع الثّامن فـ(يتلكأ أمام الصبية، يصعدون شجرة التوت الأسود، يزاحمون عصافيرها، فتتركنها لهم. يقطفون حبات التوت الناضجة من أغصانها إلى أفواههم حلوةً ونظيفةً. تستيقظ (آمنة كلش ) من قيلولتها وتصيح بهم: دعوا للعصافير ما تنقره يا أولاد الحرام ). ص 59
نلاحظ أنّ خلات تعود بذاكرتنا إلى أيام الطّفولة والمزاحمة مع العصافير على التقاط حبات التّوت، فتنهرهم آمنة كلش. فالصورة الشعرية ترتكز على أيام الطّفولة، حيث شجرة التّوت، والأطفال، والسّباق والمزاحمة على أكلها، والمعنى نفسه يتكرّر لدى نارين عمر في سياقٍ مختلف في المقطع التالي:
(أطفال يتسابقون على
تذوّق توت ملاي حمدية ).ص45
فالأفكار نفسها: الأطفال ، المزاحمة والسباق على التوت، وحضور شخصية اعتبارية واجتماعية ، آمنة كلش عند خلات ، وملاي حمدية عند نارين)
صحيحٌ أنّ طفولتيهما متشابهتان، والتّشابه يجمع طفولة معظم أبناء الحارة الواحدة في المدينة، حيث يقضي الطفل جلّ وقته في اللعب خارج المنزل ، في الشوارع و التسلق على الأشجار، واللعب الجماعي. لكن يمكن أن يصف أحدهم شيئاً له حضوره في الذاكرة أكثر من شيء آخر . وفي هذا السياق، يحقّ للقارئ التأكيد أنَّ القراءات السابقة للمبدع قد تؤثّر في النّص، المولود الجديد، بوعيٍّ من الكاتب، فيقوم بتضمين نصّه بعض التعبيرات، متناثرةً، أو شيئاً من المعاني، في صياغاتٍ جديدة.
جاء في قصيدة خلات، المقطع العاشر:
(بعد شجرة التوت والساحة الترابية، يسكن ” محمود الحموي ” لم يعد أحد يذكر اسمه، هي ذاكرتي الطفولية توهّجت للحظةٍ أقصر من رمشة، فلمع اسمه واختفى من جديد في سيرته الغامضة. … أغدقت يداه على الأطفال سكراً، يغلي السكر على النار هادئة، يضيف إلى ذوبانه الصباغ الأحمر، يتلقفه، يجعله حبالاً رفيعة، يلفها على عود صغيرٍ، فتصبح ” علوكه ” …. صار ” علوكه ” اسم العائلة، يعرفه كل أطفال البلدة، لم نسمع صوته إلا وهو ينادي ” علوكه .. علوكه ” .)
في هذا المقطع تبين خلات الفرحة التي غمرت قلوب الأطفال بقدوم بائع ” علوكه ” وتوضّح شيئاً من سيرته الغامضة، ببضاعته تلك أصبح الحموي علَمَاً حاضراً لدى الأطفال، ومرور النّهر في سيرِهِ التّاريخي العريق له صولات وجولات مع منزل محمود الحموي، وهذا ما استدعى لمعان علوكه في ذاكرة خلات. أما في قصيدة نارين ، فقد وردتْ ذكر الأطفال العابثين مع بركة الرّجال، مما استدعى ذكر تهافتهم مع الحموي وبضاعته اللذيذة علوكه.
فالأطفال الذين يرغبون في طالع قادم أيامهم :
(…. يتهافتون على أنغام
أبي أحمدٍ الحموي
علوكه يا أولاد
علوكه يا أولاد …)ص46
فهل جاءت هذه المعاني من باب الصّدفة؟ هناك عشرات الأمثلة من البائعين المتجولين يبيعون بضائع مختلفة، ويتعلّق بصوتهم الأطفال، كبائع الألبسة، و آيس كريم (دوندرمه) وبائع الخضرة، وغيرهم، هل جاء هذا التّناص من باب وقع الحافر على الحافر؟ أم وجدت نارين أنّ مشهد تهافت الصّغار على علوكه ضرورة موضوعية في قصيدتها؟ هذا التّكرار في ذكر الأفكار المشتركة يضع الشاعرتين وجهاً لوجه أمام مفهوم دريدا (فكرة التكرارية) التي تلغي الحدود بين النصوص ومن ثم تمهّد الطريق لتداخلها، ووفق المعيار الزّمني فالنّصُ الغائبُ هو المُتداخِل مع النّصِّ الحاضر الذي يمتصّه ويصيغُ من معانيه نصّاً مختلفاً. إذاً فالتداخل النّصي شرطٌ من شروط الإبداع الجديد.
وفي المقطع الحادي عشر من قصيدة خلات وردت ذكر بستان عزيز جاجان:
(كان بستان ” عزيز جاجان ” يطل على النهر مغروراً بفاكهته و زهوره المعطرة …) ص66
البستان مزهوٌّ بفاكته، صديق لذاك النّهر التاريخي الذي اغتيل مؤخراً بعد غضب السماء و ما لحق به من أذى، بفعل عمل الإنسان المشين بحقّه.
(أسفت أشجار الزيزفون في بستان ” موسى ” المطلّ على النهر، لكلّ هذا الهتك الحميمية الترسيم الطبيعي الأول، ساقطت أوراقها، ذابت، انحسر البستان إلى عدة أشجارٍ فقط.) ص 76
إذا كانت قصيدة خلات تتناول سيرة نهرٍ يختزنُ في ذاكرته أحداثَ هذه المدينة وأهلها وتاريخها، فلا بدَّ أنْ يكون للبساتين العامرة نصيبٌ من هذه السيرة، ومن الطّبيعي أنْ يأتي ذكر بستانَي عزيز جاجان وموسى كونهما يجاوران ضفة النّهر.
وجاءت عبارات نارين عمر مبيّنة أنّ أحلام الصغار في بستان نادره .
(من حزن الخريف
خلتك أرجوحة
تهدهد أحلام الصغار
في بستان نادره) ص44
ركزت خلات على بستان عزيز جاجان، وبستان موسى ، لتكمل نارين البستان الثالث على يسار النّهر، من باب الشيء بالشيء يُذكَر، في عملية (التناصية الواسعة) فالبساتين الصّغيرة المنزلية المجاورة للنّهر لا تشكّل ذلك الحضور القوي في ذاكرة النّاس، وكما ذكرتنا أنّ وجود هذه البساتين على ضفة النّهر، بطل القصيدة، يفرض على النّص التحرّش بها وصياغتها كمنجز كلامي، وذكر البستان كمكانٍ لمراجيح الأطفال جاء من باب التناص الفكري، تأكيداً لفكرة أنجينو الذي يرى (أن أي نص يقع في نقطة التقاء عدد من النصوص، الذي هو في الوقت نفسه إعادة قراءة لها وتثبيت لها وتكثيف (لها) وانتقال (منها) ، وتعميق (لها)(20)
القشلة، الثكنة العسكرية التي تركها الفرنسيون في أعلى الرابية المطلة على جريان النّهر، معلمٌ من معالم تاريخ بناء هذه المدينة، بناءٌ حجريٌّ ضخم، مسوّر بأسلاك شائكة، صار مزاراً للمشاكسين الصّغار، ونثروا أدوات بنائه في كلّ مكان، هذا المَعْلَمُ العسكري فقد سطوته النفسية لدى الناس، بعد اقتحام الصغار لكواليسه. خلات أحمد تصف الثكنة مستخدمة كلمة (القشلة) بشكل عام، والقشلة هي نفسها الثّكنة، وتذكر أنّ المشنقة وحدها بقيت صامدة في وجه الزّمن. رغم فقدانها لسطوتها. والمشنقة هي أهم رمزٍ في ذاك البناء العسكري،كان له الأثر المخيف لدى النّاس.
(المشنقة بقيت صامدة… المشنقة اسمٌ لم نكترث أبداً للرعب الذي فيه، وبقينا نصعدها كلما ضاقت صدورنا بهواء القشلة…) ص 72 . المشنقة هنا تنوبُ عن القشلة كلّها، الجزء يحمل اسم الكلّ. ونارين عمر تذكر بأنَّ الثكنة فقدت هيبتها، والثكنة هي عبارة عن مباني العسكر،الساحة، والسور، والمشنقة، والبوابة… أيّ الاسم العام للمبنى الذي أخذَ هيبته من المشنقة، الكلّ يحتوي الجزء.
(تناغماً مع أنغام حجي محمد
الثكنة كانت ترثي وأدَ هيبَتِها) . ص44
وهذا يدلّ أنّ خلات فصَّلت مفردات الثكنة، وحدَّدت رمز الخوف فيها، بينما نارين وقفت عند كليّة الثكنة، مستفيدة من المعنى السابق. تطبيقاً بقول ابن الأثير: حيث لا يمكن أن يستغني الأخير عن الاستعارة من الأول ، بشرط التجديد والإبداع (21)
كما يجب أن ننظر كقراء إلى قوة وجمالية العبارة التي استخدمتها كلا الشاعرتين، وأعتقد أنّ الصيغة الشعرية عند خلات تفوق مثيلتها، في الفكرة نفسها، عند نارين، فعبارة خلات (المشنقةُ اسمٌ لم نكترث أبداً للرعب الذي فيه) تبيّن أنَّ المشنقة مازالت تحتفظ برعبها، بوصفها أداة للقمع والقتل والرّعب يختزن حتى في اسمها، بينما عبارة نارين ( الثّكنة كانت ترثي وأدَ هيبتها) فإذا كانت للثكنة هيبة، فهيبتها ناتجة عن الرعب الذي يشلّ أوصال الناس، ومفردة هيبة لا ترتقي إلى مرتبة الرعب عند الذين عايشوا أيام الثكنة. وأعتقد لو كانت خلات استخدمت مفردة( الرهبة) وجاءت نارين لتغيرها إلى الرعب، لحققت شرط الإبداع والتجديد في استعارة الفكرة.
تكمل خلات رواية سيرة نهر في المقطع السادس عشر بقولها: (يوصل الرَّصيف الكورنيش على الضفة اليمنى مع نبع ” العسكرية ” على اليسرى، يتدفق ماؤه منذ ما ينوف عن ستين عاماً من أنبوبٍ معدنيٍّ لا يصدأ، مغروس في مكعب من الإسمنت الأسود) ص 74 .
النبع العسكرية، نبعٌ معروفة في ديرك وقراها أيضاً، حيث كانت المصدر الأول للحارات القديمة التي انتشرت حولها، ومياهها عذبة ومستساغة، وتحولتْ مع مرور الزّمن إلى علامة جغرافية بارزة في المكان، خاصة بعد توسّع المدينة وزحفها في الاتجاهات كلّها، كان المكان، النّبع يغصّ بالنّساء، يجتمعن ويثرثرنَ ويتبادلنَ الأخبار والكلام، ثمّ يملأن جرارهن بالماء، والآن ورغم اندثارها، أصبحَ اسمهُا من معالم تاريخ المدينة.
في قصيدة خلات ثمّة إشارات إلى عمرها الزمني وأهميتها كأحد عناصر الطبيعة والحياة(تدفق الماء منذ ستين عاماً).
وفي قصيدة نارين جاء العبارات التّالية:
(عين العسكرية …
ذرفت دموعاً
لما رأتني ) ص45
وهي تؤكد استخدامها كمَعْلَم معروفٍ في المدينة، وذرفُ الدّموع مؤشّر على دلالة الاستمرارية والتدفق. ورغم محاولة نارين خلق شعور لدى المتلقي من خلال منح المكان (العَلَم) دلالة جديدة (تذرفُ) إلا أنّ النّص لم يستطع الفكاك من الوقوع في مطب إعادة إنتاج لمعنى بإيحائية غير مباشرة.
ثمّة أفكار تناصية مشتركة بين الشاعرتين، رغم عدم تكرار العبارات أو الجمل، أو المعالم المشتركة، لكنْ يلاحظ القارئ بوضوح أنّ هذا الأمر تسلّل في ثنايا النّص اللاحق بتأثير من النّص السابق. و المسألة هذه تُعَدُّ من تناصية المعاني، صحيح أنّ جاحظ ذكر منذ العهد العباسي أنّ المعاني على قارعة الطريق، في إشارة إلى أنّ المعنى قد يشترك فيه أكثر من كاتب، وكلّ يصوغه بطريقته.
وعند تفحّص كلا القصيدتين نلحظ أنَّ خلات ذكرت أماكن بارزة في المدينة نذكر منها ما لم يرد فيما سبق عند المقارنة : مسبح لطيفو، كازية سيد أحمد، دائرة التّجنيد، طريق قامشلي – عين ديوار، حارة المسيجيين، سينما إيليا، حارة خيركا، كنيسة مار شموني، قبة جامع السيد” نذير ” سد ” بورزه ” ، الجسر الفرنسي.
ونارين جاءت لتكمّل ما لم تذكره خلات : طاحونة ديرشوي، أحجار باجريقه، كفري حارو ، بهو الجامع الكبير( نفسه جامع السيد ” نذير ” ) المقبرة القديمة، نبع حمسيكي، حانوت موساكي عطار .
أيُعقل أن تأتي هذه الأسماء والأماكن جميعاً في قصيدة قصيرة واحدة؟ وهي ليست رواية أو قصة . ثمّ أليس الأسماء هذه مكمّلة لما ورد في قصيدة خلات؟
ثمَّ هناك أسماء لأشخاصٍ وشخصيات في البلدة، نذكر منها ما لم يرد في المقارنة سابقاً، فقد ورد عند خلات: الدكتور نافذ، نورالدين ظاظا، بسنة حجي عمر، وضحة، الجدة لَعْلِه، خليل عبد الغني وابنه القتيل، وزوجته سينم، ليلى المجنونة، رشويه موسى، محوي كوجر.
ثمَّ تأتي نارين وتكمّلها : حَسينة، دَرو المجنون، إبراهيم خاجو، حنا ديسجي، عمر سيف الدين – والد الشاعرة نارين – الحاجة ديوانه جدة كاتب هذه الدراسة وجدة رضوان رمو زوج نارين ، بريخان، حمو ليلو، صبري فندو، ملا حاجي.
كلّ هذه الأسماء والأعلام والشخصيات جاءت في ثنايا قصيدة لا تزيد عدد كلماتها عن مئتين وستين كلمة، وكأنّها أصبحت كتاباً للسجلّ المدني. بينما قصيدة خلات تتكوّن من ألفين وثمانمئة كلمة، عشرين مقطعاً مكثّفاً و طويلاً.
ويلاحظ أنّ ثمة تقابلات في الأسماء والشخصيات، في جغرافية المكان، رشويه موسى، يجاوره صبري فندو، وحّسينة تجاورها الحاجة ديوانه، ثمّ في الصفات ليلى المجنونة يقابلها درو المجنون.
وبعدُ، لن أعلّقَ أكثر من هذا، فالمقال، أو الدراسة إن صحت التعبير، أو القراءة ، قد بيّنتْ رأيَها بوضوح، ويبقى للقارئ الحكم الأصح، فلكلِّ إنسانٍ هفواته، وهفواتي تذوب في الصّمت في أكثر الأحيان.
=================================
المصادر والمراجع
1 – (أحمد الزعبي، ، التناص نظرياً وتطبيقياً ، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع ، الأردن ، ط2 ، 2000 ، ص 12)
2 – أخذا عن : محمد وهابي ” مفهوم التناص عند جوليا كرستيفا” علامات في النقد ” ــ النادي الأدبي بجدة ــ ج54 ــ م 14 شوال1425 هــ ديسمبر2004م .
3 – المصدر نفسه
4 – (محمد بنيس ، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها ، ج 3 : الشعر المعاصر، درا توبقال ، المغرب،ط1، 1990)
5 – رولان بارت : ” نظرية النص ، بحث مترجم ضمن كتاب ” آفاق التناصية..المفهوم
والمنظور ” ـ ترجمة د. محمد خير البقاعي، 30، الهيئة المصرية العام للكتاب ـ 1988م
6 – ( نظرية النّص ).
7 – مارك أنجينو ، ” التناصية … بحث في انبثاق حقل مفهومي وانتشاره ” ، 79 ، ضمن كتاب ” آفاق التناصية ” ، مرجع سابق 0
8 – (د 0 عبد الله الغذامي : ” الخطيئة والتكفير 00 من البنيوية إلى التشريحية ” ، 35 ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ط4 998 م
9 – المصدر نفسه.
10 د. عبد الله التطاوي : ” المعارضات الشعرية .. أنماط وتجارب ” ، 191، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع 1998م
11 د.عبد الملك مرتاض :” فكرة السرقات الأدبية ونظرية التناص “، 71 ـ مجلة ” علامات في النقد ” ـ النادي الأدبي بجدة ـ ج1 مج1 ـ 1و القعدة 1411 هـ مايو 1991 م
12 د. صلاح فضل ، مجلة عالم المعرفة ، الكويت ، بلاغة الخطاب وعلم النص، عدد164 عام 1992م. ص 223
13 حداثة السّؤال،كتاب الحداثة العربية في الشعر والثقافة الصادر عن دار التنوير ببيروت، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ط1 1985م. ص29
14( المختار حسني ، التناص في افنجاز النقدي ، النادي الأدبي بجدة ـ ج49 ـ م 13 رجب1424 هـ سبتمبر 2003م .)
15 المصدر نفسه .
16 (ملحق الثورة ثقافي الثلاثاء 16/1/2007 ، صوفي كونينغام – ترجمة د. علي محمد سليمان )
17 أخذا عن : محمد وهابي ” مفهوم التناص عند جوليا كرستيفا” علامات في النقد ” ـ النادي الأدبي بجدة
ـ ج54 ـ م 14 شوال1425 هـ ديسمبر2004م .
18 أنجينو ، ” التناصية … بحث في انبثاق حقل مفهومي وانتشاره ” ، 79 ، ضمن كتاب ” آفاق التناصية ” ، مرجع سابق 0
19 المثل السائر لابن الأثير، ت: محمد محيي الدين عبدالحميد/ المكتبة العصرية – بيروت د.ط 1420هـ: 2-342-343
ملاحظة (1) هذه المقالة جزء من دراسة نقدية عن التّناص بين عدة نصوصٍ شعرية.
15 المصدر نفسه .
16 (ملحق الثورة ثقافي الثلاثاء 16/1/2007 ، صوفي كونينغام – ترجمة د. علي محمد سليمان )
17 أخذا عن : محمد وهابي ” مفهوم التناص عند جوليا كرستيفا” علامات في النقد ” ـ النادي الأدبي بجدة
ـ ج54 ـ م 14 شوال1425 هـ ديسمبر2004م .
18 أنجينو ، ” التناصية … بحث في انبثاق حقل مفهومي وانتشاره ” ، 79 ، ضمن كتاب ” آفاق التناصية ” ، مرجع سابق 0
19 المثل السائر لابن الأثير، ت: محمد محيي الدين عبدالحميد/ المكتبة العصرية – بيروت د.ط 1420هـ: 2-342-343
ملاحظة (1) هذه المقالة جزء من دراسة نقدية عن التّناص بين عدة نصوصٍ شعرية.
ملاحظة (2 ) أرقام الصفحات الواردة في نهاية المقاطع الشعرية هي أرقام المجموعتين الشعريتين قيد هذه الدراسة.