تجربة فدوى كيلاني الشعرية

عبداللطيف الحسيني 

ألف درب لا يصل
 ألف قنديل أسود
يؤنسني
…………
يبعثر بتلاتي
منزلاً منزلاً.
…….. إنها كلمات ليست كالكلمات، مجتزأة من قصيدة لفدوى الكيلاني ، ولكنها تختصر القصائد التي كتبتها ، وربما التي لم تكتبها بعد ، فإحساس القارىء للنص يقول هذا الكلام لا أنا…..!

يبدو أن نقد – جبرا إبراهيم جبرا-  لجيل شعري سابق يفعل فعله في نصوص (فدوى الكيلاني) التالية التي ترسِخ مقولة التشاؤم , حتى تصل إلى أبعد الغايات ,أكثرها تشاؤماً , تولد الفتاة متشائمة (ومعها القصيدة) و تعيش مقهورة ، و غارقة في الحزن، و تغيب متشائمة. حتى وإن تركت منبتها الأول – كما في حالة كيلاني – و تغربت . يبقى الحال هو هو لا يتغير , لأن نفس الشاعرة لا تتغير  (باذخة أنا في صمتي).
الشعر حين يتحول إلى مالا نرى ، ومالا نلمس ، فمن الطبيعي أن نحسه، كما في مجمل نصوص (كيلاني) وكأنها امتصت و ترجمت آلام  “الغير ” لتقولها شعرا ل “الغير ” , لكن السؤال :
هل هذا “الغير” يتفاعل معها ؟ (وأبقى بين يدي أساي منهكة البوح) أظن أن تفاعلنا يأتي من مباشرة الفكرة التي تعلنها (كيلاني) عالية. بل وتصرخها. و تمنحها كياناً مؤلماً من لحم ودم ، هذا الكيان الشعري المصنوع سرعان ما يتلاشى ’ إن نحن ابتعدنا عنه ، أو غافلناه، أو غافلَنا ، والشعر حين يكون تجربة حياتية، فيه الكثير من الصدق، و الكثير من الصنعة الماهرة , بقدر ما يكون مؤلماً ، لكن ما يقابله  فيه الكثير من بقايا  الأسلوب الحياتي الذي نتداوله يومياً دون أن نعترف بأنه نص أدبي . . !
ان ما يدهش في نصوص (كيلاني) وهي تكتب الألم . ما يدهش آتها تكتب عن الألم بفرح غامر. وكأنها ترسم لوحة للأطفال كي يبتهجوا و يغمروا الدنيا فرحا . حين تكتب و كأنها تبعد الألم عن الآخر . وتقرِبه إليها , لا بانفعال وإنما بكثير من الحبور و البشرى , تهذب النص لتغمر نفسها في فضاءات اللامحدود القاسي و العنيف. غير أن هذا العنف لا يأتي الا بهندسة و تهذيب النص. لكن ما تقوله في مقاطع قصيرة تُغني عن كامل النص وأشدد على المقطع المستشهد به بداية  وأعني: (يبعثر بتلاتي منزلاً منزلاً) والسوداوية (ألف درب لا يصل . ألف قنديل أسود يؤنسني)  إنها تروي حكاياتنا المؤلمة. وهي بضاعتنا وقد ردت إلينا. لكن بكثير من العذاب و بقليل من الفرح. وكأن الشاعرة تعاني ما نعانيه: (غربة و شؤما مستفحلا) وكان يجب أن نكتب نحن هذا الشؤم و الغربة, لكن الكل يكتب بطريقته . غير أن (فدوى) شردت نفسها عن المكان لتكتبه. و قد يكون المعاشر للمكان ضائعا فيه : لا يرى و لا يسمع ولا يتكلم , فقط يستطيع الهمس . والبعيد عنه معاشرا له , يرى مصيبته مصائب : يسمع ويرى ويتكلم ولا يهمس   بعد قراءة نصوص (كيلاني) المنشورة  وا لمبعثرة في مختلف الدوريات . ألا يمكن جمعها وإعادة النظر فيها ؟ , ليكون ما كتب و نشر مطبوعا في ديوان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…