خوفاً من العنوسةِ تُزوّجُ الطّفلةُ

نارين عمر

-أخافُ مجيء اللّيل لأنّه يخيّمُ على نفسي وجسدي كالشّبحِ المخيفِ  مع قدومِ زوجي كوحشٍ يجرّني إلى تلك الغرفةِ
الموبوءةِ….
وتابعتْ :أهلي ضحوا بي ,كانوا يضربوني حتى أرغموني على ترك المدرسة….

بهذه الكلماتِ حاولت تلك المرأة المطلّقة (نجود محمد علي) ذات الثّماني سنوات أن تعبّرَ عن معاناتها مع أهلها ومع قدرها وهي تتأرجحُ على تلك الأرجوحة التي تشفقُ على طفولتها فتتراقصُ معها علّها تعوّضها عن شيءٍ من عذابها.
نجود الطّفلة التي كانت تلاعبُ دميتها العتيقة التي صنعتها من بقايا قطع أقمشةٍ رثة ,وتخبّئها في حضنها وهي تطلقُ العنانَ لخيالها كي يرسمَ لها أحلاماً زاهية الألوانِ عن الغدِ الذي تأملُ أن يكون هو الأفضل , بل والمارد الذي سينقذها وجيلها برمّته من مهالك العذابِ والحرمان والعنفِ دون أن تدري أنّ الرّياحَ ستعصفُ عكس اتجاه أحلامها حين خيّمَ عليها شبح مَنْ يسمّى بوالدها ,فيوقظها من سعادةِ أحلامها ويمسكَ بيدها ويرميها في غياهبِ شبحٍ أكثرَ حجماً وفزعاً علمت فيما بعدُ أنّه سيكونُ زوجها,وأنّ الغرفة التي أدخلت إليها عنوة هو الذي سيكونُ عشّها بل الخمّ الذي سيحرمها حتى من الحلمِ بحلمٍ وهي الطّفلة التي لم تكن تدركُ من مفهومِ الزّواجِ إلا من خلال العلاقة غير المتجانسة التي تربط بين والديها.
لدى الاستفسارِ والتّساؤلِ من الأبِ الحنون أكّدَ على أنّه فعلَ ذلك (خوفاً من العنوسةِ والفقرِ) ثمّ أضافَ السّبب الآخر والذي يكمنُ في اختطافِ ابنتيه من قبل رجالٍ أرغموه على الموافقة على تزويجهنّ منه.
إذاً خوفاً من أن تظلّ ابنته عانساً من غير زواج طوال عمرها  أو تُزوّج بعجوزٍ يتكئ على عصا المرضِ أو الموتِ –إن طال مكوثها عنده- وكذلك هرباً من الفقر والعوز اللذين جعلاه يتخيّلُ أنّ زواجَ الطّفلة سيقلّصُ من عددِ أفرادِ أسرته ما يخفّفُ بالتّالي من أعباءِ المصروف اليوميّ وخوفاً من تعرّضِ بناته للاختطاف والاعتداء قامَ بتزويج ابنته الطّفلة.
زوّجها وهي في الثامنةِ من عمرها من رجلٍ في الثامنةِ والعشرين من العمر,وكأنّه أراد أن يعلن للجميع أنّه يستحقُ الشّكرَ والثّناء على فعلته لا اللوم والعتاب,لأنّه زوّجها من شابٍ يكبرها بعشرين سنة بدل أن يزوّجها بعجوزٍ في السّبعين أو الثّمانين.
أمّا الزّوجُ الذي لم ينكر أنّه  تزوّجها فعلاً فأضافَ أنّ الزّواج تمّ بموافقتها وموافقةِ والديها ,ولكنّه أنكر أن يكون قد اعتدى عليها أو ضربها وقسا عليها.
لن أعلّقَ على ما قاله لأنّ قوله لايحتاجُ إلى تعليق إلا فيما يخصّ موافقة الطّفلة فكيفَ يدعي أنّه حصل على موافقةِ الطّفلة وهي التي أكدت على أنّ أهلها أخبروها بأنّ عقد الزّواج سيتمّ الآن ولكنّها لن تنتقلَ إلى بيتِ زوجها إلا بعد أن تصبحَ صبيّة وتكملَ دراستها, وأضافت أنّها لم تكن لدها أيّة فكرةٍ عن معنى الزّواج.

وهنا تتدافعُ أسئلة واستفسارتٌ عدّة نفسها وبقوّةٍ على أرضِ الواقع:
لماذا جرى ما جرى؟! ولماذا حدث ما حدث؟! لماذا تُزوّجُ الطّفلة؟؟!! ما مفهوم الزّواج لدينا؟ كيف ننظرُ إلى بناتنا؟ هل هناك فرقٌ بيننا كبشرٍ وبين أسلافنا الذين عاشوا قبل مئاتِ الأعوام ,بل قبل آلافِ السّنين,مع الأخذ بعين الاعتبار التّقدّم الشّامل علمياً وتكنولوجياً بيننا وبينهم.
الفقر, العَوَز, السّرقة,الاختطاف, الاغتصاب, الاعتداء, الظّلم, ال….ال…. والعنوسة  , والمهر, والشّرف والعرض, و….و….. مِنِ اختلقَ هذه المفرداتِ؟ مَن المسؤول عن حدوثها؟ كيف تُخلق ولماذا؟ مِن الذي يغذيها ويسقيها؟ هل المسؤول فردٌ أم جماعة أم جهة أم شريحة معيّنة, أم مجتمعٌ ,أم دولة, أم العالم المتواجدُ في الكون برمّته الذي تفنّنَ في خلقِ مفرداتٍ تحوّلتْ إلى مفاهيم, ومن ثمّ إلى أعرافِ,  وقوانين مقدّسة لايجوز المسّ بها أو تجاوزها.
والقانونُ نفسه مَن الذي وضعه ولماذا؟؟!! وهل هناك حقاً قوانين تنصفنا نحنُ البشر,بمعنى آخرهل خلقنا قوانيننا لننصفُ نحنُ البشر بعضنا البعض بها(كوننا مَنْ وضعها)؟؟!! ما الفرقُ بين شرائعنا وقوانينا العتيدة وبين شريعةِ الغابِ التي ننعتها –جهارا,ًنهاراً- بالقسوةِ والظلمِ والهمجية؟؟؟؟
أسئلةٌ واستفساراتٌ برسم الإجابةِ ,فهل من مجيب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…