أما للفرح مطرح ؟

مها حسن ـ باريس

وكأننا نلوم أمهاتنا وجداتنا ، اللواتي يكرسن الحزن ، ويؤكدن على غياب الفرح ، من خلال استعانتهن بالموروث الشعبي ، فكانت جدتي لأمي تستكثر علينا الفرح ، بل وكان جدي لأمي ، ينزعج من أصوات الضحك العالية ، وكما سبق وقرأت في مكان ما لا أذكره ،  عن أن الضحك كان يعتبر لدى الكهنة ورجال الدين ، في الماضي الموغل في القدم ، بمثابة رذيلة .

تكرر أمي إذن ، وجميع أمهات السينما ، وخاصة المصرية ” جت الحزينة تفرح …” ، والجميع يعرف بقية المثل : لم تجد  للفرح مطرح ، طبعا بسبب تراكم الأحزان ، كان من الصعب على تلك الحزينة أن تعيش ذلك الفرح.
مع أني لا أرغب بالاستعانة بالموروث الشعبي ، لأني أؤمن جدا بقدرة الفرد على التغيير ، ولكن يبدو أن هذا التغيير مستحيلا ، ما لم يكن مرتبطا ببديهيات الديمقراطية.
أرجو أن لا يعتبر كلامي قفزا على الأسطح ، فحتى الفرح يحتاج إلى ديمقراطية ، وإلى حرية ، فكيف يستطيع أحدنا الشعور بالفرح ، في غياب الحرية والكرامة ، بل إن الحرية ذاتها ، هي أكبر منجز للفرح.
مناسبة الفرح هنا ، يعرفها جميع السوريون تقريبا ، عيد النوروز ، حيث بدأنا بتبادل المعايدات ، ودونت نصا فرحا ، يبتهج بالعيد ، كان ذلك في ليلة العيد ، وبغتة ، سمعنا جميعا ما حصل في القامشلي . وما يحصل في كل مرة ، يريد أحدنا أن يوارب بابه للفرح قليلا.
حتى الفرح بات ممنوعا في سوريا ، فقد مرت أعياد الميلاد ورأس السنة على معتقلي إعلان دمشق في السجون ، أولئك الذين انضموا إلى لائحة المعتقلين الذين سبقوهم إلى الغياب عن الأعياد .
تحول فرح الأكراد بغتة ، إلى حداد . وأقول بغتة ، لأن المناسبة كانت هادئة وسلمية ، ككل الأعياد والأفراح ، يميل المحتفلون إلى الرقص والموسيقا والغناء ، وإن رغب الكردي بأكثر من هذا بقليل ، وهذه هي فرصته الوحيدة للفرح ، فالأكراد لا يحتفلون بالأعياد الأخرى ، إلا نادرا ، وعيد النوروز لدينا هو أهم من أعراسنا الشخصية حتى ، فهو عرس الوطن ، وأي وطن ؟
هل التعبير عن الدبكة الكردية يهدد سلامة الوطن ؟  إنها طريقتنا في العيد ، وليست موجهة ضد أحد ، فحين يتكلم الكردي مع الكردي  ، وسط معارفه وأصدقائه العرب ،  باللغة الكردية،  فليس لأنه يحتقر العربية ، أو أنه يتحداهم ، بل ببساطة ، لأنها اللغة التي يعبر فيها عن نفسه بارتياح ، أي أننا لسنا ضد أحد ، والمطالبة بالخصوصية لا تلغي خصوصية الآخر ، فلكل عيد جماليته ، ولكل شيخ طريقته . وبدلا من أن يأتي هذا الآخر ، ليطّلع على ثقافة أخرى في الاحتفال ، ويتعرف على طبيعة الشعوب الأخرى وعلاقتها بالأعياد ، يأتي فيطلق النار.

أيمكن أن يوصف هذا السلوك بأقل من كلمة همجي ، أو بربري ، كيف يمكن لإنسان في العالم ، يتمتع بقدر ضئيل من الإنسانية ، أن يطلق النار ، على أشخاص لأنهم يرقصون ، ولأنهم فرحون ؟ بل والأدهى ، أن هذا الفرح لا يمارس إلا لمرة واحدة في العام ، أضاقت بكم الدنيا ، فلا تريدون حتى أن تشعروا بابتسامة الأطفال ، ومتعتهم وهم يرتدون الملابس المميزة للأعياد ، وفي عمق كل منا ، مهما كان انتماؤه الديني أو القومي أو الثقافي ، مفهوم ما ، خاص به ، وذكرياته ، وجمالياته عن العيد . فالعيد هو الفرح ، والمسامحة ، السلام . في العيد يتصالح المتخاصمون ، ويغض الجميع النظر عن رأيهم في أخطاء الجميع ، وتعلو الابتسامات والمباركات والأماني بفرح دائم ، فلماذا تطلقون الرصاص على أفراحنا ؟ وهل فعلا ، لم يعد للفرح مكانا في هذا الوطن ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

سلمان إبراهيم الخليل
تبدلت ملامحي على دروب الرحيل
ثمة أنفاس تلهث خلف الذكريات
تركض خلف أسفار حزني المستدام
الأرصفة وحدها من تشعر بأنات جسدي
وهو يئن من لهيب المسافات

المطر الأسود ينهش في جغرافيا الروح
وهي تعزف للريح تراتيل الغربة
وأنا ألملم شظايا أحلامي بخرقة هشة
لأتوه في دهاليز المجهول

أمد نظري في الأفق البعيد
أمد يدي لمرابع الطفولة
انتظر لهفة أمي وأبي
لكن ما من أحد يصافح
لقد…

سيماف خالد محمد
كنتُ جالسةً مساءً أستمع إلى الأغاني وأقلب صفحات كتاب، حين ظهر إشعار صغير على شاشة هاتفي، كانت رسالة من فتاة لا أعرفها مجرد متابعة لصفحتي منذ سنوات.
كتبت لي دون مقدمات:
أنا أتابعك دائماً وأرى أنك تكتبين عن القصص الاجتماعية، هل يمكنك أن تكتبي قصتي؟ أريد أن يكتب أحد عن وجع طفولتي، ربما إذا قرأتها…

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…