لغة وأقلام فتح الله حسيني في «مهدور كدم»

   روبين قاسم

عندما يحب المرء لغة، يحبها لأنه يجد فيها انشاداً تعبيرياً واستيعاباً للغة وجدانية خاصة به، لأنه لايجد فرقاً بنيوياً بين ما ينشأ من ذاك الإبداع الذاتي واللغة التي يوظفها كأداة تبحر في محيط الكلمات المتراكمة في خبايا هواجسه.
أحببتُ اللغة العربية عندما قرأت لـلشاعر السوري (أدونيس) وشدني التمرد باللغة العربية عندما تنشقت الحرية الثائرة لـلشاعر (محمد الماغوط) حيث أثارني الرمز والعزف على الكلمات لأدخل الى كهوف ابداعات الشاعر والروائي (سليم بركات) الذي نحت ريادته في اللغة العربية بقلمه الكردي، روحه الكردية.
لأعود الى تمردي ثانية، و لكن هذه المرة مع كردي يسبح في اللغة العربية دون الحاجة الى معدات نجاة أو انقاذ، لأنظر بشغف الى مجموعة شعرية، صادرة للتو عن ؤسسة سملكرد في إمارة دبي، باسم (مهدور كدم) للشاعر الكردي (فتح الله حسيني)، الشاعر الذي عبر عن تمرده باختيار اللامألوف والابتعاد عن فخ الكلمات السائدة والممضوغة والمجندة ضمن صفوف فيالق مجتمع مسور بكلمات ابتُذلت لتبتذل أحاسيسنا معها.
استخدام كلمة الفشل كمصطلح يؤدي للنجاح ، والكره ثورة على الكره، والعبثية كثورة على العبثية.
ذاكرة أليمة ولسان معبر يستنطق الذاكرة ليسلط الضوء على لحظات متمردة وهاربة من رتابة الحياة ووحشتها.
قصائد ولدت من كردستان المليئة بالمفردات الكردية لتولد ابداعاً باللغة العربية:
هذيان هذه الحياة
ترهة على أتون نار مستعيرة
تؤخذ كما يؤخذ ركن من الوطن
أو رشفة من الشجن
أو تاريخ من العربدة..
كنا نهتف بأسماء الفتيات بدلاً عن الرموز السياسية، فأصبحنا شلة من المخربين والعملاء في أعين الرتيبين، نسهر، ثم نرفس الطاولة على جلساءنا الهادئين، نملأ الشوارع ضجة وننام..

فلا يسعني إلا أن أقف باحترام أمام الأحاسيس الفردانية التي عبّر عنها الشاعر فتح الله حسيني بمجموعته الجديدة، بعد عدة مجموعات منها خرائط، طريد لا محالة، مملكة الشهداء، آيات الجحيم، هذه المجوعة المليئة بالضجيج الملامس لواقعنا المتشرذم أمام عتبات الأوهام والعبثية والترهات التي بدأت وكانت تشكل جزءا من واقعنا الأصم، فهذه النتاجات الأدبية تظل لها رونقها، وهي بوح صارخ يعطي التمرد وجهه الحقيقي خارج الأواني الخزفية الملونة وغرف التحميض والبوسترات الفاخرة، لتغدو الكلمة تضامناً ماورائياً، فتصف لنا حالة عامة تمسنا كبشر، وتحركنا كبشر منتمين ولا منتمين، ولتغدو اللغة محلقة حرة، وفضفاضة يلبسها أصحاب الأقلام الجريئة كيفما يشاؤون.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…