أنا و كردستان

كان الأمر كله في الأصل حلماً ، أن أعيش يوما على أرضٍ تدعى كردستان . هاجرت حلب التي عشت فيها 27 عاما بعد أن قرر ثوار سوريا تحريرها .. خرجنا مظاهرة او اثنتين مرحبين بالثوار لنكتشف في اليوم التالي أن الحرية تجلب معها طائرات ميغ 27 و قناصين .. الأمر ليس مزحة … يجب مغادرة حلب . حتى اليوم و أنا أتساءل كيف نسي المحررون الأوائل لحلب جلب بعض الصواريخ التي تسقط طائرات الأسد كيلا يتحول التحرير لحمام يضخ مياه ساخنة فقط .. غادرت حلب على وقع طبول الثورة نحو قامشلو .. بلد الحب و أغاني محمد شيخو ، على مشارف قامشلو استوقفني حاجز للنظام السوري و كنت جالسا إلى جوار سائق السيارة القاطرة المقطورة يعني شاحنتين قال العنصر الناطق باللهجة العلوية ( أنا مصر أن العلوية لغة جميلة و شعب أحمق لا يحقق ذاته إلا بالإنتساب للأمن العسكري ) شو يا محمد هادا كلو بيتك 
لا و الله هذا من عطايا القائد 
ضحك العنصر الأمني حتى انقلب على ظهره و قال اهلا بك في كردستان سوريا !!!!
يا الهي عربي و يقول كردستان !! .. معقول امين الفرقة الحزبية يدبك عل ألحان عماد كاكلو ؟!
و صلت قامشلو و كنت قد أستأجرت بيتا من اسبوع مضى من رجل قال أنه قضى حياته خدمة للقضية الكردية لكنه طالبني بآجار للبيت قدره 12 ألف ليرة سوريا ( كان الدولار ب 70 ليرة ) خبرني الجيران لاحقا ان آجار البيت قبيل النزوح الكردي العظيم من حلب و دمشق 4 آلاف ليرة سورية ، لكن لا بأس فليس للكردي الساكن بقامشلو إلا الكردي النازح من حلب ‏‎ .
من شرفة بيتي الجديد في قامشلو شاهدت علم الغابون تهفهفه الريح على خزان مياه حي الهليلية .. أردد في نفسي يالله ما أجمل قامشلو .. كل الصبايا هنا يرتدين قمصانا ضيقة عند الصدر و الكل يتحدث بالكردية حتى الشويا و المسيحية .. آخ لولا علم الغابون هذا !!!
فجأة فقدت الإدارة الكردية السيطرة على المدينة الكهرباء ساعتان …. المياه ساعة .. لا انترنت .. لا خبز … ولا مازوت .. البرد قارس … حتى علم الغابون بات شاحبا و الناس تحرق النايلون لتتدفأ .. تذكرت كلام بلال الحبشي يوم ضاقت به الارض في مكة فسأل شريكته حبيبة و كانت قريش قد فقأت عينيها قائلا أفقدوك بصرك يا حبيبة فردت حبيبة بكبرياء أنني أبصر بنور الإيمان ( فلم الرسالة ) استجمعت قوتي من بلال و حبيبة و هممت نحو إقليم كردستان العراق . كان صباح الثاني من آذار باردا و الخضرة تكسو كل مفارق قامشلو ، صعدت سيارة تحمل 13 راكبا غيري ( هونداي 14 راكب من النوع الذي يفضله الشوايا بين حلب و دير حافر ) استوقفنا حاجز آخر واخير للعلوية ، مد العنصر أمني رأسه قائلا في حدا من الشباب متوجه لخارج القطر ؟ صحنا جميعا كلا كلا سيدي … نحن ذاهبون لديريك نجمع بعض الحشائش الطبية و بعضا من حلوى الخطمي ( كلمة شائعة في الترجمة العربية للأفلام الامريكية ) . فابتسم و قال السوري ما بيترك وطنو لو شو ما صار ثم أطبق باب الهونداي بعد أن أبتسم و صافحا راكبا أظن أنه من رفاق حزب حميد حج درويش . بعد أن ابتعد عمصر الأمن صحنا جميعا يلعن ابوك على أبو حزب البعث و كان بيننا كردي مثقف قال على ابو ميشيل عفلق ثم وزع علينا سگائر حمراء طويلة هي أخر ما دخنت منها … إل جواري علا صوت فتاة قامشلوكية ترتدي كغيرها قميصا ضيقا بشدة عند الصدر أرادت بطيبة أن تستفسر عن ميشيل عفلق و هل هو قيادي كردي .. فزجرتها نفيا و كانت آخر ما شاهدت من قمصانٍ ضيقة . وصلنا حدود إقليم كردستان العراق بعد ساعة و نصف من الإبحار الأخير في زهو أرض كردستان سوريا و آبار نفطه الكثيرة .
يتبع لاحقا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…