نساء برسم الزواج.. نساء تحت الطلب

رغم الأشواط المهمّة التي قطعتها المرأة السورية على طريق تحصيل حقوقها، إلا أنّ نسبة النجاح تتفاوت بين منطقة وأخرى، بحيث يبدو البون شاسعاً ما بين النساء في المدن، ومثيلاتهنّ في الأرياف، كما يبدو الفرق كبيراً بين النساء على اختلاف المحافظات السورية، ويبدو واقع المرأة في المحافظات الشرقية أسوأ حالاً من غيرها من المحافظات، نظراً لتجذّر العديد من العادات والتقاليد البالية، والتي يكون ضحيّتها الأولى باستمرار نساء كُتِبَ عيلهنّ أن يكنّ دائماً .. تحت الطلب !!
الواقع الذكوري للجزيرة، وسيادة مفاهيم أبوّة المجتمع الذكورية، وتناسي المجتمع دور وقيمة المرأة، والتوجه إلى تسليعها، والحطّ من مكانتها لتتحول المعادلة الاجتماعية في الجزيرة السورية بين الرجل والمرأة إلى محاورة من طرف واحد، أو الحياة تصبح برنامج «ما يطلبه الرجال» فقط.
تقول سهام المصطفى (30عاماً): لا تملك الأنثى في مجتمعنا أيّ حق في تحديد مصيرها، وخاصة في اختيار الزوج المناسب، فقد تجاوز سنّي الثلاثين، ومن يقرعون باب أهلي طالبين الزواج قلّة، في السابق كان العرسان يتهافتون على بابنا، ولكن نتيجة تعنّت أهلي، وتمسّكهم بطلبات تعجيزية، أبعد طالبي الزواج عنّي، والآن أخشى من أنّني دخلت طور العنوسة.
ويقول الباحث في التراث علي السويحة: ما زالت المرأة تعاني من تحكّم الرجل في مصيرها، إذ تعتبر عادة حجز الفتاة ابنَ عمها للزواج، وتزويجها له بالإكراه أحد أكثر العادات التي تترك آثاراً خطرة، تنعكس فيما بعد على بنية الأسرة، وتؤدّي إلى إحداث فجوة بين الأم وأبنائها من جهة، وبينها وبين زوجها من جهة أخرى، وعلى الرغم من انحسار هذه الظاهرة بشكل كبير جداً في المدن، وذلك نتيجة التطور الذي تشهده المدن، إلا أنّ هذه العادة ما زالت تتغلغل في بنية المجتمع الريفي في الرقة، والبيئة الريفية هي الأكثر ملائمة لتأصّل هذه العادة البالية، حيث يسهم الفقر والجهل والفهم الخاطئ لتعاليم الدين الإسلامي في سيطرة العديد من الأعراف التي تتناقض مع كلّ القوانين والشرائع.  
من جهتها أشارت السيدة جواهر عبيد، رئيسة الاتحاد النسائي في الرقة، إلى أنّ المجتمع لا يمكن أن يتخلّص من العادات البالية التي تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة دون القضاء على أمّية المرأة كي تستطيع التمييز بين حقوقها وواجباتها، فالمرأة تعاني من عدم امتلاكها حرية التعبير عن مكنوناتها ولا تستطيع أن تختار شريك حياتها، وما زالت أعداد النساء الأمّيات في الرقة كبيرة، وخاصة في الريف، حيث تُمنع المرأة من متابعة دراستها، ويتمّ تسخيرها للعمل في الحقول الزراعية.

 زيجات تحت الطلب

ومن الضروري في هذا المجال التذكير بأنّ طبيعة المحافظات الشرقية العشائرية تضع المرأة تحت الرضوخ والخنوع للعادات والتقاليد التي لا بدّ من الانصياع لها، كما لا بدّ من التذكير بأنّه يوجد العديد من الزيجات التي تختلف باختلاف الطبقات والعشائر، فمثلاً زواج البدائل كان يعتمد على اتفاقٍ بين الطرفين، بالتبديل بين الإخوة والأخوات وبين أبناء العمومة، حفاظاً منهم على النسل والدم، دون الرجوع إلى رأي الفتيات من الطرفين، كما أنّ زواج المواسم كان من الظواهر المتعارف عليها والمصادق عليها عشائرياً في القرى، بحيث أنّ الزيجة تتمّ بتمام المواسم الزراعية في المحافظة.  

 من سيّئ إلى أسوأ

اليوم اختفت معالم هذه الزيجات لتظهر أنواع جديدة للزيجات المدبّرة من قبل العائلات، والتي تتمّ في كثير من الأحيان باتفاق أهل الفتاة مع عائلة الشاب، الذي يكون في أغلب الأحيان خارج  البلد، على أمل أن تتمّ الزيجة عن طريق المراسلة أو شبكة الإنترنت أو عن طرق الاتصال الهاتفي والاتفاق بين الطرفين، أمّا فيما يخصّ النوع الآخر من الزيجات، فيتعلّق بنوع من أنواع العرض والطلب في حال قدوم أحدهم لأجل الزواج من المهجر، فيتمّ عرض العديد من الفتيات الراغبات في السفر والزواج، وذلك عن طريق العديد من طرق العرض (صور – لقاء مدبّر- عن طريق صلة القرابة)، إلى أن يقع اختيار الشاب على إحداهنّ فينتقل الشاب من مرحلة العرض إلى مرحلة الطلب، والتي خلالها يتمّ الاتفاق المسبق على المهر وتكاليف الزواج  وطريقة السفر، والجدير بالذكر أنّ هذه الأنواع من الزيجات لا تطبّق عند كافة العشائر في المحافظة.  

زواج الأموال والمصالح

وفي كثير من الأحيان تُدفع الفتاة إلى الزواج الخارجي، وذلك بهدف تحقيق العديد من المصالح التي تلاقي قبولاً من ذوي الفتاة، ضاربين بعرض الحائط مشاعر الطرفين، حيث تتحوّل الفتاة بعد هذا الزواج المدبّر إلى سلعة رخيصة ووسيلة لتحقيق طلبات ذويها، والتي تتجلّى في الحصول على الأموال أو الطمع في الهجرة الخارجية، بحثاً عن فرص العيش. فسعاد التي مضى على زواجها أكثر من خمسة عشر عاماً لا تزال تعيش مع طفلها الوحيد الذي أصبح  يقرب عمره من العشر سنوات، في انتظار اللحاق بزوجها المسافر على أمل العيش الرغيد. أمّا هدى، التي تزوجت من قريب لها لا تعرفه سوى بالاسم، وطمعاً في السفر عادت إلى أهلها تجرّ أذيال الخيبة، بعد أن تعرّفت إلى طبيعة زوجها وقريبها، الذي بدأ ومنذ الأيام الأولى للزواج بالممارسات غير الأخلاقية، دافعاً بها إلى العودة إلى أهلها.     
وفي كثير من هذه الزيجات تكون الفتاة هي الخاسر الأول والأخير، وتذهب ضحيّة لمصالح الأهل والأقارب.

دور الأمهات

وفي صدد الحديث عن هذا النوع من الزيجات لا بدّ من  ذكر أنّ العديد من الزيجات تبدأ ببحث الأمهات عن العروس المناسبة، من خلال الاجتماعات النسائية والصبحيّات والجلسات الأنثوية، كما أنّ العديد من الأمهات لايقفن عند هذا الحدّ بل يبدأن بالبحث عن نسب البنت وأهلها، خوفاً من الأمراض الوراثية والعائلية وفي أغلب الأحيان يعود العديد من الأمهات من كلا الطرفين إلى مبدأ «الأقربون أولى بالمعروف»، وذلك حفاظاً منهنّ على نسب العائلة ونقاء دمها، وإن لم يكن ذلك، ولم تكن تلك، فإنّ تفكير العديد من الأمهات يمتدّ إلى الحفاظ على أموال وممتلكات العائلة من الضياع بين أيادي الغرباء، كما أنّه لا بدّ من  التنويه إلى أنّ الأمهات يلعبن دوراً كبيراً في طرق البحث عن الفتيات من أصحاب العقول التي تتّفق مع آرائها لتكون بعيدة كلّ البعد عن مشاكل القيل والقال، التي تحدث في أغلب الأحيان بين الكنّة والحماة، والتي تؤدي في أغلب الأحيان إلى الانفصال العائلي بين الشاب وذويه أو الانفصال بين الزوج والزوجة.

 الضوابط الاجتماعية ما زالت سائدة


يتحدّث الإعلامي دارا عبدو (34سنة)، مشيراً إلى أهميّة تلازم حقوق المرأة مع التطور الاجتماعي؛ فأيّ حرية للمرأة يمكن أن تتمّ دون أن تكون متوازية مع الحقوق الأخرى ؛ فواقع المرأة مرتبط بواقع المجتمع، فإن كان المجتمع يعيش في رفاهية فسينعكس ذلك على المرأة، لكنّ الواقع الاقتصادي السيّئ السائد في الجزيرة وريفها يجعل واقع المرأة أكثر سوءاً، وأكثر إذلالاً.
بينما الشابّة أمينة شيخموس (21سنة) تقول: نتيجة التحسّن الملحوظ في الحياة الاجتماعية في مدينة القامشلي وريفها بالنسبة إلى واقع المرأة التعليمي، ووجودها كقيمة، أصبحت المرأة يؤخذ برأيها في كلّ قضايا الأسرة، ناهيك عمّا يخصّها، كالزواج وغيره، بينما الشابّة فاطمة (22سنة) تؤكّد دور وتحسّن الواقع التعليمي وانعكاسه على تعامل الذكور مع الإناث، رغم عدم ملاحظة التحسّن الاقتصادي الذي يسير بشكل معاكس للتطور الاجتماعي.

 الوأد الاجتماعي

رغم مضيّ فترات طويلة على مسالة الوأد، إلا أنّ ما يحدث من معاملة دونيّة لها يعيد الوأد، وإن بشكل آخر، ما يمكن أن نطلق عليه «الوأد الاجتماعي»، يقول أبو ياسر (خمسون عاماً) إنّ المرأة كالدولاب، والرجل يجب أن يكون له أكثر من امرأة، لتكون لسيارته دواليب احتياط!!؟؟؟..
وتتّضح قيمة المرأة من خلال تحوّل بعض الرجال إلى تعدّد الزوجات بما يشبه العادة, فنسبة الأزواج، الذين يتزوّجون بأكثر من واحدة في مناطق، تتجاوز الـ 25%، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، ولعلّ الواقع الاقتصادي أثّر بصورة جليّة، وأسهم في زيادة العنوسة والهجرة الداخلية، وحتى الخارجية لمن استطاع تأمين عقد عمل أو سفر نظامي أو غير نظامي، تاركاً نسباً كبيرة من النساء ينتظرن الزوج المنتظر. الباحث دهّام عبدالقادر (ماجستير علم اجتماع) يوضّح أنّ وضع المرأة مرتبط أساساً بالمستوى الحياتي والمعرفي للمجتمع, فالمرأة المنتمية إلى الحقل الثقافي العالي يختلف وضعها وقيمتها عن المرأة في الحقل المتخلّف والبنية الاجتماعية المتخلّفة, المرأة في مناطق الجزيرة العليا ومجتمعاتها تعيش حياة مرتبطة بالتوعية الاقتصادية والاجتماعية، بمعنى آخر لم تتحوّل المرأة إلى سلعة، عكس المدن الكبرى كدمشق وحلب، بحكم سيادة مفهوم التسليع, والزواج السائد في الجزيرة يتمّ عبر علاقات اجتماعية وعلاقات قرابة، وليست قائمة على مصلحة، وجزء بسيط من مجتمع الجزيرة أقام علاقاته الاجتماعية على أسس اقتصادية محسومة ومحسوبة النتائج، فالإرث الاجتماعي في الريف يقلّل من قيمة المرأة إلى حدّ ما، لكنّه لا يحوّلها إلى سلعة، كون الجزيرة لم تصل إلى مفهوم السلعة، والكثير ينظر إلى المرأة نظرة دونيّة، محمّلاً بتراث ثقافيّ يرى المرأة جزءاً من ملذّات الحياة، وذات وظيفة محددة، ويضيف الباحث عبد القادر أنّ الرجل كالمرأة ليس حراً في اختيار الزوجة؛ فالأمور محكومة بضوابط اجتماعية وقرابة، بينما نجد الريف البعيد في الجزيرة السفلى مليئاً بحالات تنتهك فيها حقوق المرأة بصورة واضحة وفظّة.

 «الحيار» ما زال منتشراً

تستمرّ ظاهرة «الحيار» في بعض قرى الريف الجزراوي، ولو باتت من المستحاثات الاجتماعية، وتقوم حالة «الحيار» على قيام ابن العم بتحيير ابنة عمّه لنفسه حتى دون رغبتها، وقد يقوم بالتحيير، ومنعها من الزواج دون أن يتزوّجها هو أيضاً، تاركاً إيّاها تحت خيمة رحمته وذكورته.
—–
 المصدر : بلدنا   
الحسكة أيهم طفس 
الرقة صالح حاج حمد

القامشلي محمود عبدو   

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…