د. جمال خضير الجنابي
من خلال استقرائي لنصوصه الشعرية، وجدتُ أساليب نحوية وبلاغية عدّة في بناء نصوصه الشعرية، وبما أن البيت الشعري يُعدُّ العمود الذي يرتكز عليه النص الشعري ضمن سياق النص سواء أكان قصيدة أم مقطعة أم نتفة أم بيتاً منفرداً، لا بُدَّ من الوقوف عليها، فقد أشار الجاحظ (ت255هـ) إلى ضرورة تلاحم أجزاء البيت الشعري إذْ ترى البيت كأنه كلمة واحدة، كما أشار إلى ضرورة تلاحم أبيات القصيدة وتوافقها وتناسبها فيما عبّر عنه بـ (القِران) كما أكد على ترابط أجزاء العمل الشعري فقال:(إنَّ أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ إفراغاً واحداً وسُبك سبكاً واحداً)
وأكد ذلك ابن طباطبا (ت322هـ) حينما يعمد الشاعر إلى أن (يعلق كل بيت يتفق له نظمه على تفاوت ما بينه وبين ما قبله ، فإذا كملت له المعاني وكثرت الأبيات وفق بينهما بأبيات تكون نظاماً لها وسلكاً جامعاً لما يتشتت منها) تلك العناية جعلت من النقاد تسمية القصائد بمطالعها، فضلاً عن بحثهم عن أغزل بيت وأهجى بيت وأصدق بيت، ثم يصل الأمر لهم إلى اختيار أجزل أو أبلغ نصف بيت قاله شاعر من الشعراء، وكما يرى الدكتور إبراهيم أنيس بقوله: (البيت الشعري العربي بطوله وتعقيد وزنه وانتهائه بالقافية، قد كوّن وحدةً إيقاعية قادرة على أن تستوعب معنىً كاملاً). وهذا يدلُّ على حُسن اهتمامه. وعلى هذا الأساس فأني سأقف على أهم الأساليب النحوية والبلاغية التي استخدمها الشاعر لقمان محمود في بناء نصوصه الشعرية وتراكيبها للإرتقاء بالبيت الشعري الواحد إلى مصافيه . وأول تلك الأساليب التقديم والتأخير، فاللغة العربية تتمتع بقدرٍ وافر من الحرية داخل إطار الجملة فلا يحدها موقع معين، هذا التمتع أدى إلى تنوّع أساليب وفنون القول العربي وفنونه، لذلك كان أسلوب التقديم والتأخير أحد تلك الوسائل البلاغية التي يعمد إليها الشاعر لما له من أثرٍ في نفس المتلقي، فيجعله يطيل التأمل لاستملاء المعنى الذي أراده الشاعر، ولأجل هذا اتسع في لغة الشاعر التقديم والتأخير, وكذلك لما له من أهمية في قواعد اللغة العربية وتراكيبها، يقول الجرجاني:(هوباب كثير الفوائد، جمُّ المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية…. ولاتزال ترى شعراً يروقك سمعه، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد إن راقك ولطف عندك أن قدم فيه شيء وحول اللفظ من مكان إلى مكان). وهنا تتجلّى قيمته في تركيب البيت الشعري، وكذلك يزيد من مواهب الشاعر وقدراته لتدل على تمكنه وفصاحته وحسن تصرفه في الموضع الذي يقتضيه المعنى,
ويأتي لتمرير المعنى وضبط الدلالة ، فليس المقصود المعنى القريب الذي يؤخذ منه اللفظ لأول وهلة ولكن المراد المعاني الإضافية والدلالات الثانية التي تنبع من التراكيب والتي تفهم من السطور, فضلاً عما يؤديه من وظائف فنية ومعنوية ودلالية إلاّ أنه يمثل في نظر النقاد المحدثين انزياحاً سياقياً، ينظر إليه لما يحدث من خرقٍ للدلالة, لأن أي تغير في النظام التركيبي للجملة يترتب عليه بالضرورة تغير الدلالة، وانتقالها من مستوًى إلى مستوًى آخر, فعلى المستوى الفني، فإنه يحدث نتيجة لانفعال الشاعر وخوفه على موسيقى شعره أو قافيته أو محاولة الخروج عن القيود التي تفرضها قواعد النحو. إذن يمكن القول أن التقديم والتأخير له من المقومات الأساسية ما تجعله يدخل في مقدمة تراكيب البيت الشعري، لما يعطيه من حرية في تأليف الكلمات، ومن خلال الوقوف على الأبيات الشعرية لشاعر لقمان محمود، سنحاول أن نتعرّف أنواع التقديم والتأخير وتحديد الوظيفة التي أدّى لها، فقد وجدنا في مجموعته الشعرية شواهد عديدة تدلُّ على تأخير ما حقه التقديم وتقديم ما حقه التأخير وهذا يدلُّ على سعة قدراته في اللغة والإحاطة بتراكيبها وقوانينها بغية التوفيق بين ما يريده وما تقتضيه اللغة وقواعدها من جانب، وما يقتضيه الوزن وضوابطه من جانب آخر.
وأسلوب آخر في بناء نصوصهم الشعرية هو أسلوب الحذف، فقد وصف الجرجاني باب الحذف بأنه(باب دقيق المسلك، لطيف المآخذ، عجيب شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر والصمت من الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن)كما عدّوهُ ضرباً من ضروب الإعجاز، فهو أدق موضوعات البلاغة مسلكاً، وادعاها لأعمال الفكر, ومن هذا الوصف الدقيق لأسلوب الحذف يدخل الذوق الأدبي في تحديد عالم هذا السحر البياني، فتعددت صور الحذف.
وأجاد الشاعر لقمان محمود في بناء أبياته الشعرية أسلوب العرض والتحضيض، وهو من الأساليب النحوية الإنشائية، فقد جاء في اللغة أن أصل العَرْضُ(عرْض الشيء عليه يعرضهُ عرضاً، أو عرض الشيء للنظر فيه أو للبيع) أما التحضيضُ، بمعنى الحث والتحريض
,وفي الاصطلاح أسلوب العرض والتحضيض طلب الشيء، لكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بشدة. وآليات هذا الأسلوب كما اتفق عليها البلاغيون والنحويون (هَلاَّ ، ألاَّ، لوما، لولا) وأضافوا إليها، ألا، لَوْ، ألمْ، هل، وحددوا عمل هذه الأدوات. كما يخرج هذا الأسلوب إلى معانٍ مختلفة نفهمها من خلال شرح البيت. ومن الأساليب النحوية الأُخرى أسلوب الشرط، فقد كان له أثرٌ واضحٌ في مجموعته الشعرية، ولعلَّ ذلك يعود لانسجام هذا الأسلوب مع جوانب حياته التي نجد فيها التحدي والمنازلة والفخر والمديح والتهديد والوعيد، فهذه المعاني في حياته وغيرها جاءت متوازية ومرافقة مع أداة الشرط وفعلها وجوابها، وبذلك فتحت جملة الشرط مجالاً واسعاً للشعراء في الصياغة والتركيب ، ولهذا الأسلوب آلياته حيث تدلُّ كل واحدة منها على عملها ومعناها، وهي (إن، إذا، لو، لولا، لوما، من، كلما، لما….).وقد استخدم الشاعر لقمان محمود بعضاَ منها في بناء هذا الأُسلوب لأبياته الشعرية ،فـ (إذا وإن)اللتان تفيدان جازم وغير جازم ولكل منها دلالة في العبارة أو الكلام، فتدلُّ (إذا)على صيغة المعنى المقطوع بحصوله والكثير الوقوع، لكن (إن) تدلُّ على الاحتمال أو الشك في وقوع الحدث، وكلاهما تفيدان الاستقبال، أما (لو، ولولا) اللتان تدخلان على الفعل الماضي والمضارع فتدلان على ما مضى من الزمن ,وكذا في بقية الأدوات، فلكل أداة حقها في الأسلوب والصياغة، لكن يمكن القول ومن خلال شواهد هذا الأسلوب أن هدفاً في استعمال هذه الأدوات هو تأكيد الشيء المحتمل وقوعه أو المشكوك في حصوله، من ذلك قوله:
كلما تخثر الدم
بكسل على الجرح
فكر الالم
فنجد ان الشاعر استخدم الاداة (لو ) و(كلما) التي تفيد التكرار. وقوله ايضا:
كلما وصل شهداؤنا اليه
اسدل ستائره فوق دمنا كعادته)
ولأسلوب الأمر نصيبٌ في بناء أبياتهم الشعرية، وإن كان غير واسع في مجموعته، لكن لا بُدَّ من الوقوف على بعض الشواهد التي فتحت المجال أمامه في بناء تراكيبه وصياغة نصوصه الشعرية .والأمر هو صيغة تستدعي الفعل، وقول ينبيء عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء, وله صيغ وأساليب مختلفة كفعل الأمر وفعل المضارع المقرون بلام الأمر واسم فعل الأمر والمصدر النائب عن فعل الأمر، ويخرج أيضاً من معناه الأصلي إلى معانٍ بلاغية مختلفة تضفي على المعنى رونقاً وجمالاً وتزيده عمقاً في الدلالة وأثراً بالغاً في النفس منها الترجي والنصح والإرشاد والالتماس واللوم والتقريع والتوجع والتحسر وغير ذلك من المعاني كقول الشاعر:
عودي ايتها الجريحة
عودي, لتشلحي الحرب قليلا
هيأت لكل جرح شفتين من فمي
فقد استخدم الشاعر صيغة فعل الأمر(عودي)ونلاحظ أن أسلوب الأمر خرج إلى النصح والإرشاد، كما استخدم الشاعر صيغة اسم فعل الأمر في قوله
ساغمض الحكاية
فايامي شاخت
وكان لأساليب الطلب نصيب وافر في مجموعة الشاعر لقمان محمود التي تدخل في باب علم المعاني وأول هذه الأساليب أسلوب الاستفهام، فقد جاء في لسان العرب أن الاستفهام هو(طلب الفهم) و(طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل)وقد وجد ذلك أيضاً في اصطلاح النحاة. أما عند البلاغيين فقد عدّوهُ (طلب حصول صورة الشيء في الذهن). إذن فهو من أساليب التراكيب النحوية ذات الآليات الفاعلة في توجيه المعنى البلاغي، وهذه الآليات أدوات أسماء وحروف يعمل بهما، فالهمزة وهل حرفان وأما (ما ومن ومتى وأين وأيان وأنى وكيف وكم وأي) فأسماء، وأحياناً نجد أسلوب الاستفهام يعمل بدون أداة تذكر، وكما يذكر الدكتور أحمد عمارة (وهذه في حقيقة الأمر تكون بنغمة صوتية وليست بأداة محذوفة، ومنها ما يتم الاستفهام فيها بطريقة غير مباشرة حيث يفهم الاستفهام من السياق). ومن خلال الوقوف على هذا الأسلوب في مجموعة الشاعر لقمان محمود وجدنا أن هذا الأسلوب قد خرج من معناه الأصلي إلى معانٍ مجازية لدلالة بيانية مقصودة يوحي بها سياق الكلام، وقد أشار إلى ذلك السيوطي مُحلِلاً أن الشاعر عموماً لا يطلب فهماً أو استخباراً في تجربته الخاصة، فهو العالم بكلياتها وجزئياتها ولَئن استفهم فليس جهلاً بأمر أو استنطاق امرئٍ إنما يستفهم مقرراً أو نافياً أو متفجعاً أو متحسراً أو متعجباً. فضلاً عما يضيفه هذا الاستعمال المجازي على الكلام من حيوية وإقناع وتأثير ٍبه لما في هذا الاستعمال المجازي من إثارة للسامع وجذب لانتباهه ومن إشراكـه في التفكير ليصل بنفسه إلى الجـواب دون أن يُملي عليه أحد .
ويأتي لتمرير المعنى وضبط الدلالة ، فليس المقصود المعنى القريب الذي يؤخذ منه اللفظ لأول وهلة ولكن المراد المعاني الإضافية والدلالات الثانية التي تنبع من التراكيب والتي تفهم من السطور, فضلاً عما يؤديه من وظائف فنية ومعنوية ودلالية إلاّ أنه يمثل في نظر النقاد المحدثين انزياحاً سياقياً، ينظر إليه لما يحدث من خرقٍ للدلالة, لأن أي تغير في النظام التركيبي للجملة يترتب عليه بالضرورة تغير الدلالة، وانتقالها من مستوًى إلى مستوًى آخر, فعلى المستوى الفني، فإنه يحدث نتيجة لانفعال الشاعر وخوفه على موسيقى شعره أو قافيته أو محاولة الخروج عن القيود التي تفرضها قواعد النحو. إذن يمكن القول أن التقديم والتأخير له من المقومات الأساسية ما تجعله يدخل في مقدمة تراكيب البيت الشعري، لما يعطيه من حرية في تأليف الكلمات، ومن خلال الوقوف على الأبيات الشعرية لشاعر لقمان محمود، سنحاول أن نتعرّف أنواع التقديم والتأخير وتحديد الوظيفة التي أدّى لها، فقد وجدنا في مجموعته الشعرية شواهد عديدة تدلُّ على تأخير ما حقه التقديم وتقديم ما حقه التأخير وهذا يدلُّ على سعة قدراته في اللغة والإحاطة بتراكيبها وقوانينها بغية التوفيق بين ما يريده وما تقتضيه اللغة وقواعدها من جانب، وما يقتضيه الوزن وضوابطه من جانب آخر.
وأسلوب آخر في بناء نصوصهم الشعرية هو أسلوب الحذف، فقد وصف الجرجاني باب الحذف بأنه(باب دقيق المسلك، لطيف المآخذ، عجيب شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر والصمت من الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن)كما عدّوهُ ضرباً من ضروب الإعجاز، فهو أدق موضوعات البلاغة مسلكاً، وادعاها لأعمال الفكر, ومن هذا الوصف الدقيق لأسلوب الحذف يدخل الذوق الأدبي في تحديد عالم هذا السحر البياني، فتعددت صور الحذف.
وأجاد الشاعر لقمان محمود في بناء أبياته الشعرية أسلوب العرض والتحضيض، وهو من الأساليب النحوية الإنشائية، فقد جاء في اللغة أن أصل العَرْضُ(عرْض الشيء عليه يعرضهُ عرضاً، أو عرض الشيء للنظر فيه أو للبيع) أما التحضيضُ، بمعنى الحث والتحريض
,وفي الاصطلاح أسلوب العرض والتحضيض طلب الشيء، لكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بشدة. وآليات هذا الأسلوب كما اتفق عليها البلاغيون والنحويون (هَلاَّ ، ألاَّ، لوما، لولا) وأضافوا إليها، ألا، لَوْ، ألمْ، هل، وحددوا عمل هذه الأدوات. كما يخرج هذا الأسلوب إلى معانٍ مختلفة نفهمها من خلال شرح البيت. ومن الأساليب النحوية الأُخرى أسلوب الشرط، فقد كان له أثرٌ واضحٌ في مجموعته الشعرية، ولعلَّ ذلك يعود لانسجام هذا الأسلوب مع جوانب حياته التي نجد فيها التحدي والمنازلة والفخر والمديح والتهديد والوعيد، فهذه المعاني في حياته وغيرها جاءت متوازية ومرافقة مع أداة الشرط وفعلها وجوابها، وبذلك فتحت جملة الشرط مجالاً واسعاً للشعراء في الصياغة والتركيب ، ولهذا الأسلوب آلياته حيث تدلُّ كل واحدة منها على عملها ومعناها، وهي (إن، إذا، لو، لولا، لوما، من، كلما، لما….).وقد استخدم الشاعر لقمان محمود بعضاَ منها في بناء هذا الأُسلوب لأبياته الشعرية ،فـ (إذا وإن)اللتان تفيدان جازم وغير جازم ولكل منها دلالة في العبارة أو الكلام، فتدلُّ (إذا)على صيغة المعنى المقطوع بحصوله والكثير الوقوع، لكن (إن) تدلُّ على الاحتمال أو الشك في وقوع الحدث، وكلاهما تفيدان الاستقبال، أما (لو، ولولا) اللتان تدخلان على الفعل الماضي والمضارع فتدلان على ما مضى من الزمن ,وكذا في بقية الأدوات، فلكل أداة حقها في الأسلوب والصياغة، لكن يمكن القول ومن خلال شواهد هذا الأسلوب أن هدفاً في استعمال هذه الأدوات هو تأكيد الشيء المحتمل وقوعه أو المشكوك في حصوله، من ذلك قوله:
كلما تخثر الدم
بكسل على الجرح
فكر الالم
فنجد ان الشاعر استخدم الاداة (لو ) و(كلما) التي تفيد التكرار. وقوله ايضا:
كلما وصل شهداؤنا اليه
اسدل ستائره فوق دمنا كعادته)
ولأسلوب الأمر نصيبٌ في بناء أبياتهم الشعرية، وإن كان غير واسع في مجموعته، لكن لا بُدَّ من الوقوف على بعض الشواهد التي فتحت المجال أمامه في بناء تراكيبه وصياغة نصوصه الشعرية .والأمر هو صيغة تستدعي الفعل، وقول ينبيء عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء, وله صيغ وأساليب مختلفة كفعل الأمر وفعل المضارع المقرون بلام الأمر واسم فعل الأمر والمصدر النائب عن فعل الأمر، ويخرج أيضاً من معناه الأصلي إلى معانٍ بلاغية مختلفة تضفي على المعنى رونقاً وجمالاً وتزيده عمقاً في الدلالة وأثراً بالغاً في النفس منها الترجي والنصح والإرشاد والالتماس واللوم والتقريع والتوجع والتحسر وغير ذلك من المعاني كقول الشاعر:
عودي ايتها الجريحة
عودي, لتشلحي الحرب قليلا
هيأت لكل جرح شفتين من فمي
فقد استخدم الشاعر صيغة فعل الأمر(عودي)ونلاحظ أن أسلوب الأمر خرج إلى النصح والإرشاد، كما استخدم الشاعر صيغة اسم فعل الأمر في قوله
ساغمض الحكاية
فايامي شاخت
وكان لأساليب الطلب نصيب وافر في مجموعة الشاعر لقمان محمود التي تدخل في باب علم المعاني وأول هذه الأساليب أسلوب الاستفهام، فقد جاء في لسان العرب أن الاستفهام هو(طلب الفهم) و(طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل)وقد وجد ذلك أيضاً في اصطلاح النحاة. أما عند البلاغيين فقد عدّوهُ (طلب حصول صورة الشيء في الذهن). إذن فهو من أساليب التراكيب النحوية ذات الآليات الفاعلة في توجيه المعنى البلاغي، وهذه الآليات أدوات أسماء وحروف يعمل بهما، فالهمزة وهل حرفان وأما (ما ومن ومتى وأين وأيان وأنى وكيف وكم وأي) فأسماء، وأحياناً نجد أسلوب الاستفهام يعمل بدون أداة تذكر، وكما يذكر الدكتور أحمد عمارة (وهذه في حقيقة الأمر تكون بنغمة صوتية وليست بأداة محذوفة، ومنها ما يتم الاستفهام فيها بطريقة غير مباشرة حيث يفهم الاستفهام من السياق). ومن خلال الوقوف على هذا الأسلوب في مجموعة الشاعر لقمان محمود وجدنا أن هذا الأسلوب قد خرج من معناه الأصلي إلى معانٍ مجازية لدلالة بيانية مقصودة يوحي بها سياق الكلام، وقد أشار إلى ذلك السيوطي مُحلِلاً أن الشاعر عموماً لا يطلب فهماً أو استخباراً في تجربته الخاصة، فهو العالم بكلياتها وجزئياتها ولَئن استفهم فليس جهلاً بأمر أو استنطاق امرئٍ إنما يستفهم مقرراً أو نافياً أو متفجعاً أو متحسراً أو متعجباً. فضلاً عما يضيفه هذا الاستعمال المجازي على الكلام من حيوية وإقناع وتأثير ٍبه لما في هذا الاستعمال المجازي من إثارة للسامع وجذب لانتباهه ومن إشراكـه في التفكير ليصل بنفسه إلى الجـواب دون أن يُملي عليه أحد .
جريدة التآخي البغدادية