اديب سيف الدين
حاولتُ أن أنفرد بهذا الموضوع الوجداني الذي يتعلق بمصير ابنائنا اكبادنا اطفالنا حُماة مستقبل الأمة .. وللوقوف على أهمية الطفل ودوره في بناء مجتمع متقدم وسوي .. وما يتطلب من الحقوق والواجبات تقديمه للطفل من ابويه ومن الحكومات.. فكان لزاماً علي أن أُساهم ولو بقدر ضئيل عسى أن اكون الاول بالدخول الى هذا الفضاء المليء بالعطاء والاسرار والمهم والمرتبط عضويا بحياتنا .. بعد ان هاجره وتركه كتابنا واصحاب اقلامنا السوداء منها والبيضا, والتي هي بعيدة عن هذا الجانب المهم والحساس من حياتنا ومسيرتنا , والأهم في حياة الشعوب التي تصنع النصر لنفسها.. هؤلاء المثقفين لا يشغلهم سوى هاجس السياسة ولهم الحق في ذلك.. لكن هذا لايعني ان لانلتفت الى هذه الشموع المضيئة والتي ستكون نوراً وعونأ لنا في ما تبقى من عمرنا.
و وقوفي هذا يتعلق بمهنتي التي كنت فيها معلما أقف أمام التلاميذ .. أمام تلك السنابل والورود وباقات الريحان وأغصان أشجار الزيتون أكثر من14 سنة .. الطفولة هي الأمل والحياة ..فإن أردت أن تبني مجتمعاً سعيداَ وفرْ أسباب كل السعادة لطفلك .. فالمجتمعات والدول المتقدمة تعطي جل اهتمامها ووقتها لرعاية الأطفال وتقدمْ لهم كل متطلبات الرفاهية والصحية التي تساعدهم في تكوين نشأتهم وتطوير سلوكهم لإنهم الدرع الحصين لحماية الوطن.. ومنهم تتمخض ولادة الشباب بكلا الجنسين .. تربية الأطفال بحاجة إلى أمعان وتمهل وصبر ومراعات وانتباه في اي حركة أو سلوك او تصرف او كلمة من الابوين والكبار .. فالطفل شبيه بكاميرة فيديو فهو يلتقط ويسمع ويسجل كل مايجري من حوله وأمامه ويثبتها في الأرشيف في جمجمة رأسهِ الذي لايمحوا ابداً .. وخاصة الذكريات المؤلمة منها.. فهو بحاجة إلى عناية ورعاية واهتمام كبيرين . ولإن الطفل يمتاز بالبرائة والجمال والجسد اللين والطراوة وحلاوة البسمة والبهجة والفرح وسريع الإستجابة لأي موقف فهو يضحك لابسط الايمائيات والحركات الكوميدية من أي مصدر كان .. وسريع الغضب والبكاء لأي استفزاز. فهمه لا يقل عن الكبار فهو يميز بين الصورة القبيحة او البشعة او المرعبة ولا يستطيع ان يخفي ملامحه سواء كان بالرفض او القبول. وبما إنه حساس في عواطفه ومشاعره فهو يحتاج الى الكلمة الحلوة والتواضع والمدح والاهتمام والقبلات والعناق والطبطبة بحنان تعبيرا بالموافقة والرضا في عمل انجزه او تصرف قام به كرسم صورة أو كتابة او الانتهاء من الوظيفة المدرسية او مساعدة البنت لامها في البيت أو وجوده بين الضيوف مما يزيد من ثقته ويحس بانه مثلهم.. وبهذا ينموا سلوكه الجيد ويقوي من مداركه وافاقه.. وبما ان الطفل اناني بطبعه فهو يريد كل شيئ ملكا له. ولهذا يجب علي الأهل او الابوين إدراك هذه الغريزة وتنميتها.. ان يرشوه بمكافأت بتقديم الهدايا مقابل كل عمل او تصرف يقوم به كشراء لباس جديدة او مبلغ من المال او الحلوة وما يسيل اللعاب .. والإبتعاد عن كلمات نابية كالاهانة والتحقير ومايشير الى البغض والحقد والإكراه والضرب الجسدي المبرح وخاصة العنيف منه والابتعاد عن الاماكن الحساسة من جسمه عند العقوبة ..مما يزيده الخوف والرعب والانطواء والكسل والاهمال وعدم الثقة بنفسه. والعمل بالمساواة بينه وبين اخوانه او اخواته سواء الصغار منهم او الكبار والابتعاد عن عدم المساواة الذي يخلق عنده روح الشر والعداوة والصراع لأهله ورفاقه ومايحيط به ..والانتباه الى ماهو الاهم بالإستماع اليه بشكل جيد وتشجيعه. ان لا يكذب الابوين امام اطفالهم وان لايلجؤا الى العراك وبالاخص بالايدي .. ان يؤجلوا نقاشاتهم وخلافاتهم وغضبهم الى حين غياب الاطفال .. بهذا نكون قد بنينا اسس وقواعد لتنمية سلوك الطفل وتقدمه .. فالمجتمعات والدول الديمقراطية والمتحضرة ثقافيا وعلميا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وصحيا وتكنلوجيا إنما هي نتاج تربية مجتمعاتهم التي خصصت لهم مراكز الحضانة والتأهيل والتقويم الصحيح ووفرت لهم جميع أسباب الراحة ومتطلبات الحياة الصحية والفكرية . فالفرد حرٌ في آرائه ومعتقداته بعكس العبودية التي تنتهكها حكامنا الدكتاتوريين من ظلم واستعباد والولاء الأعمى لهم حتى في الباطل والكفر والاسترذال , ولهذا نجد الفارق بيننا وبينهم حتى في الوفيات في عدد الأموات , هم يموتون بالعشرات ونحن نموت بالالاف لسوء التغذية والرعاية الصحية.. وببساطة نحن ننتمي الى الدول النامية التي تستعمر من قبل فئات ضالة ووحوش تنهش في جسد الجميع .. فالسر يكمن في الرعايا والاهتمام بالطفل ..