أشعرُ بالذنب ِتجاهَ والدي الشاعر ملا أحمد بالو …!؟

  ريزان بالو

في البداية ِأودُّ أن أعترف بأنَّ رحيلَ ملا أحمد بالو (والدي) في التاسع ِمن شهر أيار 1991م كان َبالنسبة ِإليَّ بمثابة ِصعقة ٍفي الروح ِلشعوري بحجم ِالمسؤولية التاريخية والقومية تجاهَ ارث لا يمكن الاستهانة َبه ِقضى جلَّ حَياته ِفي إنتاجه ِوتركهُ أمانة ًفي عنقي .

سبعة دوواين شعرية بقيتْ في الظلمة لأكثر من نصفِ قرن إضافة ًإلى كتاب ِ(قواعد اللغة الكردية) الذي صدرَمؤخراً وقاموس كردي – تركي.
كلما نظرتُ إلى هذه المخطوطات شَعرتُ بالذنبِ وبتأنيب ِالضميركلما قلبتُ أوراقَ إحدى مؤلفاته لاسيما قصيدته الطويلة الملحمة (اجتماع الخالدين) ذاتَ العشرة آلاف بيت التي تعتبرمن بينَ أطول القصائد والملاحم في التاريخ  .
لاأخفي بأنَّ الأمسية التي أقيمتْ في بيتنا بمناسبة أربعينَ يوماً على رحيله ِبمؤازرة ِأصدقائه المقربين أمثال الأستاذ أحمد حسين (رحمه الله) والأستاذ عبد الرزاق جنكو منحتني الثقة والأمل في تحقيق حلمهِ الذي ظلَّ يراودهُ حتى آخر نبضة ٍفي قلبه ِولن تبرحَ مَخيلتي مَقولة الأستاذ عبد الرزاق جَنكوأثناء تقديمه الحفل في تلك الأمسية :
(أن قبرالشاعربالو في المحمقية سيكون يوماً ما قبلة لسواح الأدب العالمي عموما والأدب الكردي خصوصاً ) وقد عبرتُ عن مشاعري تلك في الكلمة التي ألقيتها باسم عائلة الراحل لكل من ساهمَ في إحياءِ هذه الأمسية وشاركَ فيها …
كانَ أملي ومنذ رحيله ِإلى يومنا هذا طباعة كتبه ِوانتشارأشعاره التي  تمجد تاريخ وبطولات شعبنا ورموزه القومية ومنهم القائد الخالد ملامصطفى البارزاني الذي كان من اشد المعجبين بشخصيته وعندما سمع بخبروفاة البارزاني فقد توازنه واصطدم رأسه بالأرض مما سبب له مرضاً مزمناً .
القلق الذي كنتُ أعيشهُ دفعني للسفروالتنقل بين القرى والبلدات التي عاشَ فيها والدي فألتقي بأصدقائه ِومعارفه ِوأدون انطباعاتهم وذكرياتهم معهُ لتعينني في إتمام مهمتي بالرغم من ضيق اليد والظروف الأمنية الصعبة حيث كانت أعماله التي أهرق دمهُ بين كلماتها ويقضي الليالي في تأليفها وطباعتها على الآلة الكاتبة في حجرته ِالضيقة متوزعة في أكثر من مكان خوفاً على مصادرتها من قبل قوات الأمن بَعدَ المداهمات المتكررة على بيتنا وضياع الكثيرمن كتبه ِالهامة منها كتابهُ المترجم من اللغة الفارسية إلى اللغة الكردية ( بندي عطار) – حكم عطار- للشاعر الفارسي المعروف فريدالدين عطار كما أعلمني الأستاذ الباحث دحام عبد الفتاح .
لمْ أدع سبيلا إلا وسَلكته ُأوهيئة ًإلا وطرقتُ بابها أوصديقاً إلا وشاورتهُ بالأمركما سَبق وأشرتُ في حوارسابق ٍأجراهُ معي الصديق الشاعرأحمد حيدر بدءاً من المنابرالحزبية والمستقلة مروراً بالشخصيات الوطنية وانتهاءً بالمؤسساتِ الإعلامية والثقافية داخلَ الوطن وخارجه بغية إخراج أعماله ِإلى النورلكن – للأسف- باءت ْجميع محاولاتي بالفشل  . 
الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي – الذي تبنى طباعة ونشر ديوان ( دوروكرا كردستان ) وساهم الصديق الصحفي سيامند إبراهيم – مشكوراً-  في إعداده وهو الديوان الشعري الوحيد المطبوع الآن وهي لفتة طيبة لاشك إلا أن الديوان لم يأخذ نصيبهُ من الانتشاربالشكل المطلوب في المناطق الكردية أوكما كنتُ أتوقعه ُمن حزب يتمتعُ بجماهيرية واسعة وأعتقد بأن هناك كميات كثيرة من نسخ الديوان المذكورمركونة على الرفوف أو بين أيدي من لا يتقن  اللغة الكردية وهذا ما يتأسى له القلب  .
كما أن شهادة التكريم التي منحتها للراحل ( ملتقى نرجس الثقافي الاجتماعي ) في الذكر ى (20) من رحيله دفعتني للسير قدماً نحو مساعيَّ الرامية لتحقيق ما أصبو إليه ِ .
لابدّ من الإشارة ِإلى أن كتابَ (قواعد اللغة الكردية ) الذي ترجمهُ الصديق الشاعركاسي – من الحروف العربية إلى اللاتينية – بقي حبيس أدراج مؤسسة سما كرد للثقافة والفن أكثر من أربع سنوات ولولا جهود بعضَ الأصدقاء والدعم المادي من الصديق المغترب (وليد أبو آراس) لما رأى الكتاب النورومن المؤلم أن لا يحظى الكتابَ بعدَ صدوره ِباهتمام النقاد ِولمْ يتوقف عندهُ أحد بالبحث أوالدراسة  – باستثناء الندوة التي أقيمتْ بهذه ِالمناسبة في مكتب المجلس الوطني الكردي بحضورنخبة من المثقفين الكرد – وبعض الملاحظات الشفهية من الأخوة بأنَّ الكتاب لم يتضمن أية رؤى لغوية جديدة متناسين بأننا نعيشُ في زمن ٍتحوّلَ العالم فيه إلى قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات ونعيشُ في عام 2012 وأن الكتاب الذي ألفهُ الراحل يعود إلى فترة الستينات من القرن الماضي ولا يخفى على أحد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان يعيشها الكردي في تلك الفترة  وما يأسفُ له تقاعس الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية عن توزيعه ِفي المدن الكردية فجاءَ توزيعهُ بجهد ٍفردي وعلى نطاق ضيق جداً ومخيباً للآمال .  
مايثلجُ الصدرهومبادرة رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا إعلان جائزة ملا أحمد بالوالسنوية التي منحتْ هذه السنة للشاعرة نارين عمر إحدى مبدعاتنا الكرديات ومن الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي الكردي التي تحفل قصائدها ” بهدير نهر دجلة وحفيف أشجارعين ديوار وشدو الطيور وعبق النسيم في ديركا حمكو  ”
ونشرت مقالة رائعة بعد حصولها على الجائزة في موقع ( ولاتي مه ) بعنوان (جائزة أحمد بالوورقصة بوطانيّة ) تقول فيها ” من عزفِ دجلة أحضنُ مقطوعة مودّةٍ, ومن رقصاتِ ديرك, أقبّلُ رقصة منتشية,أهبها إلى كلّ القائمين على جائزة (ملا أحمد پالو), وإلى رابطة الكتّاب والصّحفيّين الكرد في سوريا بإداريّيها وأعضائها, وأشكرهم على الثقة الغالية التي منحوني إيّاها, ولن أنسى ما حييت عائلة پالو التي شملتني بودّها وتقديرها, وأخصّ بالشّكر الأخ الأستاذ ريزان الذي منحني ثقة العائلة الكريمة ”
وبمناسبة الذكرى الحادية والعشرون لرحيله ِوتقديرًا لدوره ِفي مجال ِالأدب والتراث ومواقفه الوطنية ونضالاتهِ دعت ْرابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا لزيارة ضريحه ِفي (محمقية) استجابتْ لها العديد من الكتاب ِوالمثقفين الكرد حيثُ وضعَ أكليلاً من الزهورِوألقيت كلمات وقصائد من وحي هذه المناسبة  .
مايثيرُالدهشة والاستغرابَ – وبعدَ كل هذه المعاناة والمعوقات والمنغصات – ثمة من يسأل وهو يضعُ رجلا فوق َرجل دون َأدنى شعور بمثل هذه المهمة القومية والإنسانية الملقاة على عاتقي : أين كانَ ابنه ُطوال َعشرينَ سنة من رحيله ِ!؟
ثمة مثل كردي يقول  : ” من رجله في النارليس مثلَ من رجله في الماء ”
أخيراً لا بدَّ أن أشكر كل من ساعدني ووقفَ إلى جانبي – بالعمل ِلا بالقول – لما فيه ِخدمة شعبنا الكردي وتراثه الأدبي وأؤكد بأنني لن أتوانى لحظة واحدة في إتمام مابدأتهُ وأن أضعَ بين أيدي  القراء كل سنة وفي ذكرى رحيله ِكتاباً من مؤلفاته ِ …..!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…