نيران سينما عامودا تصل إلى السليمانية.. محاضرة ألقاها عبد الباقي يوسف في ذكرى حريق سينما عامودا

 عامودا، هذه المدينة التي مازالت تحترق في كل ساعة وفي كل دقيقة من زمنها المرهون بالحرائق والفجائع، لم تيأس يوماً ما ولم تتقاعس لحظةً واحدة عن إنجاب الأطفال. وعلى الرغم من معرفتها المسبقة أن أطفالها لن يكونوا سعداء كبقية أطفال العالم، حيث أن الصرخات مازالت تُطلق من بطن المقبرة، صرخات أطفال عامودا وهم يحترقون، صرخات أطفال عامودا حينما كانت النار تنهش في أجسادهم الرقيقة.
(عامودا) مدينةٌ ارتبط اسمها بـ (السينما)، (سينما عامودا) ارتبط اسمها بالحرائق، (حريق أو إحراق سينما عامودا)، مأساة حقيقية من أرض الواقع، كتبها (283) طفلاً كردياً. لم يكن لهم ذنبٌ سوى أنهم أطفالٌ كُرد؛ وهكذا جمع القدر أطفال (عامودا) المدينة الكُردية عام 1960 بأطفال (حلبجة)، المدينة الكُردية عام 1988 في الاشتراك بذنبٍ واحد وموحد اختاره الله عز وجل، ألا وهو أنهم أطفالٌ كُرد.
سينما عامودا، التي أحرقت عام 1960 وراح ضحيتها 283 طفلاً كردياً، يبدو أنها لن تنزلق أبداً إلى طيات النسيان، ويبدو أيضاً أن جرح اليوم يُذكر بجروح البارحة.
في يوم الأربعاء المصادف 5/12/2007، وفي قاعة (ديالوك) في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، ألقى السيد عبد الباقي يوسف عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا محاضرةً، سلط فيها الأضواء على مجريات وأحداث حريق سينما (عامودا)، مستعيناً بوثائق وشهادات تعود إلى بعض الأطفال الذين نجوا من ذلك الحريق حينذاك، حيث أنهم الآن يعيشون بيننا. بعضهم ما زال معنا في عامودا وغيرها من مدن كردستان سوريا، والبعض الآخر يتخبط في منافي الله الواسعة.

أشار عبدالباقي يوسف، إلى أن إحراق سينما عامودا تم في عهد الوحدة بين سوريا ومصر، تلك الوحدة التي بدأت 1958 وانتهت عام 1961، وذلك تحت قيادة جمال عبدالناصر. كذلك، فإن إحراق سينما عامودا، كان في خريف عام 1960، إلا أنه وقبل أن يبدأ السيد(عبدالباقي) بسرد أحداث الحريق، عمل على شرح الأوضاع السياسية التي كانت قائمة آنذاك، مركزا في حديثه على السياسات القمعية التي كانت تُنتهج من قبل السلطات ضد الشعب الكُردي، من قمع وتنكيل وملاحقة لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني واعتقال قيادة الحزب، حيث اعتقل آنذاك رئيس الحزب الدكتور نورالدين ظاظا، وسكرتير الحزب السيد آوصمان صبري.
وتطرق كذلك إلى المشروع العنصري المليء بالحقد والكراهية ضد الشعب الكُردي، والذي قدمه العروبي المتزمت (محمد طلب هلال) تحت اسم (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسية، الاجتماعية والقومية).
ومن ثم بدأ بسرد مجريات الحريق الذي (نُشب) في سينما عامودا، ملتهما المئات من الأطفال الذين كانوا جميعاً تلاميذاً في المرحلة الإبتدائية. واستشهد المحاضر بكتابات السيد حسن دريعي، الذي كان طفلاً من أولئك الأطفال الذين كانوا داخل السينما أثناء الحريق، ولكنه كان من الناجين، حيث كتب السيد حسن دريعي مشاهداته وأحاسيسه ورأيه فيما جرى، فيقول في إحدى كتاباته:” كان يوجد في عامودا مقبرتان، وكانت تسمى الأولى بالمقبرة الكبيرة والثانية بالمقبرة الصغيرة، إلا أنه وبعد دفن جثث أطفال سينما عامودا في المقبرة الصغيرة، أصبحت المقبرة الصغيرة بين ليلةٍ وضحاها أكبر من تلك المقبرة التي كانوا يسمونها بالمقبرة الكبيرة”.
وبعد أن أنهى السيد عبد الباقي يوسف محاضرته، عرضت لجنة إعداد المحاضرة، صورا توثيقية تبين أوضاع مدينة عامودا في ذلك الحين، وكذلك صوراً: لأطفال سينما عامودا. المقبرة التي احتضنت أكثر من 280 طفلاً كردياً بين ذرّات ترابها.
ثم فتح باب الأسئلة، حيث شارك الحضور بشكل ملفتٍ للنظر بطرح أسئلتهم وملاحظاتهم وانطباعاتهم عن المحاضرة التي أُلقيت، وكانت تلك الملاحظات والانطباعات بمجملها تتلخص في النقاط:
1_إن اهتمام الكُردي بقضية شعبه بالشكل اللائق واللازم، كان سيفضي إلى جعل يوم إحراق سينما عامودا يوماً للطفل العالمي نظراً للعدد الكبير من الأطفال الذين أُحرقوا حينذاك، وكانوا جميعاً تلاميذاً في المدرسة الابتدائية. لكن، لعدم وجود الاهتمام اللازم، بسبب الظروف القاسية التي يمر بها الشعب الكُردي، فإن كارثة سينما عامودا يكاد يلفها النسيان.
2_قال أحد الحضور، وهو سياسي من جنوب كردستان (كردستان العراق): مارست السياسة لمدة 54 عاماً، ولكنني لم أعلم عن عامودا كما علمت عنها الآن في هذه الدقائق المعدودة.
3_إحراق سينما عامودا، كان عملية مدبرة ومخططا لها مسبقاً، بغية ضرب المستقبل العلمي لهذه المدينة التي عُرفت بنشاطها الأدبي والثقافي والسياسي آنذاك.
4_الحركة الكردية في سوريا مطالبة بإحياء ذكرى هذه الكارثة، وفضح السياسات العنصرية المتبعة ضد الشعب الكردي من قبل السلطات الحاكمة.
تقرير: آراس عبدي ومحمد بشار _ خاص ثروة
فوتو: جيان كُرد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…