بإمكان قارئ العربية أن يكتشف بسهولة تلك النبرة الصاخبة المشوبة بالتمرد و الفتوة و المعرفة و الكآبة و اختبار الحياة بحلوها و مرها.
و ذلك في كتاب شعري فريد قام بترجمته عن اليابانية الشاعر السوري المتميز محمد عضيمة و الكتاب هو (كمشة من رمال) لشاعر ياباني شاب (تاكو بوكو) توفي بداء السل و هو لم يكمل الثلاثين من عمره ، و بإمكان القارئ أن يكتشف ذاته وروحه في الصور المجازية و الاستعارات التي تقترب بشئ ما من روح الشعرية العربية خاصة من متابعي الشعر الحديث ، حيث الاحتفاء باللغة العادية البسيطة المعبرة يحل مكان اللغة المجازية المتطرفة.
سمة شعر تاكو بوكو هي في الدرجة الأساس البساطة الساطعة التي لا يشوبها (اللف و الدوران) حول المعنى أو خلف الكلمات التي تقترب إلى حد لافت من (التلقائية) المستسلمة للإصغاء إلى الأصوات التي تصدر من داخل الشاعر و الإشارات الشعرية المشعة التي تنبعث من ذاته الموغلة في ألم دفين و الإحساس الفظيع باقتراب الموت حيث نجد هذا الإحساس الدائم في المقاطع الأخيرة من الكتاب :
كانت بي رغبة
الذهاب، و لمرة واحدة، حتى إلى النهاية
يا لهذا الممر الطويل داخل المشفى .
…….
لم استطع أن أموت
رغم أنني حاولت مرة تلو مرة أخرى
يا لماضيّ المحزن الغريب .
كما كتب محمد عضيمة في مقدمة أشعار تاكو بوكو اللحظات المريرة من حياته الاجتماعية المتأرجحة بين الاستقرار و الرحيل شبه الدائم بين منطقة و قرية وبين تنقله المستمر ضمن مهنة التدريس التي على ما يبدو لم يخلص لها فاستسلم إلى حياة الكسل و الفقر و الإدمان على شرب الكحول و ارتياد أوساط الراقصات و مع ذلك شهدت حياته الإبداعية في تلك الفترة إنتاجا شعريا مكثفا فكتب خلال يومين أكثر من 200 قصيدة نجد أغلبها منشوراً في هذه الترجمة , و هذه القصائد مكتوبة على شكل التانكا و هذا الشكل هو من الأشكال التعبيرية، كان سائدا في فترة العشرينيات من تاريخ الشعر الياباني و هو (أغانٍ قصيرة) على رتل إيقاعي مؤلف من 31 مقطعا صوتيا يتم توزيعها على خمسة اسطر :
كمثل اللؤلؤ
يلمع الحنين بين جوانحي
كمثل مياه عذبة يستقر هناك .
…….
صعدت إلى أعلى الجبل
بلا سبب لوحت بقبعتي من هناك
ثم هبطت من جديد .
أجمل ما في حياة تاكو يوكو هو إحساسه الدائم بأن هناك المزيد من الوقت كي يعيش ويدون ما فاته من العمر وهو طريح الفراش ، يدوّن تاريخا آخرا لذاكرته التي تضعف يوما عن آخر بسبب مرض السل ، يدون التفاصيل المثيرة لمغامراته (الطفولية) الشبقية التي امتدت على ما يبدو إلى شبابه و جعلته شاعرا حادا فوضويا بقلق دائم و روح متثائبة على الدوام :
اشتهي اليوم امتلاك النقود
كتلك الأيام
التي كنت أشتهي فيها الشراب
…..
بعد أن ملّ ابن عمي
حياة الصيد في الجبال
انزوى للخمر، باع بيته، مرض و مات.
سنة 1912 تخلّص تاكو يوكو من حياته و قد أمضى 27 سنة منها في الضياع و البقية في كتابة الشعر .
إبراهيم حسو
تاكو بوكو (كمشة من رمال)
ترجمة محمد عضيمة
دار التكوين دمشق 2007
—-
صحيفة تشرين -ملف الاسبوع الثقافي -السبت 1 كانون الأول 2007