جرائم الشرف… وأد الأنثى من جديد

مسعود عكو

أن ترتكب العشرات من جرائم الشرف كل سنة في سوريا، لدليل واضح وصريح على الظلم القابع على الأنثى في هذا البلد من جهتين، أولهما اجتماعية لما لهذه الظاهرة من بعد عشائري متخلف يلجأ الذكر فيه إلى قتل أنثى بحجة غسل العار والانتقام لشرفه، ويرجع بجذوره إلى ظواهر كانت سابقة موجودة في مجتمع ما قبل الإسلام (الوأد) مثالاً، وثانيهما القانوني والمتمثل بوجود مواد ونصوص قانونية، توعز لقتل الأنثى أو تحمي القاتل بمعنى أدق، وتمنحه حكماً مخففاً، لأنه ارتكب جريمة بحق إحدى أصوله، أو فروعه متذرعاً بمفاجأتها وهي في منظر مخل بالأداب والشرف، رغم أن القاصي والداني يعرف من المعرفة عزها، أن القاتل نادراً ما يفاجئ ضحيته، ويحكم القضاء مرة تلو الأخرى، بحكم مخفف لمراعاة العادات، والتقاليد الاجتماعية المتخلفة البالية، والتي بنتيجتها يبرم الذكور شواربهم لأنهم غسلوا عارهم وانتقموا لشرفهم.
ظاهرة جريمة الشرف، التي رفضت السيدة ديالى الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بتسميتها ظاهرة، يوماً بيوم تتحول إلى أسلوب جديد لمعاقبة الأناث من المجتمع الذي يتفاخر، ويصفه الكثيرون بأنه نصفه، ويكأن السيدة الوزيرة تتمنى المزيد من هذه الجرائم، ولا يمر يوم دون تسجيل جريمة أخرى، يقطع سياف عنق زهرة أخرى، أو قاتل يزهق روح أنثى، فتأتي القوانين الموضوعة من قبل حقوقي، وقانوني هذا البلد، لتساهم في قتل المزيد من الأناث اللواتي يقمن، أو يشكك في إقامتهن علاقات جنسية، أو غرامية غير شرعية، في حين لا يعاقب القانون نفسه الذكور الذين يقومون يومياً بهكذا علاقات، ويلتجأون إلى  تجديدها كلما دعت الحاجة.
الله عز وجل، لم يخص بالذكر المرأة بالعقوبة إذا زنت، بل كانت أحكامه جل وعلا واضحة، وجلية في الآية الكريمة قائلاً: ” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ” النور (2). أي أنه يتساوى الذكر، والأنثى في العقوبة. في حين ينفرد القانون، والمجتمع بتطبيق آيات الله عز وجل، بذريعة التدين ويغفلونها عن الذكور، المعنى لا يكمن في تطبيق الحد على الجنسين بل الواجب درء الوقوع في هذه الكوارث وتكثيف الجهود التثقيفية للحد من تحول العلاقات الجنسية والغرامية الغير شرعية إلى ثقافة وفساد اجتماعي ينهكه ويخل بقيمه التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وتحترم في المحصلة.
الحسكة إحدى المحافظات السورية، يقطنها غالبية كردية، مشتركة مع أقلية عربية ومسيحية، ارتكبت فيها في النصف الأول من هذا العام أكثر من ستة ما يسمى بجرائم الشرف، وكانت الغلبة فيها للكرد، حيث سجلت خمسة حالات كردية، وحالة عربية، ورمز إلى أغلبية الحالات بأحرف، وذلك احتراماً للتقاليد الصحفية، والخشية تكمن في أن تنتهي كل أحرف الأبجدية، ونستعين بأرقام للدلالة إلى هذه الجرائم، التي تتحول رويداً رويداً، إلى متوالية جرائمية رقمية وحرفية، مخترقين فيها مرتكبوها، أبسط الحقوق الإنسانية ناهيك عن حكم الله عز وجل.
الأرقام في تزايد، وتبق الجهات الرسمية في شبه صمت مطبق، والطامة تكمن في أن تلك الجهات تعتبر هذه الجرائم مبالغ فيها صحفياً. في تحقيق صحفي هو الأول من نوعه ينشر في صحيفة تشرين الحكومية بعنوان “تشرين تفتح ملف جرائم الشرف” العدد /9947/ بتاريخ 9/آب/2007، قالت السيدة سمية غانم رئيس المكتب القانوني في الاتحاد النسائي العام :”أصبحنا في بيئة مناسبة لرفع سقف مطالبنا تجاه حقوق المرأة، ولكن الخلل القانوني الخاص بجرائم الشرف تعرض لمبالغة إعلامية واستغله البعض لمآرب في غير محلها، إذ في النهاية تلك الجرائم نسبتها صغيرة جداً، ويجب أن نعمل بكل قدراتنا لضمان استقرار الأسرة وتوعية المرأة والمجتمع، وإظهار المجتمع السوري بالمظهر اللائق” المستغرب في كلام السيدة سمية غانم، هو أن النسبة صغيرة جداً وفق رؤيتها، واستغلال البعض لمآرب في غير محلها. ما أوجه استغلال فضح هذه الجرائم، وكيف تكون النسبة صغيرة جداً في حين  تشير دراسات بعض المراكز المهتمة إلى ارتكاب أكثر من أربعمائة حالة سنوياً؟؟؟
وفي نفس التحقيق، أكد سماحة الشيخ أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية، على أن كل جريمة شرف قام بها أب أو أخ أو أي شخص من العائلة هي جريمة، وليس هناك أحد مكلف بإقامة الحد إلا الدولة والقانون، والقاتل منفذ لأهوائه لا لقيم الله. أما القاضي أنس الزين، مدير إدارة التشريع في وزارة العدل قال: “أما رأيي الشخصي في المادة /548/ فهي تمثل إشكالية وتخالف على الأقل المادتين /419و420/ من قانون العقوبات نفسه، وتنصان على معاقبة من يقدم على استيفاء حقه بالذات” أي أن النص القانوني بالأساس هو مخالف للقانون، فكيف يطبق القاضي نصاً هو مخالف لنصوص أخرى من القانون ذاته، ألا يعتبر هذا إشكالية قانونية؟؟؟
جرائم ترتكب باسم الشرف هنا وهناك، القانون مازال يفكر في تعديل المواد المخففة للقتلة، والتي بدورها تشجع على العنف الأسروي، الشارع الديني متحفظ إلى حد ما من إثارة هكذا قضية، رغم أن هناك آراء تشير إلى أنها جرائم قتل جنائية بحتة يجب محاكمتها، لكن يختلف الرأي الديني من مدرسة إلى آخرى، ومن مشرع إلى آخر، ولدينا في سوريا آراء متباينة حول الرؤية الدينية لجرائم الشرف، ويستمر مسلسل القتل بدافع الشرف، في ظاهرة تشير إلى أن الوأد عاد من جديد.
للتذكير: المادة /548/ من قانون العقوبات العام:

1-      يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذاء أحدهما بغير عمد.

2-      يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…