التكريم بالكلمات

  توفيق عبد المجيد

سررت جداً، وأنا أستلم بطاقة الدعوة من أسرتي مجلة “نرجس ومسرح الرصيف”- وهما جهتان مستقلتان غير رسميتين – لحضور تكريم صديقي، بل وأخي ، الذي لم ينظر إلي منذ أن عرفته إلا هكذا ، ولم أنظر إليه إلا كواحد من أفراد أسرتي ، لما لمسته فيه من دماثة الخلق، وحبّ الإنسان ، والرّوح الوطنية، والتفاني من أجل الكلمة

لدرجة أنه يواصل كتابته على حساب أشياء كثيرة ، في الوقت الذي يهرول فيه سواه من أجل مصالحهم ، فهو يقف بامتياز ضدّ مصلحته ، بل ومصلحة أطفاله ، لا ينخدع من خصمه البتّة ، فهو يقظ تجاهه ، لكنه قد يلدغ من جحر من يقدم نفسه له كصديق ألف مرة ، للأسف ، وطالما دفع ضريبة هذا الحب الإنساني ، وهذه الثقة بالآخر ، لأنه لا يعرف أن يقول لصديق: لا، ولا يقول لعدو: نعم….
هنا ، تماماً مأخذي على إبراهيم ، الذي أحب………..! ، ولقد كان بودي أن أحضر هذه المناسبة ، ولكن ظرفاً طارئاً- للأسف- حال دون ذلك …:
– إبراهيم اليوسف… أيها الصديق العزيز…
قديماً قالوا : المصائب محك الرجال
وقالوا : كل مصيبة تصيبني ولا تقتلني تغدو قوة لي
نعم لقد عركتك المصائب بلا رحمة… حتى ظهر معدنك الأصيل خالياً من الأتربة… مجرداً من الشوائب كالذهب…
أخي إبراهيم :
ليس مبعث فخر لك أنك كردي بكردية الأب والأم… فقد ولدت كردياً… وترعرعت كردياً… وكبرت كردياً… وعانيت وقاسيت كل ما يعانيه الكردي أينما كان… ورأيت ما يراه المبصرون من أبناء هذا الشعب… فنذرت نفسك له… له كله… ليس لحزب… ليس لفئة… بل لكل هذا الشعب… لم تفتخر بشيء اكتسبته من الرحم… منذ الولادة… لم تفتخر بشيء لم تفعله… لم تفتخر بشيء اختارته الطبيعة لك… بل يحق لك أن تفتخر بما حققته من إنجازات في المواقف الصعبة… في المحطات المفصلية من تاريخ هذا الشعب المظلوم… فكنت رجلاً عندما قل الرجال… كنت الكلمة الصادقة عندما عزت الكلمات… كنت صاحب المواقف الجريئة… عندما كان اتخاذ الموقف يودي بصاحبه إلى السجون والمعتقلات… كنت شاعراً… كنت كاتباً… كنت صحفياً جريئاً يقول الحق… يجسد المعاناة… يتكلم بلسان المئات من الألوف التي اشرأبت بأعناقها وهي ترنو إليك بنظراتها العميقة التي ترتسم وتتجسد عليها المعاناة… لتكون رسولها… لتكون المعبر عما يجيش في صدورها… لتكون أحد الناطقين باسمها… لتكون سفيرها إلى حيث يكون للكلمة وقعها وصداها وتأثيرها…
أخي إبراهيم …
مجرداً من الألقاب والأوصاف والنياشين والأوسمة… أخاطبك… أيها الإنسان البسيط… أيها الكردي المتواضع… تحضرني في هذه المناسبة مقابلة صحفية مع المستشار الألماني هيلموت شميدت… فقد سأله الصحفي : هل تفخر بكونك ألمانياً ؟ فأجابه شميدت : كلا لا أفخر بذلك… استغرب الصحفي وسأل لماذا ؟ فأجابه شميدت : لقد ولدت ألمانياً ولا فخر لي في شيء لم أفعله أو أختاره بنفسي أفخر فقط عندما أحقق شيئاً صالحاً بنفسي) نعم فمن حقك… ومن حقنا أن نفخر بتراثك… بمواقفك… بمقالاتك… بمقابلاتك… بسرعة إبدائك للآراء والمواقف…
أكتفي بهذه الكلمات… وأنا مقتنع كل القناعة أنها قليلة في حقك… فقد عرفتك عن قرب… كما عرفتك عن بعد… شجاعاً… صامداً… جريئاً… رجلاً… لم تبن جاهاً لنفسك… لم تبحث عن ثراء… ولم تشيد قصوراً… بل رضيت بالعيش كما يعيش السواد الأعظم من أبناء شعبك المقهور 
أختتم كلماتي هذه بأبيات من قصيدة للشاعر الكردي (لطيف)
 ” سأترك آلاف القصور الشامخة
وآلاف الدنانير والليرات
حتى لا أفقد صوتكم أيها الفقراء
وإذا شعرتم بأن صوتي ليس صوتكم
أو شعرتم بأن لوني ليس لونكم
حينئذٍ مزقوا شعري, وحطموني كدمية دون رحمة”
عشت متألقاً دائماً أخي إبراهيم… ودمت مع المناضلين والمخلصين مدافعاً عن هذا الشعب.

في 30- 3 – 2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…