محمد علي علي
يا عيد، . أذهب ولا تعد ثانية
إن غابت بهجة الأطفال عن أيامك…!!
نادى رب العمل على عمال ورشته بعد أن أنهوا العمل ليعطيهم أجرهم، ولا سيما أن العيد قد أصبح على الأبواب …وبعد أخذ ورد بين العمال ورب العمل حول الأجور، والغبن الذي أصابهم ، اقتنع أبو شكري برزقه، وعندما لمست كفاه الورقة النقدية ،التي لم تتلمسها منذ شهور عدة قال في نفسه :
– الحمد لله !!
يا عيد، . أذهب ولا تعد ثانية
إن غابت بهجة الأطفال عن أيامك…!!
نادى رب العمل على عمال ورشته بعد أن أنهوا العمل ليعطيهم أجرهم، ولا سيما أن العيد قد أصبح على الأبواب …وبعد أخذ ورد بين العمال ورب العمل حول الأجور، والغبن الذي أصابهم ، اقتنع أبو شكري برزقه، وعندما لمست كفاه الورقة النقدية ،التي لم تتلمسها منذ شهور عدة قال في نفسه :
– الحمد لله !!
.في طريق عودته إلى البيت ، أخذ يفكر بكومة المطالب والحاجيات التي تفتقد إليها عائلته الكبيرة: فهل يشتري بها لحما أم دجاجا ، سكاكر العيد أم ثياب العيد لأولاده ، هل يدهن بيته ” الشاحب ” بدهان جديد أم يشتري سجادة ووسائد لغرفة الضيوف في بيته، وهل وهل هل …. ! !وهكذا تزاحمت عليه المطالب حتى أصبحت كجبل شاهق بدا أبو شكري أمامه بورقته النقدية كحجرة صغيرة ؟؟
عندما وصل إلى البيت كانت زوجته تحضر ” كلجة ” العيد التي ملأت رائحتها المكان، ولكن أبو شكري لم يتلذذ- هذه المرة – بتلك الرائحة الزكية التي تبشر الناس بقدوم العيد . دعته زوجته للغداء ،ولكنه لم يشتهي الطعام ، فملذات الدنيا كلها لا يمكنها أن تمحي مرارة الحرمان من شفاه أب لايستطيع أن يهب أطفاله ملابس العيد الجديدة!
أشعل لفافة تبغ واخذ يستنشقها مع كاس الشاي وفكر من جديد :
– ” الله كريم ، في العيد القادم – إن شاء الله – ستتحسن الأمور !!
هكذا تأمل أبو شكري ثم اخرج من جيبه الورقة النقدية ، تأملها فوجدها قديمة وذات تجاعيد كثيرة فأخذ يخاطبها:
“أيتها المسكينة اللعينة، كم عانيت في شبابك !! وكم من أيد تناقلتك من مكان ، ومن زمان لآخر، لقد هرمت ولكنك لم تفقدي أبدا هيبتك و قوة نفوذك !!”
بقي للعيد ثلاثة أيام ، قرر أبو شكري أن يشتري بعضا من أغراض العيد بالدين كالسكاكر والملابس واللحم ، أما الورقة النقدية ففكر بأن يجعلها مفاجأة لأطفاله كعيديه . لقد خاف أن يصرفها ،ولكي يؤمن على ” حياتها ” أراد أن يخبأها في مكان آمن ، بعيدا عن جيوبه…؟؟ أخذ يبحث لها عن ذلك المكان ” الآمن ” ولكنه لم يفلح :
-” الحمد لله إنني لا املك الكثير من هذه الأوراق، قالها أبو شكري مداعبا نفسه ، فأين كنت سأخبئها ؟”
وأخيرا، قرر أن يدس الورقة بين فراش النوم التي وضعتها زوجته فوق بعضها البعض في غرفتهم الصغيرة المبنية من اللبن والقش. لفّ الورقة بهدوء ثم دسها بين ثنايا لحاف أحمر ثم خرج لشراء ربطة الخبز .
وجاءت ليلة العيد . أراد أبو شكري أن يخرج ” العيدية ” لكي يصرفها إلى قطع نقدية معدنية لتكون جاهزة ، ليمنحها لأولاده في صباح العيد فدخل إلى ” مصرفه ” ليخرج منه ” رصيده ” اليتيم ولكن هيهات … !!
دس أبو شكري أصابعه في اللحاف ،ولكنها خرجت خاوية الوفاض ..لقد هربت منه !! ولكن إلى أين ؟ هذا ما كان يحيره !! حاول لمرات عديدة أن يلتقطها، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل !؟
نادى زوجته ليروي لها ما حدث ، ولكن زوجته نفت نفيا قاطعا علمها بالموضوع ، بل بدأت تبكي عندما سمعت اتهامات زوجها لها ، و أكدت بأن حتى أطفالهم لايمكنهم أن يقوموا بعمل كهذا ، فهي تعرف جيدا أولادها !! .
وهكذا اختفت ” العيدية ” قبل أن يأتي العيد، وحل محلها الشك والريبة ، فأين ذهبت؟ ومن سرق ذلك الأمل الصغير من هذا البيت البائس ؟؟
جاء صباح العيد حزينا ، وبينما كانت أصوات التكبير تتعالى من المآذن ،كان أبو شكري يستغفر ربه ولم يحس بلذة العيد، وكذلك زوجته التي لم تنم الليل كله ، أما أولاده، فقد خرجوا مبتهجين كالفراشات الملونة ، يجولون بين البيوت والجيران مع أقرانهم الذين ملئوا الطرقات – وهم يرتدون ثياب العيد الجديدة – بالفرح والبهجة كأزاهير الربيع ، تفوح منهم رائحة وحلاوة سكاكر العيد !!
ومضى العيد سريعا ولكن السؤال بقي قائما ،أما الإجابة عليه فلم تتم إلا في الخريف…..
في أحد الأيام الخريفية وبينما كانت زوجة أبو شكري تنظف وترتب أثاث البيت،
وقعت بصرها على منظر لم تصدقه عيناها فصرخت وهي تبكي: ” أبو شكري “!! ركض إليها زوجها مستفسرا وإذا بزوجته تشير له بأصبعها على ثقب محفور في أرضية الغرفة ، تقدم أبو شكري نحو الثقب متفحصا ثم هز رأسه وقال وهو ينظر إلى زوجته :
– أنها العيدية ..!!؟؟
لقد عثروا عليها ممزقة الأوصال وقد تناثرت أشلاءها حول المكان ولم يبق منها سوى الفتات وهنا صاحت أم شكري فرحا لتقول لزوجها:
– اليوم هو عيدنا الحقيقي، الحمد لله، الآن يمكنني أن افرح !
عندما وصل إلى البيت كانت زوجته تحضر ” كلجة ” العيد التي ملأت رائحتها المكان، ولكن أبو شكري لم يتلذذ- هذه المرة – بتلك الرائحة الزكية التي تبشر الناس بقدوم العيد . دعته زوجته للغداء ،ولكنه لم يشتهي الطعام ، فملذات الدنيا كلها لا يمكنها أن تمحي مرارة الحرمان من شفاه أب لايستطيع أن يهب أطفاله ملابس العيد الجديدة!
أشعل لفافة تبغ واخذ يستنشقها مع كاس الشاي وفكر من جديد :
– ” الله كريم ، في العيد القادم – إن شاء الله – ستتحسن الأمور !!
هكذا تأمل أبو شكري ثم اخرج من جيبه الورقة النقدية ، تأملها فوجدها قديمة وذات تجاعيد كثيرة فأخذ يخاطبها:
“أيتها المسكينة اللعينة، كم عانيت في شبابك !! وكم من أيد تناقلتك من مكان ، ومن زمان لآخر، لقد هرمت ولكنك لم تفقدي أبدا هيبتك و قوة نفوذك !!”
بقي للعيد ثلاثة أيام ، قرر أبو شكري أن يشتري بعضا من أغراض العيد بالدين كالسكاكر والملابس واللحم ، أما الورقة النقدية ففكر بأن يجعلها مفاجأة لأطفاله كعيديه . لقد خاف أن يصرفها ،ولكي يؤمن على ” حياتها ” أراد أن يخبأها في مكان آمن ، بعيدا عن جيوبه…؟؟ أخذ يبحث لها عن ذلك المكان ” الآمن ” ولكنه لم يفلح :
-” الحمد لله إنني لا املك الكثير من هذه الأوراق، قالها أبو شكري مداعبا نفسه ، فأين كنت سأخبئها ؟”
وأخيرا، قرر أن يدس الورقة بين فراش النوم التي وضعتها زوجته فوق بعضها البعض في غرفتهم الصغيرة المبنية من اللبن والقش. لفّ الورقة بهدوء ثم دسها بين ثنايا لحاف أحمر ثم خرج لشراء ربطة الخبز .
وجاءت ليلة العيد . أراد أبو شكري أن يخرج ” العيدية ” لكي يصرفها إلى قطع نقدية معدنية لتكون جاهزة ، ليمنحها لأولاده في صباح العيد فدخل إلى ” مصرفه ” ليخرج منه ” رصيده ” اليتيم ولكن هيهات … !!
دس أبو شكري أصابعه في اللحاف ،ولكنها خرجت خاوية الوفاض ..لقد هربت منه !! ولكن إلى أين ؟ هذا ما كان يحيره !! حاول لمرات عديدة أن يلتقطها، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل !؟
نادى زوجته ليروي لها ما حدث ، ولكن زوجته نفت نفيا قاطعا علمها بالموضوع ، بل بدأت تبكي عندما سمعت اتهامات زوجها لها ، و أكدت بأن حتى أطفالهم لايمكنهم أن يقوموا بعمل كهذا ، فهي تعرف جيدا أولادها !! .
وهكذا اختفت ” العيدية ” قبل أن يأتي العيد، وحل محلها الشك والريبة ، فأين ذهبت؟ ومن سرق ذلك الأمل الصغير من هذا البيت البائس ؟؟
جاء صباح العيد حزينا ، وبينما كانت أصوات التكبير تتعالى من المآذن ،كان أبو شكري يستغفر ربه ولم يحس بلذة العيد، وكذلك زوجته التي لم تنم الليل كله ، أما أولاده، فقد خرجوا مبتهجين كالفراشات الملونة ، يجولون بين البيوت والجيران مع أقرانهم الذين ملئوا الطرقات – وهم يرتدون ثياب العيد الجديدة – بالفرح والبهجة كأزاهير الربيع ، تفوح منهم رائحة وحلاوة سكاكر العيد !!
ومضى العيد سريعا ولكن السؤال بقي قائما ،أما الإجابة عليه فلم تتم إلا في الخريف…..
في أحد الأيام الخريفية وبينما كانت زوجة أبو شكري تنظف وترتب أثاث البيت،
وقعت بصرها على منظر لم تصدقه عيناها فصرخت وهي تبكي: ” أبو شكري “!! ركض إليها زوجها مستفسرا وإذا بزوجته تشير له بأصبعها على ثقب محفور في أرضية الغرفة ، تقدم أبو شكري نحو الثقب متفحصا ثم هز رأسه وقال وهو ينظر إلى زوجته :
– أنها العيدية ..!!؟؟
لقد عثروا عليها ممزقة الأوصال وقد تناثرت أشلاءها حول المكان ولم يبق منها سوى الفتات وهنا صاحت أم شكري فرحا لتقول لزوجها:
– اليوم هو عيدنا الحقيقي، الحمد لله، الآن يمكنني أن افرح !
تأمل أبو شكري ” رفات ” العيدية مبتسما وقال :
– حتى أنت أيتها الفئران…حتى أنت تأكلين أجر العامل!؟
جمعت أم شكري الفتات، وهي تتمتم بعبارات اللوم ولكن أبو شكري ربت على كتفها وقال مازحا:
” يجب أن نحفر لها قبرا مناسبا…هيا لنقوم بمراسم الدفن ،رحمة الله عليها وعلينا وعلى العيدية التي لن نحزن على موتها أبدا!!؟
– حتى أنت أيتها الفئران…حتى أنت تأكلين أجر العامل!؟
جمعت أم شكري الفتات، وهي تتمتم بعبارات اللوم ولكن أبو شكري ربت على كتفها وقال مازحا:
” يجب أن نحفر لها قبرا مناسبا…هيا لنقوم بمراسم الدفن ،رحمة الله عليها وعلينا وعلى العيدية التي لن نحزن على موتها أبدا!!؟
وكل عام وانتم بخير
aramcosigal@hotmail.com